غزة: النساء الفقيرات ومسؤولية تحضير مائدة رمضان  

غزة: النساء الفقيرات ومسؤولية تحضير مائدة رمضان  

بينما تتداخل أصوات الأطفال بين الركام في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تتصاعد رائحة خبز محترق من خيمة السيدة نجاح سمير (45 عامًا).

على أرضية زاوية داخل الخيمة تصطلح عليها جزافاً "المطبخ"، تحاول هذه السيدة بكل ما أوتيت من قوة أن تعد وجبة إفطار بسيطة لعائلتها المكونة من ثمانية أفراد. بين يديها كيس من الأرز وبعض الخضروات، وهي كل ما تبقى من المساعدات الغذائية التي كانت تتلقاها شهريًا.

تقول نجاح المكناة بأم محمد بصوت محشرج: "رمضان كان دائمًا شهر البركة، لكن هذا العام، البركة تبدو بعيدة جدًا (..) قد جاء رمضان لكن اختفت المساعدات ولم يعد هناك أحد يذكر النازحون والمدمرة بيوتهم ومعدومي الدخل!".  

أم محمد ليست الوحيدة التي تواجه هذه الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من 65% من السكان تحت خط الفقر، وتتحمل النساء العبء الأكبر في إدارة شؤون الأسرة خلال شهر رمضان.

 ومع شح المساعدات الغذائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، أصبحت مهمة إعداد مائدة إفطار وسحور، تشكل تحديًا يوميًا يتطلب إبداعًا وصبرًا لا حدود لهما.

وبين الجوع والمسؤولية تتعاظم التحديات أمام النساء، ويتجلى ذلك في حالة أم محمد التي قالت: "كل يوم في رمضان هو معركة"، ثم تشير وهي تفرك يداها المتشققتان من العمل الشاق في تهيئة ظروف الخيمة التي عادت وأقامتها فوق أنقاض مسكنها بعد رحلة نزوح استمرت أكثر من 10 أشهر. تضيف المرأة "أحاول أن أوفر وجبة واحدة على الأقل تحتوي على بعض البروتين، لكن في كثير من الأحيان، نعتمد على الخبز والشاي فقط".

ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتأمين غذائهم اليومي. ومع تقلص هذه المساعدات بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، أصبحت النساء الفقيرات في مواجهة مباشرة مع خطر الجوع وسوء التغذية.

وتقول أخصائية التغذية سهام أبو زيد: "إن الكثير من النساء في غزة يعانين من نقص حاد في الفيتامينات والبروتين، مما يؤدي إلى هشاشة العظام وفقر الدم، وبالطبع هذا الوضع يزداد سوءًا خلال رمضان، حيث يضطررن إلى الصيام لساعات طويلة دون الحصول على التغذية الكافية."

في مطبخ آخر، تجلس سوسن عبد العاطي (38 عامًا) تحاول أن تعد وجبة إفطار من بقايا الطعام الذي جمعته من الجيران، "أحيانًا نعتمد على الأطباق الصغيرة التي يجود بها من يملك قدرةً من الجيران، لكن هذا لا يكفي أبدًا"، تقول سوسن وهي توزع الأرز على أطفالها.

وأضافت وهي تمسح بطرف قميصها دمع انساب من عينها: "أحاول أن أبتكر وصفات بسيطة، لكن في النهاية، الوجبات تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، وهؤلاء أطفال بحاجة إلى غذاء ومقومات حياة، وهذا أمر مستهجن أن يتابعنا الجميع بصمت مذهل، دون أن يحرك ذلك ساكناً أو يضع حداً لهذا الحال".

وأكدت سوسن، أنها وقبل الحرب على غزة، كنا تحصل على مساعدات منتظمة من المنظمات الإغاثية، لكن الآن ورغم تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحرب، "فإن المساعدات أصبحت نادرة وغير كافية، حتى المواد الأساسية مثل الأرز والسكر تخضع لبورصة التجار وخصوصا مع دخول شهر رمضان، دون أي شكل من أشكال الرقابة".

من جانبه، أرجع الباحث الاقتصادي أشرف إسماعيل، تفاقم الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، إلى الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع والتحكم بتدفق محدود للمساعدات، مما زاد الأوضاع المعيشية سوءاً.

وقال إسماعيل في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، "من الواضح أن النساء في غزة يتحملن العبء الأكبر من هذه الأزمة، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتقلص المساعدات، أصبحت مهمة إطعام الأسرة شبه مستحيلة، خصوصا لدى النساء اللواتي يعلن أسر ولا يملكن أي مصدر للدخل".

وأضاف: "هناك حاجة ماسة إلى تدخلات إنسانية عاجلة لتوفير الغذاء والدعم للنساء الفقيرات، خاصة خلال شهر رمضان الذي يشهد زيادة في الطلب على المواد الغذائية، مع ضرورة وضع خطط لتحسين ظروف هذه الأسر أو إيجاد برنامج دعم نقدي يضمن لهم سبل العيش الكريم".

وفي وقت عبرت فيه العديد من النساء عن آلامهن النفسية الحادة نتيجة الحالة الاقتصادية المتردية التي تمر بها أسرهن والتي تضعهن في حالة من الضغط والقلق الشديد نتيجة العجز عن توفير قوت أطفالهن، عدت منظمات حقوقية هذا الواقع بأنه يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني.

ويقول المحامي بلال البكري إن هذا الوضع يعتبر انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، خاصة الحق في الغذاء والصحة. وأضاف البكري في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، "حرمان النساء الفقيرات من الغذاء الكافي هو انتهاك مباشر للحقوق الأساسية التي تكفلها المواثيق الدولية، ويجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في توفير الدعم اللازم لهذه الفئات المهمشة".

وأوضح أن الحاجة ماسة لتوجيه حملات توعية ودعاوى قضائية لضمان حصول النساء الفقيرات على حقوقهن الغذائية والصحية في قطاع غزة ووضع حد لهذا الانتهاك لكل من الحق في الصحة والغذاء.

رغم كل الصعوبات، تظهر بعض النساء في غزة إرادة قوية للتحدي. أم سامي (35 عامًا)، التي فقدت زوجها في الحرب الأخيرة على غزة، تمكنت من تحويل منزلها الصغير إلى مشروع صغير لبيع المخللات.

تقول أم سامي صاحبة الوجه البشوش: "هذا المشروع الصغير يساعدني على تأمين بعض الاحتياجات الأساسية لعائلتي"، وأضافت بفخر "رمضان هو شهر العطاء، وأنا أحاول أن أعطي أطفالي الأمل رغم كل الظروف".

 ونظراً لحجم التحديات الجسيمة التي تواجهها النساء الفقيرات في قطاع غزة، تبقى هناك حاجة ماسة إلى تدخلات إنسانية عاجلة، من خلال دعم المنظمات الإغاثية وزيادة الوعي بحقوق هذه الفئات، من أجل التخفيف من معاناة هؤلاء النساء وإعادة الأمل إلى حياتهن.

وكما تقول السيدة "أم محمد" في نهاية حديثها: "نحن لسنا بحاجة إلى الكثير، فقط بعض الغذاء والدعم لنتمكن من إطعام أطفالنا ومواجهة متطلبات شهر رمضان بكرامة".

 

موضوعات ذات صلّة:

- هل تُشبه موائد "السوشيال ميديا" واقع غزة؟

- مجبرٌ أخاك: وجبات رمضانية سريعة التحضير زهيدة الثمن

- السؤال المعتاد: سنأكل اليوم العدس أيضاً؟