الفضاء الرقمي: ساحة خفية للعنف ضد النساء

الفضاء الرقمي: ساحة خفية للعنف ضد النساء

بعد انقضاء يوم طويل من العمل، تعود سمية أحمد (26 عاماً) وهي تعمل في أحد المجالات الرقمية، إلى منزلها  ويبدو أنها قد حققت الكثير من النجاح خلال النهار، لكن ما لا يعرفه الكثير هو التحديات التي تواجهها في العالم الرقمي.

وواجهت سمية تحديًا كبيرًا يعلق باستلام رسائل نصية غير لائقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتهديدات بالقيام بأفعال ذات طابع جنسي، كشل من أشكال الابتزاز الإلكتروني. غير أنها وبحكم قدرتها على التعامل مع التقنيات الحديثة تمكنت من تحديد موقع الشخص المبتز ومن ثم قدمت ضده شكوى لدى جهاز الشرطة الفلسطينية بقطاع غزة.

ولولا شجاعة الفتاة التي تنحدر من أسرة متعلمة تعيش هي وأفرادها الخمسة في شقة سكنية وسط مدينة غزة، لكانت قد عانت ضغوطاً نفسية كبيرة وربما أصبحت ضحية للابتزاز الالكتروني والذي يعد أحد أوجه العنف ضد المرأة.

سمية ليست وحدها، بل تمثل قصة نساء كثر يواجهن نفس التحديات في عالم الإنترنت. لذا أصبح من الأهمية بمكان أن تكون هناك استراتيجية لضمان الأمان الرقمي للنساء في الفضاء الالكتروني، وبخاصة أن هذه التحديات لم تعد مجرد تهديدات رقمية عابرة بل تجلت كأمور حقيقية في حياة سمية ومشابهاتها على أرض الواقع وبعضهن أصبحن ضحايا.

وطبقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (بمناسبة اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات، 17/05/2023) فأن 92% من الأسر في فلسطين لديها أو لدى أحد أفرادها إمكانية النفاذ إلى خدمة الإنترنت في المنزل، بواقع 93% في الضفة الغربية، و92% في قطاع غزة، فيما بلغت نسبة مستخدمي الانترنت حسب الجنس 89% ذكور و88% إناث.

وهذا الحجم من الاستخدام، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن مخاطر تعرضت النساء على وجه الخصوص للابتزاز والعنف قائمة وكبيرة، وهو ما أكدته الشابة آمال خالد والتي تعمل في مجال البرمجة منذ خمس سنوات تقريباً، وقالت إن التنمر الإلكتروني والعنف عبر الإنترنت هما تحديان كبيران، حيث إن النساء يتعرضن لرسائل مسيئة وتعليقات سلبية بشكل مستمر.

آمال (33 عاماً) لديها حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تشارك تجاربها ومعرفتها في مجال التكنولوجيا، لكنها تجد نفسها في مواجهة تعليقات مسيئة وتهديدات مبطنة من بعض المتابعين الذكور. إنها تتعامل مع هذه الأمور بحكمة وقوة.

وقالت: "صحيح أن هذه التجارب تجعلني اشعر بالاستياء والاشمئزاز خصوصا عند تعرضي أحياناً لرسائل تحمل مضموناً جنسياً، لكنني أدرك أنني لست وحدي لكنني قادرة على التعامل معه والحصول على حقي القانوني من خلال معرفتي بالطريقة التي يجب سلكها لمواجهة هذا التطفل والابتزاز، غير أنه وفي المقابل النساء الأخريات بحاجة ماسة للتوعية حول التحرش الجنسي الرقمي وكيفية التصدي له.

وأوضحت أنه يصل الأمر إلى حد تهديد الأمان الرقمي الشخصي للنساء، وسُرقت بياناتهن مرة واحدة، وتعرضهن لمحاولات اختراق أخرى لحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التجارب تجعل النساء تشعر بالقلق بشكل دائم بشأن خصوصيتها الشخصية وبياناتهن.

في المقابل، تقر العقيد ناريمين عدوان مدير إدارة الشرطة النسائية في قطاع غزة، أنّ النساء في القطاع مازلن يُواجهن مشكلات تتعلق بـ"الابتزاز الالكتروني".

وقالت عدوان في سياق حديثها لـ"آخر قصة" زاد معدّلها بنسبة 200% خلال العام الماضي 2022، عن العام الذي سبقه، حسبما أفادت، وذلك في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة الإيذاء الجسدي البليغ بحقّ النساء.

وأكدت على أن جهاز الشرطة النسائية لا يتوانى عن حث النساء على تقديم شكاوى بحق مبتزيهم من أجل ملاحقتهم ووضعهم تحت طائلة القانون، مشيرة إلى ضرورة أن تكون النساء أكثر وعياً وقدرة على مواجهة هذا التحدي ومعرفة الطرقة القانونية الواجب اتباعها حتى لا يصبحن ضحايا.

ويعقد ضعف المعلومات والبيانات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية القائمة على النوع الاجتماعي والتي أصبحت تعرف بالعنف الإلكتروني ضد النساء، من وضع سياسات وإستراتيجيات للتعامل معها ومنعها ومعاقبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وحصول الضحايا / الناجيات على التعويضات المناسبة.

ويعود ضياع حقوق الضحايا، في كثير من الأحيان وفي مختصين، إلى ضعف التوعية المجتمعية خاصة بين النساء والفتيات بهذا النوع من الجرائم، وعدم قدرة العديد منهن على التعامل مع التقنيات والبرامج الحديثة المستخدمة في الحاسوب والإنترنت تجعل الحد من هذه الجرائم أكثر صعوبة.

يقول سلطان ناصر مختص الأمان الرقمي، بأن الأمان الرقمي هو انعكاس للحق في استخدام الانترنت بشكل آمن ودون تطفل، أو اعتداء على خصوصيتك أو مراقبة، والتحدي الأبرز يمكن في ضرورة محو الأمية الرقمية داخل المجتمع الفلسطيني.

وأوضح ناصر أن ظروف جائحة كورونا كشفت عن الفجوة القائمة بين طبقات المجتمع وبخاصة في المجال الرقمي، وبعض التطبيقات التي أثيرت في تلك الفترة أثرت على خصوصية بعض الأفراد داخل المجتمع بما فيهم النساء، مشيرا إلى أهمية البناء على هذه التجربة والعمل بشكل مشترك مع مختلف الجهات من أجل إنهاء أو الحد من انتشار الأمية الرقمية في داخل المجتمع.

وأشار إلى أن الحالات التي جرى التعامل معها فيما يتعلق بالابتزاز الإلكتروني، فهي ناتجة عن سوء استخدام في أغلب الأحيان وليس تورطًا، "بمعنى استخدام روابط لخدمات معينة بمجرد الدخول إليها يعطيها الأذن بالدخول إلى جهازك أو اختراقه، لذلك فإن هناك حاجة ماسة للتثقف حول مخاطر مثل هذه الروابط والتعامل معها إلى جانب بعض التطبيقات الأخرى".

 

ومن أجل القضاء على الأمية الرقمية وتحقيق الأمان الرقمي، إليكن مجموعة من المنظمات والمبادرات التي تقدم الدعم التقني للنساء:

 

Cybersecurity Program | EDUCAUSE  هو برنامج للأمن الرقمي تابع لمنظمة EDUCAUSE غير الحكومية. يمكن من خلال البرنامج الحصول على الأدوات والموارد اللازمة لتعزيز أمن المعلومات والخصوصية عبر الحرم الجامعي للطلاب والموظفين والقيادات المؤسسية وأعضاء هيئة التدريس والشركاء على حد سواء. فيساعد إنشاء برامج فعالة لأمن المعلومات، والخصوصية القائمة على فهم المخاطر التي تواجهها النساء، والمناهج الآمنة التي يجب أن تستخدمها، في الحفاظ على سلامة وحماية البيانات.

The Diana Initiative: هو مؤتمر للأمن الرقمي للنساء يقام في الولايات المتحدة. يقوم المؤتمر على مبدأ التنوع ودعم الفئات الأقل تمثيلًا في أمن المعلومات. تتضمن المبادرة عددًا من الفعاليات، وتركز المناقشة هذا العام على الأساليب التي يمكن من خلالها النهوض بأمن المعلومات ومبادرات التنوع سواء على مستوى الجنس أو العرق أو التوجه الجنسي أو مستوى المهارة أو التنوع العصبي.

OWASP Women in AppSec (WIA): مبادرة تهدف إلى تعزيز القيادة والمشاركة الفعالة ومساهمات النساء في المجتمعات المهنية لأمن التطبيقات، على الصعيدين العالمي والمحلي. تعمل المبادرة على إتاحة الفرص للنساء والفئات الأقل تمثيلًا بناء على النوع الاجتماعي والتوجه الجنسي والتنوع العصبي والقيود الجسدية والأقليات العرقية، للانخراط في مجال أمن التطبيقات ومجتمعات التعلم المهني ذات الصلة. توفر المبادرة أيضًا التدريب الشامل والإرشاد لجميع النساء المهتمات، كما توفر برامج لأمن التطبيقات موجهة لجميع المتدربات والمتدربين، بالإضافة إلى الدعم المالي في صورة منح دراسية.

Ladies in Cybersecurity by DefCamp: مؤتمر يُعقّد في بوخارست، رومانيا ويسلط الضوء على نساء ملهمات تعملن في مجال الأمن الرقمي لمشاركة خبرتهن العملية لمساعدة النساء الأخريات على التطور على المستوى الشخصي والمهني. يضم المؤتمر مجموعة من المتحدثات اللواتي يقدمن رؤى وإرشادات مفيدة في مجال الأمن الرقمي يمكن للجميع استخدامها، بغض النظر عن الجنس. تتطرق المتحدثات أيضًا إلى تهديدات الأمن السيبراني ويشاركون قصصهم حول صناعة المعلومات. كذلك يضم المؤتمر مجموعة من ورشات العمل والجلسات الفردية.

Cercle des Femmes de la CyberSécurité (CEFCYS): مؤسسة تهدف إلى تعزيز وجود وقيادة النساء في الوظائف المتعلقة بالأمن السيبراني. تضم الجمعية أكثر من 400 عضو من النساء والرجال مِمَّن يعملن في هذا المجال. تعمل CEFCYS في 6 مدن رئيسية في فرنسا وأيضًا خارج فرنسا في دول (إسبانيا، هولندا، المغرب، الأرجنتين). نشأت CEFCYS من منطلق أن زيادة نسبة النساء في قطاع الأمن السيبراني هي قضية مجتمعية واقتصادية ذات أهمية كبيرة.

Cyversity: مبادرة تهتم بتحقيق التمثيل العادل للنساء والفئات الأقل تمثيلًا في صناعة الأمن الرقمي من خلال برامج مصممة لتعزيز التنوع والتثقيف والتمكين. تعالج مبادرة Cyversity “الفجوة الرقمية” من خلال توفير منح دراسية، وتطوير القوى العاملة المتنوعة، والتوعية المبتكرة، وبرامج التوجيه. كما تعمل المبادرة على زيادة عدد الطالبات والطلاب في التخصصات المتعلقة بالأمن الرقمي على المستويين الجامعي والدراسات العليا من خلال تمويل المنح الدراسية. وتُسهِّل المبادرة التقدم الوظيفي للمهتمين بالأمن الرقمي من خلال إتاحة المنح للحصول على درجات علمية متقدمة وشهادات مهنية في مجال الأمن الرقمي. كما أنشأت المبادرة آلية لجمع ونشر المعلومات للعاملات والعاملين في مجال الأمن الرقمي من النساء والفئات الأقل تمثيلًا.

International Consortium Of Minority Cybersecurity Professionals (ICMCP) : مؤسسة غير ربحية تعمل على تمكين النساء والفئات الأقل تمثيلًا من التطور في صناعة الأمن الرقمي. توفر المؤسسة الكثير من الموارد، بما في ذلك برامج التوجيه وتقييم المهارات وفرص العمل والمنح الدراسية للنساء في مجال الأمن السيبراني. تستهدف المبادرة جميع النساء والأقليات المهتمة بالأمن الرقمي أو العاملين بالفعل في هذه الصناعة. تسعى ICMCP إلى تعزيز تمثيل النساء والأقليات في مجال الأمن الرقمي من خلال البرامج التي تعزز التوظيف والشمول والدمج.

Girl Scouts HPE Cybersecurity Patch: أعلنت Girl Scouts Nation’s Capital عن برنامج ولعبة جديدة للأمن الرقمي تم تطويرها بواسطة Hewlett Packard Enterprise (HPE)، وذلك بهدف تعليم فتيات الكشافة الصغيرات (من سن 9- 11 سنة) كيفية التصفح الآمن عبر الإنترنت. يغطي البرنامج المعرفة الأساسية وأفضل الممارسات عبر أربعة محاور رئيسية: المعلومات الشخصية والبصمة الرقمية، والسلامة عبر الإنترنت، والخصوصية والأمن، والتنمر الإلكتروني. طورت وصممت البرنامج مجانًا مجموعة من النساء العاملات بالأمن الرقمي في HPE لتشجيع ودعم المزيد من النساء في هذا المجال وزيادة الوعي حول الأهمية المتزايدة للأمن الرقمي. كجزء من البرنامج، طورت HPE أيضًا لعبة تعليمية عبر الإنترنت، تسمى Cyber ​​Squad، مُصممّة لتعليم الفتيات الأمن السيبراني عبر تنسيق سردي تفاعلي يأخذ اللاعبات من خلال سيناريوهات واقعية ويحاكي عواقب كل من السلوكيات الخطرة والآمنة عبر الإنترنت.

She Secures : مبادرة لزيادة الوعي حول الأمن الرقمي وإشراك المزيد من النساء في هذا المجال في سن صغيرة. تستضيف المبادرة الفعاليات، ومعسكرات التدريب، والندوات عبر الإنترنت، وجلسات الإرشاد، و“الهاكاثون“، وتربط الأعضاء بعضهن ببعض من خلال فرص التدريب. كما تساعد العضوات في العثور على وظائف في مجال الأمن الرقمي. بدأت هذه المبادرة في نيجيريا، وينتشر أعضاؤها في جميع أنحاء إفريقيا وأجزاء أخرى من العالم. تهدف بعض برامج المبادرة إلى مساعدة الشباب على اكتشاف الأمن الرقمي، بينما تستهدف برامج أخرى النساء الراغبات في دخول أو تطوير حياتهن المهنية في صناعة الأمن الرقمي.