التدريب المهني: الباب الآمن للهروب من الفقر  

التدريب المهني: الباب الآمن للهروب من الفقر  

لم يجد الشاب محمود أبو هداف من سكان المحافظة الوسطى بقطاع غزة، فرصة لاستكمال مشوار التعليم الجامعي، في ظل عجز أسرته عن توفير الرسوم الجامعية، وعليه اتجه محمود إلى التعليم المهني من أجل التمكن من حرفة تمكنه من صناعة مستقبله.

يرتدي محمود (19 عاماً) سروالاً فضفاضا كحلي اللون وهو يمسك بقطعة معدنية هي جزء من محرك السيارة، محاولاً إعادة تجميعها بعد إصلاح العطل الحاصل، وقال: "الحرفة اليوم قد تكون أفضل حالاً من شهادة معلقة على الحائط لا تجدي ولا تطعم خبزا".

والتحق الشاب أبو هداف بقسم الميكانيكا التابع لأحد مراكز التدريب المهني التي تشرف عليها وزارة العمل الفلسطينية بقطاع غزة، وأشار إلى أنه اضطر إلى هذا التخصص بعد عملية استكشاف للكثير من التخصصات ومدى وملاءمتها لسوق العمل، واهتدى إلى الميكانيكا على اعتبار أنه تخصص لا يمكن الاستغناء عنه مهما بلغ التطور التكنولوجي.

وقال الشاب إن والده متعطل عن العمل ويعجز عن توفير قوت أسرته، وإنه يسعى جاهداً لامتلاك مهارة إصلاح أعطال السيارات مهما اختلفت موديلاتها ومعداتها، من أجل التمكن من تحقيق عائد مادي يمكنه من الإنفاق على أسرته.

وتتوزع مراكز حكومية للتعليم المهني على محافظات قطاع غزة الخمس، وتقدم 17 تخصصاً مهنياً ويتخرج منها سنوياً ما يقارب 700 خريج، ذلك وفقاً لما قاله مدير دائرة التدريب المهني في محافظة دير البلح وسام إسماعيل.

وأشار إسماعيل إلى أن وزارة العمل، تسعى من خلال هذه المراكز إلى تقدم التدريب المهني في عدة مجالات من أجل مساعدة الشباب في امتهان حرف تعينهم على تحسين فرص الحياة في ظل الحصار الذي يعيشه قطاع غزة.

يضاف إلى مراكز التدريب المهني الحكومية، مركز تدريب آخر يتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وهو يقدم خدمات مشابهة تتراوح من (عام- عامين حسب التخصص)، ويمنح خريجيه شهادات معتمدة. ولا بد من أن يكون الطالب حاصلاً على معدل جيد فما فوق من أجل الالتحاق بأحد التخصصات المهنية.  

 

غير أن الشاب أحمد عوض الله والحاصل على معدل 90% في الثانوية العامة في الفرع الأدبي، وبسبب انعدام دخل أسرته اضطر إلى الالتحاق بقسم الكهرباء العامة، وذلك سعياً وراء تحسين الظروف المعيشية لأسرته.

وقال الشاب عوض الله وهو نحيف البنية، إنه لم يجد بداً من الالتحاق بأحد أقسم التدريب المهني الحكومية من أجل اكتساب مهارة تمكنه من الحصول على فرصة عمل، أو إقامة ورشة تساعده على مساعدة أسرته في ظل تعطل والده عن العمل.

وبلغ معدل البطالة في قطاع غزة 46% فيما لا يزال هناك تفاوت كبير مع نسبتها في الضفة الغربية والتي بلغ معدلها 14%. وفقاً للمركز الفلسطيني للإحصاء. وبالمناسبة، فإن البطالة على  مستوى الجنس، تعكس تضخمًا كبيرًا في نسبة البطالة بين الإناث حيث بلغت 40% فيما بلغ معدل البطالة للذكور في فلسطين 21٪ .

وطبقاً للإحصاءات الصادرة عن مركز الإحصاء، فإن فئة الشباب الذين يحملون مؤهلًا علميًّا دبلومًا متوسطًا فأعلى الأكثر معاناة من البطالة، إذ بلغ معدل البطالة بين الشباب (19-29) سنة الخريجين من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى حوالي 46%، بواقع 29% في الضفة الغربية مقابل 68% في قطاع غزة.

وتحدد مراكز التدريب المهني حرفاً معينة للإناث، في مقدمتها الديكور والطهي والتجميل، والحياكة، وذلك عائد إلى طبيعة المجتمع الفلسطيني المعروف بالعادات والتقاليد التي تحد في كثير من الأحيان من مشاركة المرأة في الكثير من الأنشطة والأعمال الحياتية، وتحصل دورها داخل المطبخ.

وتمكنت فاطمة أحمد (20 عاماً) من اجتياز التدريب المهني في حرفة الحياكة بتقدير جيد جداً، وقد أقامت مشغلاً داخل مسكنها الواقع في مخيم البريج وسط قطاع غزة.

وتعمل فاطمة على حياكة الفساتين والأثواب للنساء، كما أنها تمتلك مهارة التطريز اليدوي والتي تشكل عبئًا على نظرها، إذ اضطرت إلى تركيب نظارات طبية تعينها على مواصلة عملها بدقة متناهية. وقالت الفتاة المنتقبة إنها حاصلة على معدل جيد جيداً في الثانوية العامة وقد كانت تحلم بدراسة الحقوق، لكنها التحقت بالتدريب المهني بسبب عجز أسرتها عن دفع الرسوم الجامعية. والتي تبلغ تكلفتها خلال مرحلة البكالوريوس نحو ألفي دينار أردني.

لكنها عادت وقالت: "من يدري ربما كنت سأنهي تعليمي الجامعي وأنضم إلى قافلة البطالة، لذلك أنا سعيدة وفخورة بأنني استطعت تحقيق ذاتي وامتلكت مهارة ساعدتني على أن أكون فاعلة في المجتمع وألا أكون عبئًا على أسرتي".