بين التأييد والمعارضة: شيخ يفند حرية انتقاب المرأة

بين التأييد والمعارضة: شيخ يفند حرية انتقاب المرأة

انفصلت سلوى محمد البالغة من العمر 25 عامًا، عن زوجها بعد زواجٍ قصير، وذلك بسبب اختلافات كثيرة لم تحتملها ورغم قرارها الشجاع بالانفصال والمشاكل العديدة التي تعرضت لها بسبب هذا الأمر، إلا أن العودة إلى بيت أهلها لم تكن سهلة كما كانت تأمل، فقد واجهت ضغوطًا كبيرة من والديها وأفراد عائلتها للتراجع عن قرار الطلاق والعودة إلى زوجها للحفاظ على "سمعة العائلة".

وفي ظلّ ضغوط العائلة المستمرة، ومكوثها في بيت أهلها، فرض عليها أخيها الأكبر ارتداء النقاب عند الخروج والدخول للمنزل بزعم حالة الخجل التي أصبحت تنابه بعد طلاق شقيقته، ورغم أنها غير مقتنعة بقراره تجاهها؛ إلا أنها وافقت قسراً وانصياعاً إلى رغبته المتشددة.

خلال تلك الفترة، واجهت سلوى بمفردها جملة من التحدّيات النفسية والعاطفية بعد اتخاذ قرار الطلاق. تقول: "شعرت بانقسامٍ داخلي حاد ّبين ما أرغب فيه وبين ما يفرضه عليّ الآخرين، وكثيرًا ما اهتزت ثقتي بنفسي وقناعتي بصوابية قراري". 

وبعد مرور عامين من ارتداء النقاب وشعور سلوى أنّها تخفي وجهها كأنّه وصمة عار، قررت مواجهة عائلتها بقرار خلعه؛ لأنها تود متابعة حياتها بشكلٍ عادي دون إخفاءه، كما قررت استقبال الراغبين في الزواج منها.

تأمل الفتاة في أن تتغير النظرة الاجتماعية والثقافية في قطاع غزة تجاه كينونة المرأة، وأن تُعطي النساء الحرية للعيش بكرامة، وتحترم قراراتهن الشخصية وطموحاتهن المستقبلية دون اجبارهن على التضحية بأعمارهن وأحلامهن تحت وطأة العادات والتقاليد القديمة.

حتى اليوم ما زالت المرأة داخل مجتمع قطاع غزة تدفع ضريبة مضاعفة عن النساء في مجتمعاتٍ أخرى، نتيجة موروثات ثقافية اجتماعية تُقيد حريتها وتفرض عليها الكثير من القرارات دون رغبةٍ منها، فيما تُفضل هي الخنوع تحت ثقافة "العيب" واحترامًا لقرارات العائلة والنظرة المجتمعية المحيطة في كثير من الأحياء.

لكن على النقيض تمامًا مما حدث مع سلوى، أبدت هديل سعدي (23 عامًا) رغبة كبيرة في ارتداء النقاب والالتزام والحشمة؛ لكنها تواجه تحديات كبيرة مع قناعات أسرتها التي ترى في ذلك قرارًا خاطئًا وتزمّت في الدين، في ظلّ ما ينتشر عن قصص المنتقبات اللواتي يرتدين النقاب للتسول وغيره، حسب تعبيرها.

وعلى الرغم من أن سعدي تدرك أن عائلتها ترفض قرارها بالانتقاب، إلا أنّها ماضية فيه رغبةً به وحبًا فيه. وأمام رغبتها في الالتزام ظاهرًا بما تعتقده باطنًا وبما يتناسب مع مبادئها، واجهت إلى جانب رفض عائلتها النظرة المجتمعية التي لا تتقبل ارتداء الآنسات للنقاب؛ بذريعة أنه قد يحول دون الحصول على شريك حياة متقبل ومتفهم للأمر.

تردف هديل في حديثها لـ "آخر قصّة": "أعلم أن الطريق صعب، ولكن أريد أن أكون صادقة مع نفسي وصديقاتي وعائلتي. آمل أن تتغير نظرة المجتمع تجاه القرارات الشخصية وأن يتقبل اختياراتنا باحترام وتقدير".

أمام هذه التناقضات والمعايير المجتمعية المختلفة في قطاع غزة جذبًا وتنافرًا، يتساءل آخرون عن موقف الشريعة الإسلامية من النقاب الذي يُخفي الوجه ويُظهر العينين فقط وحكم ارتدائه للنساء بشكلٍ عام.

يُجيب رئيس لجنة الإفتاء في الجامعة الإسلامية ماهر السوسي، أنّ النقاب هو جزء من حجاب المرأة، ولكن العلماء في الإسلام اختلفوا بين كونه فرضًا شرعيًا إلزاميًا أو سنّة نبوية مستحبة؛ غير أنّ الآراء تميل أكثر إلى أنه سنّة فالأصل أن تُغطي المرأة جسدها أمام غير المحارم من الرجال ما عدا الوجه والكفين.

في هذا الإطار، قَسّمَ السوسي حالات ارتداء النقاب التي انتشرت في مجتمعنا الغزي، وقال: "أول حالة هي التي ترتديه عن قناعة من باب التدين والتستر، وهو لا يُنقص منها شيء؛ بل هو أكثر عفة لها في كثير من الحالات وهو مباح شرعًا ولا يُعيبها، والأفضل إذا ارتدته أن تلتزم به في كل مكان وأمام الجميع بعيدًا عن التردد والمزاجية".

أما الحالة الثانية التي ترتدي فيها النساء النقاب في غزة، هي مَن تقتنيه لتتستر على فعلة تفعلها، كالتسول أو ارتكاب الجريمة والسرقة، أو حتى الدخول إلى أماكن مشبوهة، وهو غير مباح شرعًا؛ كونه يُشوّه قيمة النقاب في الشرع، وصورة النساء المنتقبات ويُستخدم لأفعال غير مشروعة في الدين الإسلامي.

فيما تأتي الحالة الثالثة، وفقًا للسوسي، على شاكلة التي ترتديه لظرفٍ استثنائي ومؤقت كوضع المكياج على وجهها أثناء ذهابها للأفراح، وعدم رغبتها في أن تكشف وجهها للآخرين وهي على هذه الهيئة من التبرج، وهو مُباح في هذه الحالة ولا ضرر فيه.

ماذا بخصوص أن يُجبر بعض الأهالي بناتهن على ارتداء النقاب خاصة الأرملة أو المطلقة تِبعًا لموروثات اجتماعية بالية تحط من قدرهن؟ يقول السوسي إن هذا سلوك اجتماعي لا علاقة له بالدين وإن كان ارتداؤه ليس مذمة ولا يُنقص من قدرها شيء، وهو ليس تخلف أو رجعية كما يعتقد البعض ولكن لكل شخص حريته إن رفضه أو رغِبه طالما لا يُخالف الشرع.

كما أنّ الفتاة نفسها هي الأقدر على تقدير موقفها من أوامر أهلها بارتداء النقاب أو عدمه، إلى جانب ضرورة التركيز على عدم التسبب في قطع الرحم أو النشوز المجتمعي والتسبب بضررٍ لها ولنفسها أكبر في حال قبلته أو رفضته حسبما يقتضي الموقف والحالة.