الزيتون يتساقط: المزارعون ليسوا وحدهم في هذا المأزق!

موسم هو الأسوأ منذ 50 عامًا  

الزيتون يتساقط: المزارعون ليسوا وحدهم في هذا المأزق!

يتعين على السيدات الفلسطينيات في قطاع غزة، اللواتي اعتدن على صناعة مناقيش الزعتر كوجبة إفطار صباحية، أن يقْتَصَدَن في  استخدام زيت الزيتون، لا سيما أن الموسم شحيح والحزن يسيطر على مزارعيه.

ومما هو واضح، فإن موسم الزيتون الذي اقترب موعد جني ثماره (مطلع أكتوبر القادم)، لا يبشر بخير وفق إفادة مزارعين، في ظلّ محدودية الإنتاج، بسبب التداعيات الخطيرة التي أحدثها التغير المناخي على قطاع الزراعة عموماً ومحصول الزيتون بوجهٍ خاص. 

ولم يكن قطاع غزة بمنأى عن تأثيرات المناخ السلبية التي أصابت العديد من دول العالم، وهذه المرة قد جاء على قطاع الزراعة الذي يعاني تدهور من الأصل بفعل الزحف العمراني والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فضلاً عن تراجع حركة البيع والتصدير بسبب القيود المفروضة على المعابر.

لا يمكن استثناء البعد العاطفي لموسم الزيتون في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبره السكان عرساً ذا طقس خاص يشارك فيها الصغار والكبار وترتدي له الجدات الأثواب المطرزة، لما له من رمزية وطنية، إذ يشير غصنه إلى السلام. واعتمد عليه الأسلاف كغذاء أساسي على المائدة الفلسطينية.   

حزن وشكوى

أمام حالة الانتماء لهذا النوع من الثمر، يضرب المزارع الخمسيني حامد حمودة كفاً بكف وهو يشير إلى أرضه التي تقدَّر بـ"دونمين ونصف" مزروعة بأشجار الزيتون في محافظة شمال قطاع غزة، مشتكياً من انخفاض إنتاج المحصول لهذا العام نتيجة سقوط الأزهار وعدم إتمام عملية الإثمار.

ويقول حمودة والحزن بادياً على وجهه، خاصّة أنه يعيش وأسرته على عائدات محصول الزيتون: "الإنتاج يكادّ يكون منعدمًا، لقد خسرنا مبالغ طائلة هذا الموسم وتكبدنا ديونًا كبيرة، لا ندري كيف سنوفر احتياجاتنا حتى موعد الموسم القادم!".

ويرجع المزارع الأمر إلى زيادة فترات الجفاف والحر؛ الأمر الذي انعكس بالسلب على مراحل إثمار الزيتون، وقال: "أزهرت أشجار الزيتون في توقيتها، ولكن مع تغير الطقس، وارتفاع درجات الحرارة والجفاف، أسقطت الأشجار زهورها".

على ضوء ذلك، حاول المزارعين ومنهم "حمودة" إنقاذ ما تبقى من الأشجار باستخدام المواد العضوية والمبيدات الحشرية في سبيل تحسين التربة والإنتاج، لكنها باءت بالفشل، واستمر المحصول في التراجع. 

يتقاطع قول الخبير الزراعي نزار الوحيدي مع المزارع حمودة، في التأكيد على أن ارتفاع درجات الحرارة، وتذبذب هطول الأمطار، وزيادة معدلات الجفاف، وارتفاع معدلات ملوحة التربة، جميعها أسباب أثرت سلباً على مواعيد عملية إزهار النباتات بما فيها الزيتون وبالتالي تأثر الإثمار والإنتاج.

وقال الوحيدي، إن التغير المناخي ساهم في زيادة ظهور آفات وحشرات تضرّ في الإنتاج وتُضعِف المحاصيل الزراعية. لا سيما الحمضيات والزيتون الذين اتسمت مواسمهم الزراعية هذا العام بالضعف.

تدهور اقتصادي

ويشكِّل هذا الأمر صفعة في وجه الاقتصاد الغزي الذي يعاني تدهور من الأصل، إذ يعد موسم جني الزيتون واحدًا من أهم النشاطات الزراعية في قطاع غزة، كما أنه يشكل مصدراً للدخل والغذاء لكل من المزارعين والسكان على حدٍ سواء. إذ بلغت مساحة الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون عام 2021، ما نسبته 85% من أشجار البستنة في عموم فلسطين، وقدّرت بـ 22.633 دونمًا في قطاع غزة.

وبطبيعة الحال، يصعب هذا الحال على السكان الذين يعيش أكثر من 80% منهم على المساعدات الإنسانية وفق إحصاءات منظمات دولية، شراء الزيتون أو الزيت، لأن محدودية الإنتاج ستزيد طردياً من القيمة السعرية، ومن المتوقع أن يصل جالون الزيت سعت (16 لترًا) لـما يزيد عن 600 شيكلًا في السوق المحلي (ما يعادل 160 دولارًا)، وهي قيمة راتب عامل يتقاضى 20 شيكل يومياً.     

وبحسب الخبير الزراعي الوحيدي، فإنّ موسم حصاد الزيتون الذي يتوقع قدومه مع بداية أكتوبر المقبل، هو الأسوأ منذ خمسين عامًا مضت. ويقدر أن يجني المزارعين من حصاد الزيتون أقل من ربع إنتاجية الأعوام الماضية.

ويقول المزارعون إن أشجار الزيتون بحاجة إلى عدد معين من ساعات البرودة، وكمية من مياه الأمطار خلال الأشهر الأولى من فصل الشتاء، لكن في ظلّ التغيرات المناخية الحاصلة، وارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء لهذا العام الذي شهد أقل عدد في الأيام الماطرة، أدى إلى تدهور إنتاجية المحصول.

ويتفق الخبير الوحيدي مع هذا التوجه، حيث يفيد بأن توزيع الأمطار لهذا العام قد تغير، وانحسرت في أيام وكميات كبيرة، وهو غير مألوف للطبيعة؛ مما جعل كمية الأمطار (الحصة السنوية) أقل وهو ما انعكس على قلّة محاصيل ثمار الزيتون.

وفي ظلّ التنبؤ بزيادة وتيرة التغيرات المناخية للأسوأ، تدعم منظمة الأغذية والزراعة (فاو) البلدان للحدّ من الآثار الناجمة عن التغير المناخي، من خلال مجموعة من المشاريع والاستراتيجيات والإجراءات والبرامج العملية في سبيل التكيّف مع تغير المناخ، وهو ما اعتبرته جزءًا من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهدافها.

استراتيجية 

في هذا السياق، دعا "الوحيدي" الذي كان يرأس سابقًا دائرة الإرشاد والتنمية في وزارة الزراعة، الحكومة في غزة إلى ضرورة وضع استراتيجية لإعادة هيكلة زراعة المحاصيل، وتغير مواعيد الزراعة على أن تكون في وقتٍ مبكر، وفقًا لحالة الأمطار ودرجات البرودة.

وأكّد على ضرورة الاعتماد على الاستراتيجيات للحدّ من الجفاف، مثل الريّ الإلكتروني، والتقليل من استخدام المبيدات، الاعتماد على الزراعة العضوية، والزراعة الحيوية، واستخدام النفايات العضوية في الزراعة.

ومن الواضح أن وزارة الزراعة في قطاع غزة، لم يتجاوز دورها تجاه الأزمة القائمة، سوى تقديم عدد من الأنشطة للمزارعين كالإرشاد الفردي أو الجماعي عبر الورشات والندوات والتدريبات، بجانب النشرات الإرشادية، التي تقدم عبر صفحاتها الإلكترونية. 

وقال محمد أبو عودة المتحدث باسم وزارة الزراعة بغزة، لـ "آخر قصّة" إن وزارة الزراعة تسعى إلى تغيير سلوك المزارعين، من خلال الممارسات الزراعية الجديدة، بحيث تتناسب مع الفصل والظروف الجوية، وبالتالي إحداث تغيير في زراعة المحاصيل، لتضمن خسائر أقل وتكيّف مع التغير المناخي، دون أن يوضح ما هي طرق دعم وإسناد المزارعين أو تعويض المتضررين منهم.