المحتوى بين قوة التأثير والمسؤولية الاجتماعية

المحتوى بين قوة التأثير والمسؤولية الاجتماعية

تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتغيير الأفكار والمفاهيم من حولنا. ويُمكن لصناع المحتوى أن يلعبوا دورًا كبيرًا في إحداث تأثيرٍ ما تجاه قضية معينة على أرض الواقع.

وقد أثبتت منصات التواصل الاجتماعي على مدار السنوات الماضية قدرتها في التأثير على سلوكيات الناس، وتبني مواقف محددة، وإحداث تغييرات داخل المجتمعات عامة، خاصّة في أوقات النزاع والصراعات.

في الأراضي الفلسطينية عموما وقطاع غزة بشكل خاص، التي يعيش سكانه ظروفًا سياسية واقتصادية واجتماعية استثنائية نتيجة الاحتلال والانقسام السياسي وكذلك الحصار، تتطلب صناعة المحتوى مسؤولية اجتماعية أعلى من صُناعِه لإحداث التغيير المرجو تجاه القضايا والمشكلات التي يعانيها السكان.

يقول الناشط الشبابي وصانع المحتوى الفلسطيني، خليل قشطة، إنّ صناعة المحتوى هي سلاح ذو حدين، إذ يُمكن استخدامه في إحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع من خلال بث محتوى تثقيفي، اجتماعي، اقتصادي، وسياسي، يعمل على توعية وتحريك الشارع الفلسطيني إزاء قضاياه أو "بث محتوى هابط وغير مقبول".

ويقسم قشطة أنواع صُناع المحتوى من قطاع غزة بناءً على ما سبق إلى قسمين، منهم أشخاصًا يطرحون محتوى توعوي من خلال العديد من القضايا المجتمعية المهمة والهادفة، ويدعمون مشاريع ومبادرات شبابية ناشئة تخدم الشباب، وينصحون بتدريبات مجانية وفعاليات تحقق تغيير في واقعنا الفلسطيني، وتفيد الشباب بالمشاركة بها ويستفيدون على صعيد التوعية أو المشاركة المجتمعية.

وآخرون يقدمون "محتوى هابطًا"، وهو ما أصبح أكثر شيوعًا، وفقًا لقشطة، الذي أشار إلى أن هذا النوع من المحتوى ينتشر على منصة تيك توك التي أتاحت الفرصة للعديد من الأشخاص أن يقدموا أنفسهم كصُناع محتوى فيما هم في الواقع يقدمون محتوى خارج سياق بيئتنا وثقافتنا الفلسطينية، ويستغلون هذا الجانب في تحقيق الشهرة ليصبحوا وجوهًا إعلانية وتسويقية.  

ويعد قلّة ذات اليد والرغبة في الشهرة أسبابًا مهمة لانتشار المحتوى غير الهادف في قطاع غزة حسبما قال قشطة، مبنيا أنّ صناعة المحتوى الأصيل تتطلب قدرًا عاليًا من المسؤولية الاجتماعية والثقافة والوعي والإدراك بأهمية القضايا الهامة وكيفية تعزيز حضورها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

أما أهم المشكلات التي يواجهها صناع المحتوى في قطاع غزة، كما يقول قشطة فهي ضعف التفاعل مع المحتوى الأصيل والهادف، وينعكس هذا الأمر بشكلٍ كبير على نفسية وأداء صُناع المحتوى الهادف، إذ يقدمون محتوى خاصًا بالتراث والثقافة والتربية والتعليم والتوعية والفنون، فلا يحظى إلا بمشاهدات قليلة وشحيحة، مقارنةً بالمحتوى الآخر الذي يتفاعل عليه عدد كبير من الناس.

نتيجة لذلك، ينصح قشطة صناع المحتوى في الأراضي الفلسطينية بتحديد الهدف الأساسي من حضورهم ونشرهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومن ثم الانطلاق باتجاهه، دون أن يجعلوا المشاهدات والأرقام مقياسًا لتحديد شكل وطبيعة المحتوى الذي يقدمونه.

وأوصى بالتركيز على عملية التغيير للأفضل في كافة الجوانب الحياتية، من خلال طرح القضايا والحلول، فعلى المحتوى الفلسطيني أن يكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيمثل انعكاسًا واضحًا وصريحًا لها، سواء مناقشة واقع البطالة أو الفقر أو التفاعل مع الأحداث السياسية وغيرها.

كما يمكن لصُناع المحتوى عامةً الارتقاء بالمحتوى المعروض على منصات التواصل الاجتماعي بما يخدم القضية الفلسطينية ويعزز حضورها الرقمي من خلال اتباع بعض الاستراتيجيات والأساليب الأساسية، وهي كالتالي: 

نشر المحتوى التثقيفي: 

يمكن لصانعي المحتوى توفير المحتوى التثقيفي حول القضية الفلسطينية، مثل تاريخها وثقافتها وحقوق الإنسان والقضايا السياسية المتعلقة بها. يمكنهم استخدام الصور والفيديوهات والمقالات لتوضيح الحقائق وتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها الشعب الفلسطيني.

الاستجابة للأحداث الجارية:

يمكن لصانعي المحتوى متابعة الأحداث الجارية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتفاعل معها على منصات التواصل الاجتماعي. يمكنهم مشاركة آخر المستجدات والتعليقات والتعبير عن آرائهم بشأنها، وذلك لزيادة الوعي والتفاعل مع القضية.

استخدام قصص النجاح: 

يمكن لصانعي المحتوى تسليط الضوء على قصص النجاح للأفراد الفلسطينيين الذين يسعون للتغيير والتأثير في المجتمع. يمكنهم مشاركة قصص النجاح الملهمة للشباب الفلسطيني الذين يعملون في مجالات مختلفة مثل الثقافة والفن والعلوم وريادة الأعمال.

التعاون والشراكات: 

يمكن لصانعي المحتوى في فلسطين العمل على تشكيل شبكة اتصال والتعاون مع الصانعين الآخرين والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الثقافية والسياسية. يمكنهم تبادل المحتوى والأفكار ودعم بعضهم البعض في تعزيز الموضوعات الفلسطينية الهامة على وسائل التواصل الاجتماعي.

استخدام الوسوم والحملات: 

يمكن لصانعي المحتوى استخدام الوسوم (الهاشتاغ) المتعلقة بالقضية الفلسطينية والمشاركة في حملات توعية أو نشر المحتوى الذي يدعم القضية. يمكن أن تساهم هذه الحملات في زيادة الوعي وجذب الانتباه إلى القضية الفلسطينية.

التواصل مع المجتمع الدولي: 

يمكن لصانعي المحتوى استخدام منصات التواصل الاجتماعي للتواصل مع المجتمع الدولي ونشر رؤيتهم ومعاناتهم. يمكنهم استخدام الوسوم المتعلقة بالقضية الفلسطينية والمشاركة في المناقشات والحملات العالمية التي تدعم حقوق المواطنين الفلسطينيين.

استخدام القصص المرئية: 

يمثل الفيديو أداة فعالة لنشر القصص والمعلومات. يمكن لصانعي المحتوى إنتاج أفلام وثائقية قصيرة، أو قصص مصورة تروي قضايا الشعب الفلسطيني و تؤثر في الجمهور بشكل قوي.

من خلال اتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن لصانعي المحتوى في فلسطيني عموما وقطاع غزة على وجه الخصوص، أن يساهموا في زيادة الوعي الشبابي بقضايانا المحلية وتحقيق الأثر الإيجابي والفائدة المجتمعية، إضافة إلى تعزيز الوعي العالمي بالتحديات التي يواجهها الفلسطينيون حول العالم.