لستة أسابيع متوالية ظلّت رؤى عبد الرؤوف (22 عامًا) تُعاني عدم استقرار الطعام في معدتها البتة، فيما لم يكف والداها عن تجربة الوصفات الشعبية عليها ظنًّا منهم أنّ ابنتهم تعاني وعكة برد أو ما شابه.
ولكن مع مرور الأيام وازدياد حالتها سوءًا دون استجابة لوصفاتهم، توجه والد رؤى إلى صيدليةٍ قريبة من منزلهم يعرُف صاحبها جيدًا إذ عادةً ما يبتاع منه الأدوية التي لا يجدها في عيادة الحي بالدّين إلى أن يستلم "شيك الشؤون الاجتماعية" ويقضي دينه.
أما هذه المرّة، فقد تفاجئ بأن الصيدلي أخبره بضرورة الذهاب بفتاته إلى مجمع الشفاء الطبي لمتابعة حالتها الصحيّة؛ لأنّ خسرانها غير المستمر للوزن واستمرار ألمها دون الاستجابة للمسكنات يتطلب إجراء بعض التحاليل الطبيّة، والعرض على طبيبٍ مختص.
في اليوم التالي ومنذ السابعة صباحًا ذهب الرجل الستيني بابنته إلى العيادة الخارجية في مستشفى الشفاء، وبعد أكثر من ثلاث ساعات في الانتظار، شخص الطبيب حالة رؤى التي كان يراودها شعور بالحرقة الشديدة في معدتها، وقد خسرت ما يزيد عن 7 كيلوجرامات من وزنها حتى ذلك اليوم.
وبعد إجراء الفحص والتحاليل اللازمة، أخبرهم الطبيب أن الفتاة تعاني من جرثومة المعدة البكتيرية، وأنّها بحاجة إلى تلقي برنامج علاجي بالإضافة إلى اتباع نظام غذائي صحي لمدّة ثلاثة أسابيع مبدئيًا. فيما لا تتوفر الأدوية في الصيدلية الحكومية التابعة للمستشفى وعلى الرجل أن يصرفها على حسابه الخاصّ.
بطبيعة الحال فإنّ تكلفة البرنامج العلاجي لرؤى كانت أعلى بكثير مما يحمل أبيها من بضعة شواكل في جيبه؛ بل وأعلى من ميزانيته لأكثر من نصف شهرٍ، فيما هو متعطل عن العمل كمئات الآلاف من قطاع غزة الذين قُدّر عددهم بنحو ربع مليون عاطل عن العمل؛ الأمر الذي زاد الطين بلّة واضطره للاستدانة من جديد وتحمل عناء السداد لوقتٍ طويل.
وربما كان من الجيد أن تُدّرِك رؤى وعائلتها إصابتها بجرثومة المعدة مبكرًا قبل تفاقم حالتها، لأنّ الأطباء يؤكدون إمكانية علاجها دون تناول قرص علاجي واحد، لكن المُحيّر في الأمر أنه قد لا تظهر أعراض واضحة على جميع الأشخاص المصابين بجرثومة المعدة، ولكن في بعض الحالات، يعاني المصابون من أعراض مثل آلام المعدة والحرقة والانتفاخ والغثيان والقيء، وعسر الهضم.
تُعد جرثومة المعدة البكتيرية من الأمراض الشائعة التي تؤثر على الجهاز الهضمي. وهي منتشرة عالميًا وتُؤثر على مختلف البلدان، بما في ذلك فلسطين، إذ يقدّر المختصون أنّ نسبة الإصابة بجرثومة المعدة البكتيرية في فلسطين تتراوح بين 50% - 70% من السكان. وتظهر النسبة المرتفعة للإصابة في المناطق ذات الأوضاع الصحية السيئة وفي ظلّ ضعف التوعية الصحية بالممارسات الوقائية.
طبيًا تُعرّف جرثومة المعدة البكتيرية بأنّها نوع من البكتيريا الحلزونية التي تنمو في طبقة البطانة المخاطية للمعدة، وتُعرّف علميًا بـ "Helicobacter pylori". كما تعد جرثومة المعدة البكتيرية مسؤولة عن العديد من الحالات المرتبطة بالجهاز الهضمي، ومن المهم فهم أسبابها، وكيفية علاجها والوقاية منها.
يقول الطبيب حسام أبو عودة، استشاري أمراض الجهاز الهضمي والمناظير، إنّ جرثومة المعدة تنتقل إلى المريض عن طريق القناة الهضمية والأطعمة غير المطهية تمامًا وغير المغسولة بشكلٍ جيد، كما يُعتقد أنها تنتقل عادةً من شخصٍ لآخر من خلال الاتصال المباشر باللعاب، أو المواد الملوثة بالجرثومة، أو عن طريق المرحاض.
وبحسب أبو عودة، فإنّ هذه الجرثومة معدية ولكن عدواها لا تأتي بسهولة، وإذا ما أصابت المريض فإنها تتسبب بتأثيرات سلبية كبيرة على حياته. وقد يؤدي عدم علاج جرثومة المعدة البكتيرية إلى مضاعفات خطيرة مثل قرحة المعدة والتهاب المعدة وسرطان المعدة في بعض الحالات.
لذلك، يُنصح الأشخاص الذين يعانون من أعراضها بإجراء الفحوصات الطبيّة اللازمة لاسيما الفحص البرازي (تحليل البراز) الذي يعد واحدًا من أساليب التشخيص الشائعة لجرثومة المعدة البكتيرية.
لكن إصابة المريض بجرثومة المعدة لا يعني المُباشرة في تلقي جدول دوائي دون متابعة طبيب مختص؛ لأن المعلومات الطبيّة تؤكد إمكانية علاج جرثومة المعدة البكتيرية بطرقٍ عدّة بعيدًا عن أقراص الأدوية الباهظة الثمن للكثير من الأسر التي تعاني الفقر المدقع في قطاع غزة، والذين تجاوزوا الـ 80% من إجمالي السكان.
ويقول الطبيب أبو عودة إن 70% ممن يعانون من الأعراض نفسها في قطاع غزة يُظهر التشخيص الطبي إصابتهم بجرثومة المعدة، إذ تتشارك الأعراض مع أمراضٍ أخرى، فيما يحتاج 15% منهم فقط إلى علاج، وهو ما يعني أنه يمكن لنحو 85% من المشخصين بجرثومة المعدة التداوي بطرق طبيعية بعيدًا عن أقراص الأدوية.
في هذا الإطار، ينصح الأطباء بالابتعاد عن الطعام المُسبِب للتهيج كالمقلي بالزيت أو السمن والمتبل بالبهارات وغير الناضج، وتناول أطعمة مسلوقة وصحية وطبيعية بنسبة 100%، بالإضافة على الابتعاد عن القهوة والمنبهات ومشروبات الطاقة بأنواعها. أيضًا يُنصح بزيادة تناول المياه بكميات كبيرة والمحافظة على أن يبقى الجسم في حالة ارتواء، وكذلك تناول الألبان والتأكد من صحتها وسلامتها.
أما للوقاية من الإصابة بجرثومة المعدة البكتيرية، يُنصح باتباع مجموعة من الممارسات الصحيّة، أهمها، غسل اليدين جيدًا، خاصةً قبل تناول الطعام وبعد استخدام الحمام. وتجنب مشاركة الأدوات الشخصية مع الآخرين، مثل الأطباق والأكواب والملاعق والتأكد من نظافتهم وتجفيفهم جيدًا قبل استخدامهم مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يُفضل غسل الخضار والفواكه جيدًا قبل تناولها، والتأكد من نظافة الطعام وطهيه بشكلٍ صحي وجيد، كما يجب تجنب تناول الطعام الملوث أو غير المطهو جيدًا، والماء غير المعالج، والامتناع عن التدخين.
وينصح الأطباء الأشخاص الذين أصيبوا بجرثومة المعدة من قبل أو أولئك الذين لم يصابوا بها بالحدّ من استخدام المضادات الحيوية بشكلٍ مفرط وغير مدروس، واستخدامها فقط عند الضرورة ووفقًا لتوجيهات الطبيب.
من المهم معرفة أن جرثومة المعدة البكتيرية هي مشكلة شائعة لدى كثير من الناس، لكن لا يجب تغافل علاجها في الوقت المناسب لتجنب المضاعفات الخطرة الأخرى. فإذا كنت تعاني من أعراضها المزعجة أو تشكك في إصابتك بجرثومة المعدة البكتيرية، يُوصى بزيارة الطبيب لتشخيص الحالة والحصول على العلاج المناسب. وللوقاية من الإصابة، يُنصح باتباع الإجراءات الوقائية.
علاج لمصابي جرثومة المعدة