القدس- دانيال استرين
كيف يؤثر الوباء على واحدة من أكثر مناطق العالم ازدحامًا وخرابًا؟. من التجار إلى الأطباء، يضطر 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة إلى اتخاذ خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة.
في شارع واحد، ظهر بائع خضروات وعامل سوبر ماركت وتاجر ملابس مستعملة مؤخرًا في وظائفهم اليومية - على الرغم من أن تاجر الملابس قال إنه مقتنع بأن الثلاثة جميعهم مصابون بـ COVID-19.
فقد حسام حاسة التذوق والشم، وأصيب بالإرهاق، لكنه رفض إجراء اختبار COVID-19. إذا كان الأمر إيجابيًا، فسيتم أمر عائلته بأكملها بالحجر الصحي ولن يتمكن هو وشقيقه المعيل الوحيد للأسرة، من العمل.
وقال حسام (26 عاما) : "أشعر بالسوء تجاه نفسي. سأعزل نفسي لمدة شهر كامل إذا استطعت، لكن يجب أن أبقي المتجر مفتوحًا. ليس لدي مصدر دخل آخر".
رفض حسام الكشف عن اسمه كاملاً لأنه قد يتم القبض عليه نظراً لأنه لم يغلق متجره أثناء مرضه.
قال حسام: "لدي بعض المدخرات التي يمكن أن تدوم ليوم أو يومين. ولكن عندما ينفد ذلك، لن يطرق أحد بابنا لمساعدتنا، ليقول، إليك 50 شيكلًا (15 دولارًا) لمساعدتك في هذه الأزمة فلا أحد يهتم بأحد هنا". ذهب حسام إلى العمل وحاول توخي الحذر، وقد كان يرتدي قناعًا أسود في متجره ويطلب من العملاء عدم الدخول.
يبيع حسام ملابس استغنى عنها الإسرائيليون، قمصان عسكرية، قمصان مدرسة ابتدائية عليها شعارات عبرية، يتم نقلها عبر الحدود الإسرائيلية المحصنة إلى أسوق غزة. وإذا اكتشف عملاؤه أنه مصاب بالفيروس، فإنه يخشى أن يعتقدوا أنه أصيب نتيجة التعامل مع الملابس الإسرائيلية، ولن يشتروا منه أبدًا مرة أخرى.
قال: "هناك العديد من الأشخاص مثلي لا يريدون الإبلاغ عن مرضهم حتى يتمكنوا من مواصلة العمل".
هذا أمر شائع في غزة، حيث يعيش معظمهم تحت خط الفقر، فالاقتصاد يعيش حالة خانقة بسبب ما يقرب من 14 عامًا من الحصار الإسرائيلي الذي يقيد بشدة التجارة والسفر إلى قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس.
في الأشهر الأولى من الوباء، ثبت أن انقطاع غزة عن العالم يمثل ميزة. وقد جرى وضع عدد قليل من المسافرين المصابين الذين دخلوا القطاع في الحجر الصحي، ولم يكن هناك انتشار واضح للفيروس في المجتمع.
في أواخر أغسطس، عادت امرأة فلسطينية من غزة، كانت ترافق ابنتها إلى إحدى مشافي القدس، واكتشف أنها مصابة بالفيروس، ونقلته إلى أربعة من أقاربها. ثم انتشر بعد ذلك في القطاع.
فرضت شرطة غزة حظر تجول وإغلاق صارم، حتى أنها أقامت حواجز رملية وإسمنتية حول مخيمات اللاجئين والأحياء المزدحمة التي ترتفع فيها معدلات الإصابة. أولئك الذين ثبتت إصابتهم بـ COVID-19 تم احتجازهم في منازلهم مع وجود حراسة للشرطة في الخارج.
أكثر من 52 ألف من سكان غزة ثبتت إصابتهم بالفيروس، ولكن مع إجراء اختبارات عشوائية أجريت في جميع أنحاء القطاع، يقدر مسؤولو الصحة أن الفيروس أصاب بالفعل 200 ألف من السكان - ما يقرب من 9٪ من السكان- ومات أكثر من 500. شخص
في غضون ذلك، يتعطل النظام الصحي في غزة بعد أكثر من عقد من الحصار والحروب بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، والعقوبات التي تفرضها القيادة الفلسطينية المنافسة في الضفة الغربية. ورغم ذلك كافحت وزارة الصحة لتوفير ما يكفي من أجهزة الأكسجين من أجل إنعاش المصابين، إلى أن قامت الإمارات العربية بإدخال وحدة اكسجين جديدة في يناير الماضي.
يثني مسؤولو الصحة في غزة على حظر التجول الليلي وإغلاق عطلة نهاية الأسبوع للمساعدة في تقليل العدوى. الآن تم تخفيف حظر التجول. في الشهر الماضي، أعادت حكومة حماس فتح المساجد والمدارس. أما هذا الأسبوع، ففتحت مصر معبرها الحدودي، مما سمح للمسافرين الفلسطينيين بالعودة إلى غزة. ثم ألغى المسؤولون، الخميس الماضي، حظر التجول والإغلاق. غير أن الغالبية يعتقدون أن هذه القرارات غير حكيمة.
" يقول الصيدلاني ذو الفقار سويرجو "قرروا الآن فتح بعض المدارس والمساجد، ولهذا السبب هناك خطر كبير من احتمال زيادة اعداد مرضى كورونا.. نخشى أن تكون الحالات أكثر سوءًا في غزة بسبب هذه الخطوة".
كل يوم، يرى سويرجو أن حوالي 50 عميلًا يعانون من أعراض COVID-19 يرفض البعض إجراء الاختبار ويشترون الفيتامينات بدلاً من ذلك، ولا يزعم البعض أن الوباء مؤامرة إمبريالية عالمية. يقول سويرجو: "إنه شيء غبي، لكنهم يصدقون ذلك".
في المقابل، تسعى إسرائيل جاهدة إلى توفير التطعيمات لأفرادها، إذ تقلى خلال شهر ونصف فقط أكثر من ثلث سكان اسرائيل البالغ عددهم 9 ملايين، تطعيم ضد الفيروس.
فيما لا تزال الأراضي الفلسطينية بعيدة عن الركب، تلقت الضفة الغربية أول لقاحات COVID-19 الأسبوع الماضي فقط. إذ سمحت إسرائيل بإدخال 2000 لقاح للعاملين الصحيين الفلسطينيين هناك، بعد مناشدات قدمتها مؤسسات حقوق الإنسان.
وأرسلت روسيا 10 الاف لقاح وينتظر الفلسطينيون أيضًا شحنات أكبر، من روسيا وكذلك عبر برنامج COVAX التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يرسل اللقاحات إلى السكان الفقراء.
"لم تتلقى غزة أي لقاحات بعد"، يقول الدكتور مجدي ضهير، مدير الطب الوقائي في قطاع غزة، مؤكدا أنه كان يتوقع وصول المئات من التطعيمات عبر المعبر الحدودي الإسرائيلي يوم الخميس الماضي. في المقابل قال مسؤول إسرائيلي إن حكومته لم توافق بعد على توصيل اللقاحات إلى غزة، إذ طلب نائب إسرائيلي من القادة عدم السماح بدخول اللقاحات إلى القطاع حتى تفرج حماس عن أسرى إسرائيليين وجثث جنديين إسرائيليين قتلا في حرب 2014.
هذا النوع من المقايضة غير مرجح، ومن المتوقع أن تسمح إسرائيل في نهاية المطاف بدخول اللقاحات إلى غزة. إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي "إن إعطاء اللقاحات للفلسطينيين هو في مصلحة إسرائيل"، واصفا إياها بأنها "الخطوة الصحيحة".
في الغضون، يقول الطاقم الطبي في غزة إنهم لا يتوقعون تلقي العديد من اللقاحات، ويشككون في أن يكون هناك ما يكفي لجميع الموظفين العاملين في القطاع الصحي، لهذا يتطلعون إلى تطعيم العاملين في المجال الطبي فوق سن الخمسين والعاملين الطبيين المصابين بأمراض مزمنة.
يقول الدكتور عاطف الحوت رئيس أحد مشافي القطاع: "يجب أن تكون هذه قضية إنسانية، لكن السياسة تلعب دورًا، وأولوية الشركات هي بيع اللقاح إلى الدول الغنية أكثر من الدول الفقيرة".
لقد تسبب الوباء في خسائر فادحة في الأخصائيين الطبيين العاملين في غزة -ممن لم ينضموا إلى الهجرة الجماعية في السنوات الأخيرة من بين مئات الأطباء الذين وجدوا رواتب أفضل ويعيشون خارج القطاع.
يقول الحوت إن أربعة أطباء وثلاث ممرضات توفوا بسبب COVID-19 في غزة العام الماضي، بمن فيهم الدكتور مجدي عياد البالغ من العمر 51 عامًا، وهو آخر جراحي القلب في غزة. الآن لم يتبق سوى ثلاثة جراحي قلب لعدد يزيد عن 2 مليون نسمة. يقول الحوت بحسرة: "الرحمة لمن فقدناهم".
ترجمة: آخر قصة