في مجتمعٍ ذكوري بطبعه، يُطرح تساؤل عن مدى قدرة النساء في فلسطين، على زرع فكرة المساواة أو التربية العادلة بين الجنسين في الأسرة، باعتبارها اللبنة الأساس في تكوين أفكار الأفراد ومراعاة تأثيرهم وتأثرهم بالبيئة والمجتمع المحيط.
تلك المرأة التي تتعرض للكثير من الانتهاكات القانونية داخل قطاع غزة، وفقًا لتقييم مختصين حقوقيين، وذلك تِبعًا لموروثات ثقافية واجتماعية كثيرة تحرمها من الكثير من الحقوق نتيجة "عدم إنصاف" النصوص القانونية بشكلٍ كامل، كيف من الممكن أن تحافظ تربوياً على نقل فكرة المساواة بين الذكور والإناث في بيتها؟
ومن المعروف أنَّ هناك العديد من الصور النمطية في المجتمع إزاء المرأة، تحدّ من قدرتها على نيل حقوقها في عدة مجالات لاسيما في الميراث، الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق وحضانة الأطفال، وتعرضها للكثير من أشكال من العنف أسريًّا ومجتمعيًّا، إذ أظهرت إحصاءات ارتفاع معدل العنف ضدّ المرأة في قطاع غزة.
وتنعكس هذه الصور بشكلٍ ملحوظ على أداء الأفراد داخل الأسرة، فتجد الفتيات يواجهن تحدّيات منذ الصغر في توكيل مهام الأعباء المنزلية إليهم دون إخوانهم الذكور، وكذلك التفرقة في الألعاب التشاركية بين الجنسين باعتبار بعضها هي "ذكورية فقط" فلا يُسمح للفتيات بممارستها.
نجاح محمد، سيدة أربعينية من مدينة خانيونس قطاع غزة، عاشت منذ طفولتها حياة يُفرَّق فيها بين الجنسين في الأدوار والمهام وخلافه، إذ يحظى الذكر على العديد من الميزات والمنح بينما تُسخِّر المرأة خدمتها لأجله.
تربت نجاح في منزلٍ مُكوَّن من خمسِ بنات، تقول: "كان الجميع يُعاير والديّ بسببنا فلم يهتم إلى أن يواصل لنا تعليمنا إلى أعلى المستويات وكان فكره محصورا في تزويجنا. وعندما جاء الذكر الأول عمّت البيت الفرحة وبدأ يظهر التمييز في المعاملة".
بعد قدوم الذكر الأول في عائلة نجاح اتضحت معالم التمييز بينه وبين أخواته البنات داخل المنزل، تُعقِّب: "التمييز بين الجنسين هو ممتد في عائلة والدي منذ القِدم. ولا زلت أذكر كيف كان عمي يمارس تسلطه وجبروته علينا في كل مرة لا نستجيب فيها لطلبات أخينا الصغير".
لم تختلف الأمور كثيرًا عند نجاح بعدما تزوجت، إذ أصبحت لا شعوريًا تنقل ما عاشته في طفولتها من موروث تربوي وثقافي إلى أسرتها. وأكثر ما عزز ذلك هو سلطة زوجها على البيت والأطفال التي ترفع صوت أن (كلمة الرجل هي العليا) وتلغي التشاورية والتشاركية في الأسرة.
ربما يتجلى الاختلاف واضحًا في المجتمع الفلسطيني أمام القانون فقط، الذي لا يميز بسبب عرق، أو جنس، أو لون أو إعاقة أو دين أو رأي سياسي؛ لكن الأمر لا يبدو كذلك البتة داخل الأسرة وفي المجتمع بمختلف فئاته؛ فينعكس التمييز على سلوكيات الأفراد وتضييع الكثير من حقوق النساء تحت وطأة ثقافة "العيب" فقط.
وهو ما يوضحه المختص الاجتماعي جميل الطهراوي، الذي أشار إلى أنَّ ثقافة المجتمع تفرض على الذكر منذ طفولته أن يكون متسلطا ويلبس ثوبًا قويًا يُمكّنه من قيادة الأسرة والحياة. وذلك نتيجة لموروثات خاطئة حول نشر العداء ما بين الذكر والأنثى كأنهما أعداء في المجتمع وليس شركاء، بحسب قوله.
وقال الطهراوي في حديثٍ لـ "آخر قصة" إنّ الأنثى هي نتاج المجتمع وتأثرها بالتمييز يأتي بشكلٍ طبيعي فلا تنحاز لجنسها كثيرًا بسبب ذلك؛ مما ينعكس عليها أولاّ وعلى سلوكها في تربية أطفالها.
أما عن الطريقة المثلى لتجنب تأثر المرأة بموروثات مجتمعها المحيط الخاطئة، أفاد الطهراوي أنّ لتعليم الفتيات دورًا كبيرًا في رفع مستوى العدل والمساواة بين الجنسين، وصنع بيئة تشاركية وتعديل للسلوكيات الخاطئة.
لذلك، على النقيض من نجاح التي تشربت موروثات التربية التي تميز بين الجنسين في بيت أبيها، رفضت الأربعينية صباح عودة وهي خريجة جامعية، أن تنقل إلى أسرتها الصغيرة ما عاشته في طفولتها من تمييز كبير مبني على نوع الجنس، تقول لـ "آخر قصّة": "أعلِّم بناتي القوة والشجاعة، وأجعلهن في المقدمة دائمًا، فلا أفرق بينهن وبين إخوتهن الذكور في شيء".
ولا تخفِ عودة قلقها إزاء النساء في مجتمعنا اللواتي تنتهك حقوقهن، ولا ينلن إلى أدنى الفرص من كل المجالات، وتوضح: "أحاول أن أقدم ما فقدته في طفولتي من عدل بين الجنسين بسخاء. يساعدني زوجي في ذلك، فنحن نريد بناء بيتنا وسط بيئة اجتماعية صحيحة وصحيّة نفسيًا بعيدة عن التمييز والعنصرية".
تُظهِر الإحصاءات الرسمية تساويًا إلى حدٍ ما في نسبة الذكور إلى الإناث في قطاع غزة، إذ بلغت نسبة الذكور 50.7%، فيما بلغت نسبة الإناث 49.3%. لكن هذه النسب لا تعكس الفرص لكن في تهميش المرأة وإقصائها هدمًا للإنتاجية والنمو في كافة مجالات المجتمع؛ الأمر الذي يُخلّ في التوازن والتكافؤ المجتمعي.
وهو ما تُشير إليه مديرة مؤسسة عائشة النسوية باتحاد لجان المرأة في قطاع غزة، تغريد جمعة، أنّ المجتمع بحاجة دائمة إلى التوعية والتثقيف ضمن عملية مستمرة تنعكس دروسها على رفع الوعي والمفاهيم الصحيحة حول الحقوق وفرص التكافؤ.
وبالطبع لا يوجد قاعدة ثابتة تشير إلى أنّ المرأة التي تربت على موروث ثقافي يُميز بينها وبين الرجل، ستنقله إلى أسرتها وأطفالها، وفقًا لجمعة، التي قالت إن هناك جزءا من التحديات التي تواجهها المرأة في عدم العدل تندرج تحت التربية الأولى من العائلة القائمة على منح الفرص والحظوظ للذكر دون الأنثى.
لكن، هناك جزء من النساء يتمردّن على هذه العادات المجتمعية الخاطئة التي تربيّن عليها بسبب شعورهن بالظلم، فيذهبن باتجاه تصحيح الأمر بتمريره في تربية صحيحة للأطفال، وهناك جزءا آخر يبقى تحت وقع الموروثات المجتمعية وأسلوب التنشئة.
واتفق كلٌ من جمعة والطهراوي على أنّه من واجب الآباء والمجتمع عامّةً أن يقفوا أمام أدوارهم لتغيير الأفكار النمطية السلبية حول المرأة التي تساعد فرض التمييز الاجتماعي لوقف تناقله بين الأجيال.