كيف نزرع ثقافة جندرية في بيئة محافظة ؟

كيف نزرع ثقافة جندرية في بيئة محافظة ؟

مرت عقود طويلة على رسوخ ثقافة وأفكار مجتمعية داخل فلسطين، تُحدِد أدوار معينة للرجال والنساء كلٍ على حِدا، وذلك في تنميط واضح لفكرة عدم المساواة بين الجنسين، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية بما يضمن التوازن السويّ في المسؤوليات والمهام الأسرية والاجتماعية عامة.

لكن؛ مؤخرًا بدأت تشهد المنطقة تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة بفعل انتشار الرقمنة؛ عملت هذه التحولات على تحديث المفاهيم القديمة وإدخال ثقافة وأفكار حديثة تعزز مفهوم الجندر الذي يعكس الأدوار والمسؤوليات التبادلية بين الجنسين في المجتمع. وهو ما يتطلب العمل المشترك لبناء مجتمع متوازن ومزدهر.

المحامية والناشطة الحقوقية في قطاع غزة فاطمة عاشور، توضح أنّ مسؤولية تعزيز الثقافة الجندرية في المجتمع تقع على كاهل جميع فئات المجتمع، إذ إن أيّ خلل في الأدوار التي يقوم بها الرجال أو النساء ينعكس على كل المجتمع.

وقالت عاشور إن الدولة هي أول طرف يناط به تعزيز مفهوم الجندر في ثقافتها الاجتماعية. وضربت أمثلة على ذلك عن المناهج التعليمية التي ترسخ الصورة النمطية عندما تُظهِر النساء في المطبخ والآباء في العمل؛ وهي بهذه الطريقة لا تراعي مبدأ التشاركية فهناك الكثير من الأمهات عاملات، وهناك العديد من الآباء يُجِدن الأعمال المنزلية.

أيضًا تقع على الدولة بكل أركانها بما فيها مؤسسات المجتمع المدني، مهمة التوعية والتثقيف إذ يتعين على المجتمع تعزيز الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين، وتحديث الثقافة والمفاهيم القديمة بشأن الأدوار الجندرية، وتعزيز فكرة أن الرجل والمرأة يتشاركان في المسؤوليات والفرص بنسبة متساوية. وذلك من خلال حملات توعية وبرامج تثقيفية تستهدف جميع فئات المجتمع، حسبما أكدت عشور. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك ضرورة إلى تعزيز المشاركة السياسية والاجتماعية. وقالت إن على المجتمع أن يشجع ويدعم ثقافة مشاركة المرأة الكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية، سواء عن طريق الترشح للمناصب القيادية التي تشهد ضُعفًا في نسب مشاركة النساء، أو المشاركة في المنظمات المجتمعية واللجان المحلية. 

كما يمكن لتمكين النساء اقتصاديًا أن يلعب دورًا تعزيز المفهوم الجندري، لتتمكن النساء من الوصول إلى فرص العمل والتدريب المهني، ويحظين بالدعم اللازم لإقامة مشاريع صغيرة وتنمية مهاراتهن المهنية.

يمكن أن تحدث تلك التغييرات التدريجية في المجتمع، وفقا للمحامية، من خلال تعزيز القوانين والسياسات الجندرية من قبل الدولة، إذ يعد ذلك أمرًا حاسمًا لتعزيز المفهوم الجندري في فلسطين عامةً، وينبغي أن تتبنى الحكومة سياسات تعزز المساواة وتحمي حقوق المرأة من السلب والضياع والانتهاك.

إلى جانب مسؤولية الدولة، هناك مسؤولية تتحملها الأسرة باعتبارها اللبنة الأولى لزرع ثقافة التغيير في قرارات الأشخاص وسلوكياتهم. وقدمت المحامية عاشور أمثلة على ذلك، منها اختيار التخصصات الدراسية الجامعية للطلبة وتدخل الأهل في تنميط التخصصات الملائمة للفتيات دون الشباب والعكس، مثلاً تمنع بعض الأسر دراسة الفتاة في تخصصات تتطلب منها دوام ليلي، وغيرها.

وتطرقت عاشور إلى الثقافة التقليدية والتمسك بالأدوار الجندرية القديمة كالأحكام التي يحتكم إليها المجتمع بعيدًا عن القانون، ومنها العادات والتقاليد، وهي واحدة من التحديات التي تعيق تحقيق تنمية وعدالة اجتماعية جيدة، وتحدّ من مشاركة المرأة في الحياة العامة. إلى جانب مواجهة النساء صعوبات في الوصول إلى فرص التعليم والعمل، ومواجهة تحديات اجتماعية وقانونية تحدّ من حقوقهن وحرياتهن.

غير أن عاشور، عادت وأشارت إلى أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في دعم كافة المسؤوليات التي تقع على الأسرة والدولة والمجتمع بكل أطيافه في تشكيل الهوية الجندرية، من خلال الاهتمام بالقضايا الجندرية ونقل الرسائل للجمهور التي تبتعد عن تكريس الأدوار الجندرية التقليدية والتمييز والتحيز وغيرها. والتي تهتم بنشر الوعي الجندري ويساهم في تغيير النظرة المجتمعية للجنسين وتعزيز المساواة.

من خلال تلك الجهود المشتركة، يمكن أن نبني مجتمع فلسطيني متوازن وذو ثقافة جندرية ومزدهر يتسم بالعدالة المجتمعية والتنمية المستدامة.