"كان لديّ متعة الهرب لركوب البسكليت بالخفاء"، تقول أماني عاروري في وصفها أمنيات طفولتها في مجتمعٍ مُكتظ بالمحاذير تجاه الفتيات. نشأت في قرية عارورة قضاء رام الله، فكانت البيئة القروية المغلقة هي عالمها كلّه، ومن ذلك المحيط الذي يُقيد المرأة ويحدّ من حريتها، انطلقت عاروري إلى كبرى المنابر الدولية، وأصبحت تقف اليوم تنادي بحقوق النساء حول العالم.
تزوجت أماني في سن السابعة عشرة إيمانًا بأفكار القرية التي ترمي إلى تزويج الفتاة مجرد أن تبلغ، غير أنّها انفصلت في سنّ العشرين بعدما أنجبت حسام ومهند خلال دراستها الجامعية، فكان حدث انفصالها وصدمتها بحقيقة اضطهاد حقوق النساء من حولها، سببًا وراء سعيها لتغيير حياتها، وعلى إثر ذلك تغيّر شكل عالمها جذريًا.
اختارت عاروري شكلًا آخر من الحياة مع أطفالها، بعيدًا عن العنف، والمشاكل، في بيئةٍ هادئة، وتحمّلت "وصمة" المجتمع تجاه امرأةٍ طالبت بالطلاق على أمل أن يكون هناك قانون داعم للمرأة؛ لكنها صعقت عندما أدركت أنّه لا يُنصفها، توضح "طالبت بنفقة أطفالي فتفاجأت أنّها غير كافية ولا تتضمن تأمينًا صحيًا أو تكاليف دراسة الأبناء".
كانت في حيّنها قد أنهت رحلة دراسة البكالوريوس والماجستير في اقتصاد الأعمال بامتياز-فرعي ترجمة من جامعة بيرزيت، لكنها لم تكن منكشفة على العالم الخارجي، وعندما أرادت الطلاق واعترضت للقاضية على عدم إنصاف القانون لحقها، أجابتها الأخيرة بأنّ تتحمل نتيجة اختيارها، فأصابها الغضب والصدمة من واقع معيشة النساء في مجتمعنا وتولّدت لديها رغبة جامحة بالتغيير.
أول خطوة اتخذتها عاروري بعد ذلك هو تغيير عملها من مساعدة تدريس في كلية الاقتصاد وإدارة برامج لمؤسسة أرب الأمريكية لتدريب الخريجين الجدد، إلى الانضمام لمركز السياسات في جامعة ڤرجينيا-الولايات المتحدة، ثم أكملت تدريبًا في مركز المشروعات الدولية الخاصة CIPE في واشنطن.
"بدأت أدرس كل القوانين والأنظمة كأنني طالبة جامعية" ثم عملت كمدربة للموارد البشرية، وخصوصا الشباب والنساء، وتخصصت في التدريب حول القانون الدولي وحقوق المرأة، وحصلت على تدريبات من عدة دول، بما فيها سويسرا والسويد.
انطلقت عاروري على إثر ذلك في حملات مناصرة لدعم وتمكين المرأة، وشغلت مركز قائدة فريق المناصرة في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، فشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص.
وشاركت في اجتماعات لمجلس الأمن في نيويورك، ومجلس حقوق الإنسان في جنيڤ، وجلسات عديدة للجان الأمم المتحدة كمتحدثة، توضح "أصبحت أتحدث عن النساء في ظلّ المنظومة الأبوية والاحتلال الإسرائيلي، فهل سننتظر التحرر من الاحتلال للمطالبة بحقوق المرأة؟ لا بالطبع حان الوقت لنحصل على المساواة".
وكون عاروري عانت من المنظومة القانونية فهي تتحدث عن النساء الذين يعانين منها أو من القيود المجتمعية، بإدراك كامل لظروفهن عندما يشتكين من قاضٍ لم ينصفهن أو محامٍ تآمر مع آخر، أو غياب قانون يحميهن، أو اضطرار بعضهن للتنازل عن أطفالهن، أو سحب المحاكم حضانة أبناء بعضهن وغيرها.
ومن بين خمسة أعضاء على مستوى العالم شاركت الفتاة التي تشير إحصاءات بلادها لتدني نسبة مشاركة المرأة في صناعة القرار في فلسطين، في مركز صنع قرار في لجنة تابعة للأمم المتحدة وهي لجنة النساء والأمن والسلام والعمل الإنسانيWPSHA Compact ، وهي أكبر شبكة دولية تضم ممثلين من الدول والقطاعات الحكومية والمدنية والخاصة. فأصبحت في موقع صنع قرار لتختار الدول التي تشارك في هذا الائتلاف.
وإلى جانب المطالبة بحقوق المرأة وتمكينها، رُشحت واختيرت عاروري في شهر أيار الماضي، لتمثل قطاع الشباب في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في اجتماع مركّزي شبكة النساء والأمن والسلام الدولية، حيث قدمت خطاباً حول انتهاكات الاحتلال وحول واقع الشباب والمرأة في فلسطين والوطن العربي.
اليوم، عندما تنظر أماني للخلف تشعر بالفخر لما حصدته وهي عضوة في عدة شبكات دولية وعضوة في مجلس في هيئة السلام العالمي International Peace Bureau وتشغل منصب مسؤولة البرامج في الممثلية السويسرية. تقول، "خرجت من بيئة ريفية صغيرة محافظة، وعندما كنت في سنٍ صغيرة لم أتخيل أن أصبح يومًا ما هنا كمتحدثة في أبرز منابر العالم. الآن أدركت أن صوتنا كفلسطينيين ورسالتنا يمكنها أن تصل لأي مكانٍ في العالم".
أماني عاروري