يُصادف اليوم الأول من آيار/مايو "عيد العمال" في الأراضي الفلسطينية، ومع هذا توجه الآلاف فجراً للعمل داخل إسرائيل، بحثاً عن لقمة العيش.
يُشكِّل العمل داخل إسرائيل، بالنسبة لعمال قطاع غزة، فرصة يحسدون عليها من قبل نظرائهم الذين لم تسمح لهم إسرائيل بالعمل لدواعٍ أمنية أو غيرها، ويُعانون شحاً في فرص العمل داخل القطاع بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. ومع هذا يقول عمال الداخل (أي داخل إسرائيل) إنهم يُعانون الأمرين في رحلة ذهاب وإياب محفوفة بالعناء والخوف والمخاطر أيضاً.
"حياة ذل وإهانة" هكذا اختصر العامل أحمد مجدي "اسم مستعار" من قطاع غزة وصف عمله لبضعة شهور في إسرائيل، بعد حصوله على تصريحٍ للعمل انتظره طويلا بغيّة تحسين وضع عائلته المعيشي. وفي الوقت الذي يغبطه عليها الكثيرون على هذه الفرصة يرى هو إنه يكدّ بصمت ولا أحد يعلم عن معاناته وغيره من العمال.
وليس من السهل أن يحصل الفلسطينيون من قطاع غزة على تصاريح عمل في الداخل إذ لابد أن تمر بسلسلة من التعقيدات الأمنية. وعليه يرهن الآلاف من العمل تحسين مستقبل أسرهم بسماح الاحتلال لهم بالعمل، في الوقت الذي تجاوز فيه معدل البطالة في القطاع 45% وفق إحصاءات العام الماضي 2022.
ومن يظفر بالتصريح الذي يُحدد سقفه الزمني بـ"ستة أشهر"، يكابد عذابات التجربة حسب تعبير العامل مجدي الذي وصفها بـأنها "تجربة قاسية" وهي غير مقصورة عليه بطبيعة الحال إذ يُقدّر عدد الحاصلين على تصاريح بـ 19 ألف شخص من أصل 135 ألف تصريح مُقدَم، وفقًا لمدير عام خدمات التشغيل في وزارة العمل محمد طبيل.
وقال العامل مجدي في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "نمر عبر ثلاثة معابر، الأول يتبع لحكومة غزة وهو معبر (4.4)، والثاني يتبع للسلطة الفلسطينية ويُعرف بمعبر (5.5)، أما الأخير فيقع تحت الحكم الإسرائيلي ونتعرض فيه للتحقيق والاستجواب الأمني قبل أن ننطلق منه لمكان العمل في الداخل".
وعبّر الرجل الخمسيني عما يُلاقيه من رحلةٍ محفوفة بالمصاعب بدءًا من طريق السفر المُرهِق بتعداد المعابر التي يتوجب عليه المرور عليها قبل دخول الأراضي المحتلة وليس انتهاءً من حرمان نفسه من المأكل، عدا عن النوم في الأماكن المفتوحة لعدم توفر أماكن تُناسب جيبه.
أما زميله نائل (51 عامًا)، الذي رفض ذكر اسمه كاملًا، تحسباً من سحب سلطات الاحلتلال لتصريح العمل، قال: "أشعر بذلٍ كبير عند المرور من الحواجز فنحن ننتظر وقت طويل تحت المطر حتى يُفتح الحاجز حسب مزاج الجندي الإسرائيلي الذي يمكنه بكل سهولة إغلاق الحاجز في وجهنا واعادتنا حيث جئنا".
وتَشارك الزميلان مجدي ونائل الشكوى حول ما يُكابدانه من معاملة غير جيدة في الداخل كعمال، إذ تبدأ المعاناة حسب تعبيرهما، من عدد ساعات العمل الطويلة وعدم توفر أماكن للنوم والمعاملة بقلّة احترام وإذلال، عدى عن التحدي الأمني والخضوع للرقابة على مدار الوقت.
"أنا أعمل منذ عام كامل في قطاع الإنشاءات.. تاريخ صلاحية التصريح هي ستة أشهر، وجرى تجديده تلقائياً لستة أخرى، وخلال هذه المدة اضطررت في مرات كثيرة للنوم على الرصيف، وكانت أولويتي دائمًا أن أدخر كل شيكل لعائلتي المكونة من 11 فردا بما فيهم والدتي وأختي"، قال العامل مجدي.
يُدرك الرجل أنّه في سبيل الحصول على المال عليه القبول بواقع هذا العمل المُضنّي خاصّة وأنّ فرصة العودة للبيت مساءً هي حلمٌ يصعُب نيله وعليه قضاء فترة عمله متواصلة في الأراضي المحتلة دون إمكانية قضاء الإجازات في غزة؛ مما اضطره للقبول بتزويج ابنته وهو بعيد عنها.
إضافة إلى عدم إمكانية حصول مجدي وزميله نائل وغيرهم الآلاف من العمال على تعويضات أو حتى فرصة علاج مدفوعة الأجر، في حال تعرض أي منهم لإصابةِ عمل، الأمر الذي يزيد من ثقل العبء الملقى على كاهلهما ويعاظم المخاوف على مستقبلهما الصحي، لاسيما أنهما يعملان في قطاع من أكثر القطاعات خطورة (قطاع الإنشاءات).
ووجه مجدي في حديثه لـ "آخر قصّة"، رسالة لكل الجهات المعنيّة، قال فيها، "نطالبكم بمساعدة العمال بطريقة صحيحة دون التنصل من مسؤولياتكم تجاهنا فنحن نعيش الأمرين داخل القطاع وخارجه في إسرائيل".
ومن خلال استطلاع لآراء عدد من العمال وبخاصة الذين رفضوا الحديث علانية أو الكشف عن هوياتهم بسبب مخاوف الحرمان من العمل، اتضح أن الكثير ممن يتعرضون لابتزاز أو عمليات نصب أو احتيال، يحجمون عن المطالبة بحقوقهم العمالية، في سبيل ضمان استمرار العمل وعدم التعرض للابتزاز أو سحب للتصريح.
إزاء ذلك، تطفو مجموعة من الأسئلة على السطح، حول الضمانة القانونية لحقوق هؤلاء العمال، سواء في القانون الفلسطيني أو نظيره الإسرائيلي، وهل يحصل العامل الفلسطيني على تأمين؟، وهل يحظى بحقوق اجتماعية أم يُعامل كدرجة ثانية أو أدنى؟ وهل له حقوق مالية فينال أجورًا كغيره من العاملين من الجنسيات الأخرى؟
يُجيب المحامي أحمد الجبالي عن حقوق العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، قائلاً: "القانون الفلسطيني لا يُطبق على الأراضي الإسرائيلية، لكن يحقّ لنا كمُحامين رفع قضايا ضدّ الشركات أو مراكز العمل التي تُشغِل العمال الفلسطينيين مُطالبين بحقوقهم حسب القانون الإسرائيلي".
ويقول الجبالي لـ "آخر قصّة"، إنّه وعلى الرغم من أنّ قانون العمل الإسرائيلي يُكافئ ويُراعي العامل أكثر من القانون الفلسطيني من حيث نهاية الخدمة والتعويض في حال إصابة العمل وعدد ساعات العمل، إلا أنَّ العمال الفلسطينيون في "إسرائيل" يُعانون ويعيشون حياة ذلّ في سبيل توفير لقمة العيش لهم ولأطفالهم.
كما يواجه العمال الفلسطينيين استغلالًا في أجرة العمل وفقًا للجبالي الذي قال "في بعض المناطق التي يوجد بها تكدس عمال يأخذون أجرة منخفضة استغلالاً لحاجتهم؛ لذلك يجب أن يتطرق القانون الفلسطيني لهذه المشكلة لإلزام رب العمل بحفظ حقوق العامل الفلسطيني".
يتوافق قول محمد طبيل، مدير عام خدمات التشغيل في وزارة العمل مع المحامي الجبالي، إذ يقول: "إنّ العمال الفلسطينيون يتعرضون للكثير من المضايقات من الجانب الإسرائيلي، مشيرًا إلى تواصلهم مع هيئة المعابر والشؤون المدنية التي بدورها تتواصل مع الجانب الإسرائيلي بهدف التخفيف من الأزمة.
وحول حقوق هؤلاء العاملين قال طبيل، "إنّ معظم عمال قطاع غزة يعملون تحت مسمى احتياجات اقتصادية، وهو ما لا يوجد فيه حقوق عُمَالية للعمال يحصلوا عليها، وبالتالي تطالب وزارة العمل من خلال الشؤون المدنية بجعل التصاريح عمالية وليست اقتصادية".
وقد وصلت وزارة العمل، وفقًا لطبيل، الكثير من الشكاوى بتعرض العمال إلى النصب من المُشغلين وعدم إعطائهم أجورهم، وعن ذلك قال، "المشغل هو الذي يُلبي حقوق العمال حسب النظام والقانون الإسرائيلي ونحن نطالب العمال بعدم دفع أي مبالغ للمشغل فلا دخل لوزارة العمل بهذا الشأن".
وأمام هذا الواقع ورغم قساوة ما يُعايشه المواطنون الذين يعملون في الداخل المحتل إلا أنّ ارتفاع معدلات البطالة وتزايد الأسر الواقعة تحت خط الفقر يدفع الكثير لمطالبة وزارة العمل بتوفير مشاريع تشغيل مؤقت داخل القطاع، والتدخل لزيادة الحصة المُخصصة لسكان غزة بالعمل داخل إسرائيل.