تنامت في الأعوام الأخيرة قضايا النصب والاحتيال في قطاع غزة، والتي وقع ضحيتها الكثير من المواطنين، لأسباب مختلفة، أبرزها عدم الوعي الكافي بالإجراءات القانونية الصحيحة المتبعة فيما يخص المعاملات المالية.
ولم يقتصر ضحايا تلك القضايا على الأشخاص البسطاء إنما يطول التجار أحياناً، وأصحاب رؤوس الأموال، إذ إن فئة منهم جهلت مدى خطورة توقيع "كمبيالات" على بياض (بقيمة مفتوحة) أو ترك سندات مهمة في مكان مفتوح وعرضة للجميع.
محمد عمر (48) عاماً تاجر ملابس من سكان مدينة غزة قام بتوقيع شيك على بياض كضمان للبضاعة التي كان من المقرر أن يستوردها بعد شهرٍ واحد، ولكن تفاجأ بأنّ المستفيد من الشيك وضع مبلغًا يزيد عن سعر البضاعة بثلاثة أضعاف قبل وصولها.
من الفور، قام التاجر عمر بالتوجه للجهات المختصة لعرض قضيته، ولكن تفاجأ بأنه يتوجب عليه أن يدفع القيمة المالية المدونة في الشيك وهي تحمل توقيعه الرسمي، ولعدم وعيه بالإجراءات الصحيحة بما يخص المعاملات المالية وقع في الفخ.
وقال عمر "كنت أعتقد أن هناك عقدًا أخلاقيًا يربط تعاملاتنا أكثر من الشيك البنكي، لذلك وضعت ثقتي في هذا الشخص ومنحته شيكًا على بياض لكنه للأسف استغل طيبتي وأجبرني على دفع القيمة. هذا أمر محرم شرعا وغير مقبول عرفا".
التاجر عمر ليس الضحية الأولى، بل تعكس قصته حال الكثير ممن يواجهون نفس التحديات في عالم النصب والاحتيال بقطاع غزة، وينسجم ذلك مع إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والتي تشير إلى أن تركز جرائم الاحتيال والنصب خلال العام 2020 في قطاع غزة بنسبة 90%، فيما أن نسبتها في الضفة الغربية بلغت 10%.
وفي حادثة مثيرة للغرابة تعرض الحاج علي (70 عاماً) وهو رجل فلسطيني يعيش جنوب قطاع غزة، للنصب قبل أكثر من ثلاثين عاماً. ويروي الحاج علي تفاصيل قصته، قائلاً: "لقد اشتريت عقارا سكنيا قبل 30 عاماً ووقعت أنا والبائع عقدا، لكن بعد مرور كل هذا الوقت تفاجأت بأن أبناء البائع يطالبونني بالخروج من المسكن، بدواعٍ أن العقد هو عقد اتفاق على منفعة وليس عقد بيع، وعندما قمت بمراجعته وجدت فعلا بأنه عقد منفعة للأسف".
وأضاف "لم أقرأ العقد لحظة توقيعه لأن البائع كان صديقي ومن باب الثقة وعشرة العمر ألا أراجع من بعده، ولكن أليس الأولى على صاحب الاختصاص وهو المحامي أن يوضح للطرف الثاني وهو المشتري أن هذا عقد منفعة وليس بيعًا؟ ".
وشاعت عادة بين السكان قبل عشرات السنوات، أنهم كانوا يتعاملون في عملية البيع والشراء بالاعتماد على العقود العرفية وتتم بحضور المختار، أو عدد محدد من الجيران، أو عند شخص يستطيع القراءة والكتابة في الحي الذي يقطنون به، لأن أغلبهم كانوا أشخاصاً أُميين.
وعلى الرغم من تراجع هذه العادة بحكم التطور وزيادة الثقافة القانونية لدى فئة كبيرة من الناس، إلا أن هناك أشخاصًا محترفين في ابتكار طرق نصب يصعب تصديق قصتها أحيانا.
وهذا بالفعل ما حصل مع السيدة ليلى سعيد (38 عامًا) وهي من سكان قطاع غزة، والتي فجعت عندما توجهت وأسرتها لاستلام شقتهم الجديدة، بعد دفع قيمة 16 ألف دولار كانت بالنسبة لها (تحويشة العمر)، وصدمت حين تبين أن هناك مشتريًا جديد يقيم داخل الشقة.
الغريب في الأمر، أنه وبعد نزاع دام لوقت قصير حول التثبت من ملكية الشقة، وجد المشتريان أنهما يحملان عقدين متطابقين من نفس البائع، ولكن بتواريخ مختلفة، وتبين لاحقا حسب إفادة السيدة سعيد، أن هناك مشتريًا ثالث قد وقع في نفس الفخ، وأن البائع كان قد استحوذ على أموالهم جمعيا وهاجر خارج القطاع.
وبعيدا عن قضايا النصب والاحتيال في قطاع العقارات والأوراق الرسمية، طفت إلى السطح مؤخراً عمليات نصب تعتمد على التداول الرقمي عبر الإنترنت أو ما يصطلح عليه النصب الشبكي والهرمي، وقد وقع فيها المئات من ضحايا الربح السريع من قطاع غزة بنسبة خسائر قدرت بــ400 مليون دولار وفق تقديرات رسمية محلية.
ويعتبر كل ما تقدم من قضايا نصب واحتيال، هي أمر مخالف لما نصت عليه المادة (301) من قانون العقوبات الفلسطيني، "كل مَن حصل مِن شخص آخر على شيء قابل للسرقة أو حمل شخصاً على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأية وسيلة من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال، يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالحبس مدة خمس سنوات".
أمام هذا الواقع، ومن أجل زيادة الوعي بما يخص المعاملات المالية واتباع الإجراءات السليمة، قدّم الخبير في العلوم الجنائية يوسف الرنتيسي جملة من النصائح من أجل تفادي الوقوع في مثل هذه الجرائم.
وقال الرنتيسي: "حتى في يومنا هذا الكثير من الناس تستسهل العقود العرفية وترفض الذهاب للمحامي خوفاً من حصوله على نسبة، ولكن يجب أن يتم توثيق العقد عند أهل الاختصاص وهو المحامي ويقوم الأخير بتوثيقه في النقابة ويكون شاهد على عملية البيع أيضا".
يشير الرنتيسي إلى أن المعاملات المالية لا يوجد فيها مساحة للعواطف عبر ما يعرف بـالثقة المطلقة بالمعارف والأصدقاء، ومن الواجب توثيق كافة المعاملات بطريقة آمنة لحفظ الحقوق، مبيناً أن عشرات القضايا المنظورة أمام القضاء تتعلق بقضايا تزييف وتزوير من الأقارب والمعارف، بدافع "أشعر بالخجل من إجباره على التوقيع".
كما دعا إلى ضرورة أن يقوم الأشخاص الأميون باستخدام بصمة الأصبع بدلا من التوقيع على العقود سواء بالإبهام الأيمن أو الأيسر طبقاً لما ما هو متبع في الدولة، لا سيما أن هناك دولاً حددت البصمة بالإبهام الأيمن، كما ويجب أن يتم الأمر أمام محامٍ وعدد من الشهود ويجب أن يكون الشهود على العقد أولاد البائع لأنه في هذه الحالة يصعب أن يطعن الأول بالبصمة، وبخاصة بعد حدوث الوفاة.
وأوصى الرنتيسي بضرورة اكتشاف حيل النصب، عبر بعض المؤشرات والتي منها تدني سعر العقار في منطقة حيوية مثلا؟، وكذلك عدم تسليم قيمة العقار إلا بعد استلامه وبحضور المحامي.
وفيما يخص التداول الرقمي، قال الخبير في العلوم الجنائية، لا يجب تصديق الأوهام بالربح السريع عبر تداول العملات، قائلاً: "يجب زيادة الوعي وعدم الانسياق وراء الطمع وينصح بالاستثمار الآمن كأن يستثمر الأشخاص لدى صرافين معروفين مثلا أو لدى تجار عقارات، فهذا شيء ملموس على خلاف التسويق الهرمي الذي يتسبب بضياع الأموال ويبيع الأوهام".
كما ونصح الأشخاص الذين يوقعون على كمبيالات، ألا يتركون فراغا كبيرا بن نهاية العقد والتوقيع بمعنى أن يكون ملاصقاً دون أي مساحة لأن "هناك محتالون يقومون باقتصاص الجزئية العلوية فيصبح توقيعك على بياض ويملي المحتال ما يريد"، حسبما قال.
ضحايا النصب والاحتيال