فيضان ملوث يهدد النازحين غرب غزة

فيضان ملوث يهدد النازحين غرب غزة

تحدق مريم أبو عطية (35 عاماً) بخيمة تهدد مياه بركة الشيخ رضوان الواقعة إلى الغرب من مدينة غزة، باجتياحها في أي لحظة، بينما تحاول تهدئة طفلتها التي تعاني من طفح جلدي سببه، كما تقول، "حشرات غريبة تخرج من تلك البركة".

تقف الخيمة التي تؤوي 14 فرداً من عائلتها على الحافة الغربية لبركة الشيخ رضوان، حيث تتجمع المياه العادمة بوتيرة "مرعبة"، وفق وصفها.

تقول مريم لمراسلة "آخر قصة" بينما تشير إلى المياه الراكدة: "لسنا خبراء في تحديد نسبة الخطر، لكن ارتفاع منسوب الماء بشكل يومي ينذر بالخطر الشديد وتهدد حياتنا (..) المآسي تحيط بنا من كل اتجاه، نحن نعيش في دوامة القصف والجوع، والآن الخوف من الغرق".

واضطر النازحون إلى الإقامة هنا حول هذه البركة- التي هي مجمع لمياه الامطار والمياه العادمة وتتجمع فيها كل القاذورات، مسببة روائح باعثة على الاختناق عدا عن مخاطر الزواحف والقوارض والحشرات لاسيما البعوض-كفعل اضطراري في ظل انعدام البدائل وفقدان المأوى الآمن.  

ليست مريم وحدها التي تشكو مخاوفها مع الارتفاع التدريجي لمنسوب المياه العادمة داخل الحوض الذي يأخذ شكلاً مستطيلاً بمساحة 80 دونما وبعمق ثمانية امتار، بل معها كل النازحين الذين يقطنون عند حواف البركة.

يقول المواطن محمد اليازجي الذي يقيم داخل مسكن مجاور للحوض، منذ سنوات طويلة ونحن نعاني من التلوث المحيط الناجم عن هذه البركة، لكن خلال الشهور الماضية زادت نسبة المياه العادمة بشكل غير مسبوق، وزادت معها التخوفات من الفيضان الذي قد يتسبب بغرق المئات من الناس هنا".

وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها البركة إلى تهديد مباشر. ففي نوفمبر 2021، حذر الدفاع المدني في غزة من سيناريو مشابه لما حدث خلال منخفض "أليكسا" عام 2013، عندما اجتاحت المياه المنازل المجاورة وغرقت شوارع بأكملها، خاصة في "شارع النفق".

 آنذاك، اضطر السكان إلى استخدام قوارب الصيد للتنقل، بينما تحولت الجسور الخشبية إلى "طوق نجاة مؤقت"، كما وصفها شهود.

اليوم، يعود الكابوس نفسه، لكن بوجه أكثر قسوة: "البركة لم تعد تفيض بمياه الأمطار فقط، بل بمياه عادمة تحمل أمراضاً وحشرات لم نعرفها من قبل"، كما يقول خالد النجار (55 عاماً)، أحد النازحين.

وأفادت مصادر البلدية أن نسبة ارتفاع المياه وصلت إلى معدل 30 سم يومياً، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالأيام العادية، مرجعة السبب إلى زيادة الضخ من جميع المناطق وصعوبة التصريف، في ظل الخلل الذي أصاب منظومة تصريف المياه العادمة بشكل عام نتيجة الحرب الممتدة منذ 21 شهرا.

وفق بلدية غزة، فإن البركة تصل إلى أكثر من 80% من طاقتها الاستيعابية (600 ألف متر مكعب)، فيما تضخ المضخات المعطلة جزئياً بسبب نقص الوقود كميات محدودة جدا بشكل يومياً. والأخطر، بحسب المصدر ذاته، أن "مستوى المياه ارتفع 6.1 أمتار، مقارنة بـ5.7 أمتار خلال أليكسا".

المتحدث باسم البلدية حسني مهنا، أوضح أن استمرار ارتفاع منسوب البركة وعدم القدرة على التصريف يشكل تهديداً حقيقياً ومباشراً لحياة المواطنين في محيطها والمناطق المجاورة.

وأوضح مهنا، أن الحل الوحيد الآن العمل على ضخ الوقود إلى البلدية، وبشكل عاجل من أجل تلافي أزمة إنسانية إضافية تعمق معاناة النازحين.

من الواضح، أن الخطر لا يقف عند احتمال الفيضان. فالنازحون، الذين يقدر عددهم بأكثر من 3000 شخص حول البركة، يواجهون غزواً يومياً من حشرات "بحجم عقلة الإبهام"، وفق وصف أم محمد (42 عاماً)، التي تظهر على ذراعي ابنتها بثور حمراء.

وتقول السيدة التي غيرت الشمس لون بشرتها: "الأطباء يقولون إنها أمراض جلدية نادرة، لكن من أين تأتي الأدوية؟".

من جهتها، تحذر منظمة الصحة العالمية من تفشي الكوليرا والأمراض المنقولة بالمياه، خاصة مع ارتفاع نسبة التلوث في البركة إلى 3 أضعاف المعدل المسموح به عالمياً، وفق تقرير صادر عنها في يونيو 2024.

بينما تنتظر مريم وأطفالها مصيرهم المجهول، تُلخص كلماتها المأساة: "لطالما كنت في غزة، فأينما تتجه بنظرك، الكوارث تلاحقك".