يواجه أهالي الطلبة في قطاع غزة تحديًّا مع بدء العام الدراسي الجديد الذي انطلق منذ بضعة أيام. يتمثل في حاجة أبنائهم إلى توفر الأجهزة الذكية واللوحية والتعلم على تطبيقات وأساليب التعليم الإبداعية، خاصّة في ظلّ قلّة الإمكانات الاقتصادية لدى عامّة السكان.
من هؤلاء الطلبة، عمر أيمن (12 عامًا) الذي حصل على معدّل ممتاز العام الماضي، على الرغم من التحدّيات التي واجهها في توفير هاتف ذكي يُمكنه من متابعة الارشادات والتعليمات التي يُقدمها معلموه عبر "واتساب"، أو متابعة الفيديوهات التعليمية في "يوتيوب" حول المواد المختلفة التي تُدعِّم دروس الكتاب المدرسي بشكلٍ عملي.
يقول عمر إن الهاتف الذكي المتوفر في بيتهم يعود لوالدته، ويتشارك هو وإخوته الأربعة استخدامه في الأمور التعليمية، فيما يحتاج هاتف الأم إلى صيانة متكررة نتيجة كثرة الاستخدام وقِدم إصداره مقارنةً بالمتوفر في الأسواق حاليًا.
أما والدته فتشكو أنّ كل دراسة الأبناء أصبحت اليوم تحتاج "واتساب"، "يوتيوب"، و"فيسبوك"، تقول: "مشاكل عديدة، أولها يجب توفر الانترنت 24 ساعة في اليوم، أيضًا أحتاج متابعة مجموعة الواتساب طوال اليوم لأن المعلمون يرسلون واجبات وتكليفات في أي وقت وأحيانًا في أوقات متأخرة".
تردف: "على صعيدي الشخصي أعتبره أمرًا مرهقًا لي وللهاتف المحمول وسعته التخزينية أيّضًا، أحتاج متابعة عدّة مجموعات واتساب حسب المرحلة الدراسية لكل واحد من الأبناء، (الثاني، الرابع، السابع، الثامن، التاسع)، وهو ما يتطلب توفر أكثر من جهاز في البيت لكن الأمر يصعب علينا في ظلّ عدم توفر مصدر دخل ثابت لزوجي".
إلى جانب ذلك، يحتاج الأهالي الهاتف الذكي في تدريس أبنائهم، لمتابعة شرح بعض الدروس على "يوتيوب"، أيضًا توظيف بعض الألعاب التعليمية التي تخصّ بعض الدروس خاصّة في تدريس اللغة الإنجليزية، ومشاهدة بعض التجارب العلمية في مادة العلوم العامة مثلا.
ويرسل العديد من المعلمين/ات أوراق عمل تفاعلية مصممة من خلال موقع http://interactiveworksheets.com/ للطلبة تتطلب الحلّ الكترونيًا، بالإضافة إلى الاختبارات الالكترونية المصممة على نماذج قوقل "Google forms"، وكذلك توفر الملّخصات والمواد الإثرائية الكترونيًا.
وتذكر الأم موقفًا يُثير حنقها، ويتكرر كثيرًا مع أبنائها، تقول: "جودة الإنترنت ضعيفة في معظم الأحيان، وعادة ما يفصل أثناء تقديم بعض أبنائي اختبارات الكترونية، فأشعر بالظلم الشديد عندما يفقد درجته نتيجة ظرف طارئ خارج عن إرادتنا رغم معرفته الإجابات".
يتطلب دمج التكنولوجيا في التعليم داخل قطاع غزة توفر عاملين رئيسيين، الأول هو وجود هاتف ذكي على الأقل لدى كل أسرة لديها طلبة مدارس، والآخر هو معرفة إجادة استخدام التكنولوجيا للطلبة والأهالي والمعلمين بالحدّ الأدنى؛ لمواكبة النمط التعليمي السائد حاليًا والأساليب الدراسية الحديثة على أكمل وجه.
غير أنّ، الأهالي في غزة يواجهون الذين يعانون من ضعف التحصيل العلمي و"الجهل" الرقمي، يواجهون تحديات إضافية في مجال التعليم الرقمي. إذ يفتقرون إلى المعرفة اللازمة لمساعدة أطفالهم في استخدام التكنولوجيا والتفاعل مع التطبيقات التعليمية.
مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا. وفقًا لتقرير نشرته الأونروا عام 2023، يعيش حوالي 81٪ من سكان السكان في القطاع تحت خط الفقر الوطني، مما يؤثر بالسلب على القدرة على شراء الأجهزة الذكية واللوحية وتوفير وسائل التعليم الرقمي للأطفال.
في المقابل، تسعى المدارس في قطاع غزة إلى مواكبة تعزيز استخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية، لكنها تفتقر بشكلٍ متفاوت إلى الموارد اللازمة لتوفير الأجهزة الذكية المساعدة في كافة الفصول ولكافة المواد الدراسية.
وتواجه المدارس تحديًا آخر يتمثل في وجود نسبة كبيرة من مدرسي الصفوف الأساسية الابتدائية يجهلون الأساليب التعليمية الرقمية الحديثة لكِبر سنهم وعدم مواكبتهم التطورات في أساليب التدريس الحديثة إلى حدٍ ما وبشكلٍ متفاوت بين مختلف المعلمين/ات.
هذا الواقع يخلق فجوة رقمية وظلمًا في الفرص التعليمية بين الطلاب، حيث يتمتع الطلاب ذوو الدخل المرتفع بالوصول إلى التكنولوجيا والموارد التعليمية، في حين يجد الطلاب من الأسر ذوات الدخل المحدود صعوبة في الحصول على هذه الأدوات الأساسية.
للتغلب على هذه التحديات، ينصح مختصون تربويون بأنَّ هناك حاجة إلى تبني حلول شاملة ومتعددة الأبعاد. إذ يتطلب الأمر تدخل الحكومة والمؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية لتوفير الدعم اللازم للطلاب وأسرهم. قد يشمل ذلك:
برامج دعم الأجهزة:
يجب أن تعمل الحكومة والمؤسسات التعليمية على توفير الأجهزة الذكية واللوحية بأسعار معقولة أو حتى مجانًا للطلاب ذوي الدخل المحدود. يمكن تحقيق ذلك من خلال شراكات مع منظمات غير حكومية وشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الاتصال بالإنترنت:
يعد الوصول إلى الإنترنت ضروريًا للاستفادة الكاملة من التكنولوجيا في التعلم. يجب توفير خدمات الإنترنت بأسعار معقولة ومتاحة في المدارس والمنازل.
تدريب المعلمين:
يجب توفير برامج تدريبية للمعلمين لتعزيز مهاراتهم في استخدام التكنولوجيا في التعليم. يمكن تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لمساعدتهم على التعامل مع التطبيقات التعليمية وتكاملها في المنهاج الدراسي.
الوعي والتثقيف:
يجب تعزيز الوعي بأهمية التعلم الرقمي وفوائده، وذلك من خلال حملات توعية تستهدف الأهالي والمجتمع. يمكن توفير موارد تعليمية مجانية عبر الإنترنت لمساعدة الأهالي على تطوير مهاراتهم الرقمية.
تطوير تطبيقات تعليمية محلية:
يمكن للمطورين المحليين في غزة تطوير تطبيقات تعليمية مخصصة تتناسب مع احتياجات الطلاب والمناهج الدراسية المحلية. يمكن أن تكون هذه التطبيقات مجانية أو بتكلفة منخفضة ومتاحة للجميع.
تعاون المجتمع المحلي:
يمكن تعزيز دور المجتمع المحلي في دعم التعليم الرقمي من خلال توفير المساحات والمرافق للطلاب لاستخدام التكنولوجيا، وتقديم الدعم والتوجيه للأسر في استخدام الأجهزة والتطبيقات التعليمية.
يتطلب تحسين التعليم الرقمي في غزة، جهودًا مشتركة من الحكومة والمؤسسات التعليمية والمجتمع المحلي والمجتمع الدولي. يجب توفير الدعم اللازم للطلبة، وتوفير الفرص العادلة للتعلم والتنمية الشخصية. إلى جانب تعزيز التعاون الدولي لتقديم المساعدات المالية والتقنية لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية في المدارس.
التعليم الإلكتروني