تُعد مشكلة الكذب لدى الأطفال واحدة من التحدّيات التي يواجهها الآباء والأمهات في تربية أطفالهم. قد يكون الكذب جزءًا طبيعيًا من تطور الطفل؛ إلا أنه من الضروري أن نتعامل معه بحكمة وفهم للحدّ من انتشاره وتأثيره السلبي على نمو الطفل.
تتعدد الأسباب التي قد تدفع الأطفال للكذب ومن أهمها وأكثرها شيوعًا، الخوف من العقاب، الرغبة في جذب الانتباه إذ يكذب الطفل لجذب اهتمام الآخرين أو للحصول على ردود فعل. إضافة إلى الرغبة في الحماية فيُمكن للأطفال أن يكذبوا لحماية أنفسهم أو زملائهم من المشاكل أو العواقب.
بدورها، تقول المختصة النفسية روان غياضة، إنّه إلى جانب الأسباب السابقة فإنّ الأطفال في سنٍ مُبكرة يميلون إلى خلط الخيال بالحقيقة ويختلقون قصصًا لإضفاء المزيد من المتعة على حياتهم، إذ يتمتع الكثير منهم في هذه المرحلة بخيالٍ واسع ويروون الأحاديث من تخيلات ذهنية محضة لا صلّة لها بالواقع كثيرًا.
إلى جانب الكذب التخيلي لدى الأطفال، يوجد الكذب الواقعي، وهو ما يحدث عندما يعمد الطفل إلى تقديم معلومات غير صحيحة لإخفاء الحقيقة أو الهروب من العقوبة. وهناك أيضًا الكذب الاجتماعي وهو ما يُمارسه الطفل عندما يكون يعرف أنه يقدم معلومات غير صحيحة للآخرين بهدف تحقيق مصلحة شخصية أو اجتماعية.
وتظهر على الطفل في حالة الكذب أعراض توضحها غياضة بقولها، تغييرات في سلوك الطفل عندما يكذب، مثل تغيير النبرة الصوتية أو تجنب النظر في العينين. ووجود تناقضات في القصص التي يرويها الطفل، حيث يعجز عن تذكر التفاصيل أو يتغير في تفاصيل القصة مع الوقت.
من الأعراض أيضًا ظهور علامات الارتباك أو القلق عندما يتعرض للاستجواب أو يطلب منه شرح موقف معين، منها احمرار الوجه، حركات العين وعدم المواجهة، اللعب باليدين. وحدوث تغير في سلوكه الاجتماعي، مثل الانعزال أو تجنب المواقف التي يمكن أن تكشف الكذب.
وتشير المختصة النفسية إلى أنه من المهم عند اكتشاف كذب الطفل أن يتم التعامل معه بشكلٍ هادئ ومفهوم، مع التركيز على تعزيز الصدق وتوعية الطفل بأهميته في علاقاته مع أفراد أسرته وأصدقائه ومحيطه؛ لأنّ بناء الثقة والتواصل الفعال مع الطفل هما المفتاح لفهم سلوكه والتعامل مع الكذب بشكل صحيح.
ولبناء الثقة مع الأطفال أهمية كبيرة في التعامل مع الكذب. إذ يعزز الصدق والنزاهة، فعندما يثق الطفل في أبويه يصبح من الأسهل عليه أن يكون صادقًا ونزيهًا في تعامله معهم. ويعرف الطفل أنه بإمكانه أن يعبر عن أفكاره ومشاعره بصدق دون خوف من العواقب السلبية.
كما يمنحه ذلك شعور بالأمان والاستقرار العاطفي، وهو ما يجعلهم أكثر راحة في التعبير عن أنفسهم والبحث عن الدعم والإرشاد عندما يواجهون صعوبات أو يشعرون بالضغوط.
إضافة إلى ذلك تساهم الثقة بين الطفل وأبويه في نقل القيم الأخلاقية الأساسية للطفل. عندما يشعر الطفل بثقة تجاه الأبوين أو المربين، يصبح أكثر استعدادًا لاعتماد قيم النزاهة والصدق والنشاط كأساس لتصرفاته وتفكيره.
كما ينصح الخبراء التربويون الآباء بأن يكونوا نموذجًا حسنًا للنزاهة والصدق، فالأطفال يتعلمون بالمشاهدة والتقليد. إلى جانب ضرورة تعزيز الحوار والتواصل؛ مما يساعد الأطفال أن يشعروا بالثقة في طرح الأسئلة ومناقشة المواضيع الحساسة مع أفراد العائلة، وبالتالي يصبح من الأسهل التعامل مع الكذب وتصحيحه عندما يحدث.
وبلا شك فإنَّ بناء الثقة مع الأطفال هو عملية تستغرق الوقت والجهد، ولكنها تستحق العناء فمن خلال بناء ثقة قوية، يمكن للآباء أن يسهموا في تطوير شخصية الطفل وتعزيز قيم الصدق والنزاهة في حياتهم، وبالتالي يكونوا قادرين على التعامل بشكل أفضل مع الكذب وتحديد ما إذا كان الآخرين يقولون الحقيقة أم لا.
غير أنّه يُضاف إلى تلك الخطوات والأساليب في التعامل مع الطفل عندما يكذب أو يكرر الكذب في تعاملاته، اتباع طرق التشجيع على الصدق، وهي كالتالي:
1. التقدير والتشجيع:
يجب على الآباء أن يقدروا الأطفال عندما يتصرفون بصدق ويكونوا صادقين. يمكن استخدام الثناء والمكافآت لتعزيز السلوك الصادق.
2. التعامل مع الأخطاء:
عندما يقوم الطفل بالاعتراف بالكذب، يجب أن يتعامل الآباء والمربين معه بحنكة ودون إثارة الغضب. يمكن استخدام هذه الفرصة لمناقشة أسباب الكذب وتعزيز أهمية الصدق.
3. التعليم بالمثال:
يمكن استخدام القصص والحكايات لتعليم الأطفال أهمية الصدق والتأكيد على القيمة الأخلاقية للصدق.
4. تعزيز القيمة الأخلاقية:
يجب على الوالدين تعزيز القيم الأخلاقية الأساسية مثل الصدق والنزاهة والنشاط، وذلك من خلال المثال الحسن والتعليم النشط.
ختامًا من المهم إدراك أنّ التعامل مع الكذب لدى الأطفال يتطلب فهمًا عميقًا للأسباب والتحديات التي يواجهها الأطفال في مرحلة نموهم. يجب أن يكون التعامل مع الكذب مبنيًا على الحب والتفاهم والتوجيه الصحيح. ومن خلال بناء ثقة قوية وتعزيز القيم الأخلاقية، يمكن للآباء المساهمة في تشجيع الصدق وتعزيز سلوك صادق لدى أطفالهم، وهو ما يساعد في بناء جيل صادق ومسؤول للمستقبل.
تربية الأطفال