مطالبات بتأهيل الأزواج للحدّ من تفشي الطلاق 

مطالبات بتأهيل الأزواج للحدّ من تفشي الطلاق 

تزوجت ميساء يونس (اسم مستعار)، بعد أن أنهت مرحلة الثانوية العامة، من رجل يكبرها بأربعة عشر عامًا. تقول، "كنت طفلة، وكان من الطبيعي أن تتزوج الفتيات في سنٍ مبكر، ولم أكن أعرف شيئًا عن تأسيس البيت والأسرة وغيره".

على الرغم من زواجها المبكر، استمرت يونس في مسيرتها التعليمية. فدرست التربية في إحدى جامعات قطاع غزة، وتمكّنت من التفوق في دراستها رغم المسؤوليات الأخرى التي كانت ملقاة على عاتقها، حيث أنهت دراستها الجامعية وقد كانت حينها أم لثلاثة أطفال.

السيدة "يونس" التي تخرجت بمعدل دراسي عالٍ استطاعت الالتحاق بمهنة التدريس، لكنّ شكل حياتها الأسرية تحول إلى كتلة من المشاكل مع بدء تقاضيها الراتب الشهري. حيث أوضحت أن زوجها كان يُطالبها بتسليم الراتب كاملاً ويعنفها إذا لم تفعل، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الشهرية للمنزل من فواتير وقيمة الإيجار الشهري، فيما هي ترفض ذلك.

في كل مرة كانت تعبر ميساء عن رفضها كان يزداد تعنيفها بالضرب والشتم إلى أن تفاقمت الأمور بين الزوجين وأصبحت الحياة غير محتملة وانتهت بالطلاق. 

ميساء ليست إلا واحدة من مئات حالات الطلاق التي تشهد تفشيًا في قطاع غزة، إذ سجل العام الماضي 2022 ارتفاعًا في معدّلات الطلاق قدرت بنحو 4 آلاف و262 حالة، فيما قابله انخفاض في الإقبال على الزواج بنسبة 6% عن العام الذي سبقه. 

وتشير الدراسات إلى أن العنف واحد من أهم الدوافع وراء لجوء بعض الزوجات لطلب الطلاق، فيما ينبه حقوقيون إلى ضرورة تأهيل الأزواج قبل الزواج لضمان استقرار الأسر وتفادي حالات التعنيف.

وتفند المحامية والناشطة الحقوقية فاطمة عاشور، الأسباب التي تُؤدي إلى الطلاق، معتبرة أن الزواج المبكر والفهم الخاطئ في المجتمع عموماً وفي أوساط الشباب خصوصًا لمفهوم النكاح، واختلاف رؤية كل طرف من الزوجين للغاية من الزواج، جميعها أسباب رئيسية تقف وراء ارتفاع معدلات الطلاق.

وبناءً على قانون حقوق العائلة المعمول به في فلسطين، يحق للشباب فوق 18 سنة، والفتاة فوق سنّ 17 سنة الزواج، غير أن هناك توجهًا يرى أن الأزواج في سنٍ مبكر لا يكونون مدركين لفكرة الارتباط والمسؤوليات المترتبة عليه؛ مما يزيد من المشاكل بين الطرفين سواء في التعامل أو عدم تحمل الضغوطات، وهو في نهاية الأمر يقود إلى الطلاق.

وترى عاشور أنّ القانون الذي ينظم الزواج والطلاق المعمول به في فلسطين، لا ينصف المرأة المطلقة، وأن الحكومة لا تقوم بالدور المنوط بها بناءً على العقد الاجتماعي بين المواطن والحكومة. وقالت: "على الحكومة توفير جودة الحياة للنساء المطلقات؛ من فرص عمل، وتأمين اجتماعي وصحي، وخدمات ذات جودة، وهذا أمر لم يتحقق على أرض الواقع".

رشا أحمد، (48 عامًا) عانت من عدم إنصاف القانون لها عندما فشل زواجها الذي دام لتسعة عشر عامًا، تقول، "تزوجت من رجل لم يرغب بي، وأنجبت منه 7 من الأبناء، وعلى الرغم من قسوة طباعه واستحواذه على كل ما نملك من أموال ومساعدات، إلا أنني احتملت وأبنائي ذلك لوقت طويل".

ومع ذلك، تعرضت رشا للهجران من زوجها لسنوات قبل أن تطالب بالانفصال عنه بالقانون، فيما بقيت قضيتها تراوح في المحاكم لنحو خمس سنوات قبل أن تحصل على الحكم.

تقول، "كان زوجي يسافر إلى مصر وتزوج هناك وأنجب أبناء آخرين دون علمنا، وكنت قد رفعت عليه قضية تفريق في المحكمة لهجره إيانا أنا والأولاد، وكلما اقترب صدور الحكم كان يخبره محاميه بذلك فيعود إلى غزة لأيام معدودة ثم يسافر وهكذا استمرت مراوغته حتى نلت الطلاق أخيرًا".

فيما لم تزل السيدة تعاني ويلات آثار طلاقها النفسية، وتقول "القانون لم ينصفني وما زلت أعاني ماديًا ومعنويًا بعد الطلاق، كما أن المجتمع يُعيب المطلقة حتى لو أنجبت سبعة أبناء، ويبقى ينظر لها نظرة ازدراء ولو كانت مستقلة وتحمل شهادات عليا".

ويعد الزواج بالإكراه أو "الإجبار" كما هو متداول بين أوساط المجتمع الغزي، واحد أيضًا من أسباب عدم الاستقرار الأسري، عدا عن إمكانية حدوث عنف بين الزوجين، وهو ما يؤدي بشكلٍ أو بآخر إما إلى أسرة مفككة أو انفصال. 

وقد لا يدرك الكثير من الأزواج أن الحياة الزوجية هي مؤسسة يقودها كل منهم وفقًا لمسؤوليات متكاملة بينهما، طبقا لما قالته المحامية عاشور، والتي أشارت في الوقت نفسه إلى أن التنشئة والقوالب النمطية التي يضعها المجتمع لأدوار الزوجين، "كأنّ يُحمّل الرجل مسؤولية الإنفاق والمرأة الرعاية والإنجاب دون مبدأ التشاركية والتغيرات الناتجة عن متطلبات الحياة والعصر، تجعل من الحياة الزوجية سجنًا؛ لكون كلا الطرفين يحاولون إظهار الأفضل للمجتمع".

بالإضافة إلى ذلك، يتسبب ضعف الإدارة الحكيمة لمؤسسة الزواج في العديد من فشل العلاقات الزوجية، ومنها إنجاب الكثير من الأطفال دون مراعاة للوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة، فلا يدرك الكثير من الأزواج أن الهدف من الإنجاب ليس العدد وإنما التربية الصالحة وهي مسؤولية مشتركة بين الزوجين، وفقًا لعاشور.

وأكدت عاشور على دور الوضع الاقتصادي في تحديد مصير الأسرة والعلاقة الزوجية، واعتبرته مؤشرًا خطيرًا في موضوع الطلاق، إذ يضطر العديد من الشبان إلى تكّبد مصاريف الخطبة من مهر ومستلزمات باهظة ترهق كاهلهم، وتستمر تبعاتها كديون إلى ما بعد الزواج. 

غير أن، هناك الكثير من حالات الطلاق الشائعة والتي لم تشملهم الإحصاءات، كالطلاق الصامت الذي يلجأ إليه أزواج يعيشون في بيتٍ واحد مع أطفالهم بينما لا يتمتعون بالحقوق الشرعية، ويضطرون إلى ذلك للحفاظ على مظهرهم الاجتماعي.

ويشير محامون إلى أن تدخل رجال الإصلاح والمخاتير في الخلافات الزوجية قد يكون سبب آخر من أسباب تفشي الطلاق في قطاع غزة. ويتجه العديد من العائلات استنادًا للعادات والتقاليد والعرف المعمول به في المجتمع الغزي، إلى الوجهاء وأعيان العائلات قبل التوجه للمحاكم والقضاء. 

في هذا الإطار، يرى محامون أن هناك لجان إصلاح غير موضوعية في الحكم خلال هذه المشكلات، ويقول، "في ظلّ خصوصية الوضع السياسي في القطاع تعد بعض لجان الإصلاح واجهة لطرفٍ ما، عدا عن عدم أهليتها في كيفية معالجة المشاكل، خاصة قضايا الطلاق التي تحتاج إلى نفس طويل لإيجاد نقاط مشتركة بين الأطراف".

وتعد مرحلة ما بعد الطلاق الأصعب في حياة الشريكين لما يعانونه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية أيضًا، والتي تتفاقم في حال تواجد أطفال بينهما. 

وتوضح المختصة النفسية هالة خليل أن النساء هن أكثر عرضة للأزمات النفسية بعد الطلاق وذلك لطبيعة المرأة العاطفية، وتتمثل تلك الأزمات بالاكتئاب وفقدان الأمل والحزن وأحيانًا الإحباط في حال منعت من رؤية أطفالها إضافة إلى المشاحنات القانونية التي تحدث بين الطرفين.

وأحيانا أخرى تشعر المرأة المطلقة بعدم الثقة بالنفس لفشلها في تجربة الزواج؛ مما يزيد الضغط المجتمعي عليها، فيتسبب الأمر باعتزال الوسط المحيط و انطوائها على نفسها؛ هربًا من نظرة المجتمع ووصمته. 

تشير المختصة خليل إلى أنهم كمختصين نفسيين يستهدفون هذه الفئات ويعملون على دمجها مجتمعيًا في المؤسسات المجتمعية الموجودة في قطاع غزة، مثل جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل، جمعية الثقافة والفكر الحر، برنامج غزة للصحة النفسية، جمعية حيدر عبد الشافعي الصحية والمجتمعية، بجانب المؤسسات الحكومية ومؤسسات حماية المرأة والطفل.

وتوفر هذه المؤسسات فرصًا لتمكين المطلقات اقتصاديًا، من خلال توفير فرص تشغيل بمقابل مادي، وفتح مشاريع صغيرة لهم، أو تقديم مساعدات نقدية في فترات معينة. وتفيد خليل أن المؤسسات تعمل من خلال هذه على تعزيز دور النساء في المجتمع وتمكينهم من مواصلة حياتهم التعليمية والعملية.