الطلبة العالقين: أحلامٌ مؤجلةٌ على رصيفِ الحرب

الطلبة العالقين: أحلامٌ مؤجلةٌ على رصيفِ الحرب

كان من المُخطط أن تُسافر مها علي أواخر أكتوبر 2023 نحو رحاب جامعة وهران بالجزائر التي حظيّت فيها على منحةٍ دراسية لدراسة الماجستير في علوم الإعلام والاتصال، لكنها خسرت عامين في انتظار تحقق حلمها بالسفر، إثر استمرار الحرب الإسرائيلية وإغلاق معبر رفح البري.

تتنهد الطالبة مها حسرةً بعد أن أضحت عالقة داخل القطاع، وقالت وهي تستذكر كيف كابدت للحصول على هذه المنحة بشقِ الأنفس وبعد محاولاتٍ عديدة للتقديم، فعملت بعصاميةٍ في مجال الإعلام وادّخرت راتبها لأشهرٍ؛ لتتمكن من تسديد رسومها الدراسية المتراكمة وتستخرج شهادتها الجامعية؛ لتستطيع إكمال الدراسات العليا.

تقول الفتاة في حديثٍ لـ "آخر قصة": "حتى قبل الحرب كانت حياتنا في غزة صعبة، فكنت آمل أن أشق أسوار سجنها الكبير وأركض نحو العالم الفسيح، وعندما وقّعت عقد المنحة قبل الحرب بشهرٍ واحد، جاءت الحرب لتحطم حلمي وتصيبي باليأس".

بعد شهورٍ من وقوع الحرب الإسرائيلية وانقطاع سبل سفر الطلبة لمقاعدهم خارج البلاد، أطلقت مبادرة "غزة في القلب"، كمساهمة لتسهيل سفر الطلبة العالقين، فكانت منها من أوائل المتقدمين، لكن اسمها لم يدرج الكشف الأول، ثم قامت بالتسجيل مجدداً، لكنها اصطدمت حينها بإغلاق معبر رفح البري بشكٍل كامل بعد اجتياح الاحتلال لمدينة رفح مطلع مايو 2024.

ومع ذلك، ما زالت "مها" تتمسك بأملها في السفر يومًا ما، مثلها مثل آلاف من الطلبة العالقين منهم مَن حصل على المنحة قبل الحرب بوقت وجيز، ومنهم من اجتهد وانتزعها أثناء الحرب، وجزء كان في زيارة قصيرة لغزة بين فصلين، فاندلعت الحرب ولم يستطع العودة إلى جامعته، وجميعهم لا يملكون حلًا سوى المناشدات وتنظيم الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقهم في السفر والتعليم.

من هؤلاء، الطالب محمد بشير الغندور، الذي كانت له قصة مأساوية في انتظار مغادرة القطاع، إذ حصل على منحة دراسية في جامعة لاهور الباكستانية تخصص الهندسة الكهربائية، بعد نيله معدّل 90% في الثانوية العامة.

 يقول الغندور لمراسلة "آخر قصة": "كنت موجودًا في شمال قطاع غزة مع عائلتي ولكن بعد وجود جهود مبادرة (غزة في القلب) لإجلاء الطلبة، توجهت وحدي للجنوب لأكون قريبًا من معبر رفح، سجلت في المرة الأولى  لكن لم يحالفني الحظ، وفي المرة الثانية انتظرت إدراج اسمي في كشف الطلبة المسافرين لكن جرى إغلاق معبر رفح".

في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024 وبينما ينتظر الغندور أن تصل الجهات الحقوقية لحل يمكّن الطلبة من السفر إلى جامعاتهم، وصل الخبر المشؤوم له "استهداف بيتكم في حي الشيخ رضوان، واستشهاد جميع أفراد العائلة".

يشارك اليوم "الغندور" في الوقفات الاحتجاجية الخاصة بالطلبة العالقين على أمل أن يحرك ذلك ساكناً، لكنه يعد أفضل حالاً من غيره حيث قال إن الجامعة تفهمت ظروفه وما زال مقعده الجامعي شاغرًا، فالعام الذي كان يفترض أن يكون طالبًا فيه، قضاه من نزوحٍ لآخر، ثم انشغل في العمل بمجال التجارة لتأمين احتياجاته.

بعضٌ من هؤلاء الطلبة لم يكتفوا بالاحتجاج فحاولوا تنظيم مبادراتٍ فردية، كانت منهم إسراء كراجة وهي طالبة دراسات عليا في إحدى الجامعات التركية، عادت إلى غزة في زيارة عائلية، ولكن انقلبت مخططات زيارتها بعد اندلاع الحرب، فأطلقت مبادرة "أمل طلاب غزة"، بعد إغلاق معبر رفح.

شرَعت كراجة في جمع بيانات الطلبة وتواصلت مع عدة مؤسسات دولية؛ لإجلائهم من غزة، لكن لم يساعدها أحد. تقول: "وصل عدد الطلبة في مبادرتي إلى 1500 طالبًا، نحو 80% منهم لديهم منح جامعية يخشون ضياعها، بينما أصيب حوالي 10% من الطلاب المنضمين للمبادرة فيما فقد 60 طالبًا مقاعدهم الدراسية بعد اعتذار الجامعة لهم عن استكمال المنحة".

بشكلٍ فردي، حاولت كراجة التقديم لمبادرة "غزة في القلب" التي ساهمت في إجلاء عددٍ من الطلبة؛ لكنها لم تستطع اللحاق بسبب انقطاع الاتصال والإنترنت لديها، وعندما قررت المعاودة كسابقيها أُغلق معبر رفح وتعطلت المبادرة.

في ديسمبر 2023، أعلن تيار الإصلاح الديمقراطي، عن تلك المبادرة؛ داعيًّا الطلبة المعنيين لتعبئة نموذج خاصّ وتقديم المستندات المطلوبة؛ بهدف تسريع عملية سفرهم، وإنقاذ مستقبلهم الأكاديمي، وفقًا لمسؤولة اللجنة الإعلامية للمبادرة آلاء أبو تيلخ.

وقالت أبو تيلخ لـ "آخر قصة"، إنّ نشطاء الحملة نسقوا مع الجهات المختصة لإعداد كشوفات بأسماء الطلاب العالقين، فجمعوا بياناتهم الأكاديمية وتحققوا منها، وساهموا في تأمين خروجهم عبر المعبر"، مشيرة إلى أن عدد الطلاب الذين تم إجلاؤهم، هم ألفي طالب مسجلين في أكثر من جامعة منتشرة على ٤٥ دولة في العالم.

أما حول عدد الطلبة المسجلين، فلا يوجد عدد ثابت بحسب أبو تيلخ، التي عزت ذلك لاستمرار الحرب وفقدان كثير من الطلبة أرواحهم، كما خسر بعضهم تسجيلهم الجامعي بعد تجاوز المدة القانونية.

وفي بارقة أمل للطلاب العالقون، أكدت أبو تيلخ أن مبادرة "غزة في القلب" ستعاود نشاطها عند انسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي من معبر رفح البري، ولكن لم تتضح الصورة بعد للآلية التي سيتم العمل من خلالها.

وإلى حينِ تحقق ذلك، يعاني الطلبة العالقون أوضاعًا استثنائية داخل قطاع غزة على اختلاف طبيعة الجامعات التي ينضمون إليها وتفهمهم لأحوالهم، فيما يُحمّلون مسؤولية منعهم من السفر إلى المنظمات الدولية والحقوقية التي تُعنى بحقوق الطلبة وتدعم الحقّ في التعليم، إذ يرون أنّهم لم يقوموا بالدور المنوط لحلّ أزمة الطلاب العالقين.

من هؤلاء الطالبة ضحى أبو الروس، الحاصلة على عدّة منح دراسية، تقدّمت إليهم خلال الحرب واستطاعت النجاح ونيل القبول بالرغم من ظروفها المأساوية.

تقول ضحى لـ "آخر قصة": " في شهر يوليو وفي أوج الحرب الإسرائيلية حصلت على منحة جزئية لتغطية تكاليف الدراسة بجامعة أنجليا روسكين (ARU) للفنون في بريطانيا، ثم في أغسطس قُبلت لدراسة الماجستير في تخصص الديكور الداخلي بجامعة لندن، وأخيرًا في نوفمبر وصلني قبول من جامعة التقنية الوسطى بالعراق، لدي ثلاث منح، ولكني لا أستطيع السفر وهذا الأمر يشعرني بالقهر، وحقيقة أخاف أن أفقد هذه المنح".

وبينما تحظر كافة المواثيق الدولية المنع على حرية الحركة والتنقل والتعليم يمعن الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك هذا الحق، وفقًا لما أكّده محامي القانون الدولي يحيى محارب.

وأفاد محارب بأنّ منع قوات الاحتلال الطلبة من السفر يشكِّل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتنصّ المادة 35 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 33 من ذات الاتفاقية على حظر أشكال العقوبات الجماعية، موضحًا أنّ منع الطلاب من الوصول لجامعاتهم نموذجًا من نماذج العقوبات، إضافة إلى أن البند 13 و26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تمنح لأي إنسان الحق في التعليم".

وطالب محارب المجتمع الدولي الضامن لاتفاقات جنيف، والمؤسسات المختصة بحقوق الطلاب، الضغط على سلطات الاحتلال للسماح للطلاب بالسفر للحصول على حقهم المشروع في التعليم.

قضايا ذات علاقة :

حكايات النازحين في غزة: حياة وسط المأساة

تأثير الحرب على التعليم في قطاع غزة

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - الأمم المتحدة