عن وسيلة النقل الأكثر شيوعاً بين أزقة غزة

اقتناؤها أمنية في عيون بعض الأطفال

عن وسيلة النقل الأكثر شيوعاً بين أزقة غزة

ملّ الطفل أمجد كامل (13 عاماً) زيارة ورشة إصلاح الدراجات الهوائية المُقامة على مقربة من مسكنه في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بسبب زيادة أعطال درّاجته البالية.

يدفع أمجد في كل زيارة إلى الورشة، من ثلاثة إلى خمسة شواكل قيمة إصلاح الأعطال المتمثلة في انقطاع الجنزير أحياناً، وترقيع الإطارات وغيرها. وبهذا يرى والده أنّه يستنزفه على المستوى المادي لكنه يرفض احضار دراجة جديدة له، على اعتبار أنّ تلك هدية قيّمة تستحق أن يحوز عليها مقابل الحصول على درجة امتياز في نهاية الفصل الدراسي الحالي.

وفي الوقت الذي يرهن فيه والد أمجد اقتناء دراجة جديدة للتخلص من القديمة ذات الأعطال، على مستوى التحصيل الدراسي، فإنّ الصغير يُعوِّل على العيدية التي سيجمعها خلال عيد الفطر.

تلك فكرة كان يتحاور فيها أمجد مع رفيقه في المسكن والفصل أيضاً يدعى يزن السيد، وهما يجلسان على عتبة ورشة إصلاح الدراجات التي تعود ملكيتها إلى شابٍ في الثلاثينات من العمر يُكنى بأبو أحمد.

يقطع أبو أحمد حديث الصغيرين، قائلاً: "سواء جديد ولا قديم أنت لازم ترجع تصلحه.. أنت شايف شوارع المخيم بتخلي حاجة على حالها"، في إشارة إلى رداءة البنية التحتية وما يُمكن أن تسببه من أعطالٍ للدراجات التي يقتنيها أطفال وشباب المخيم.

يعمل أبو أحمد وسط ضوضاء صنعها أطفال المخيم حوله، بشيء من التأفف والضجر، لاسيما أنه ورث المهنة عن والده، حسبما قال، واضطر للعمل فيها بعد حصوله على شهادة الدبلوم في الخدمة الاجتماعية وعدم تمكّنه من الحصول على وظيفة في مجتمعٍ بلغت فيه نسبة البطالة 45٪، وفقاً لنتائج المسح الإحصائي للقوى العاملة خلال 2022.

أنهى الرجل أعمال إصلاح دراجة الطفل "أمجد"، وقال وهو يستعد لإصلاح دراجات اثنين آخرين من الأطفال جاءا لإصلاح دراجاتهم بالدَين، "إذا لم تحملان مالاً عودا من حيث أتيتما؟". قال ذلك وهو يسمح يديه المتسختين بالبنطال.

يجلس أبو أحمد على كرسي بلاستيكي مُرتق ظهره بالأسلاك، ويقول: "الناس واهمون أننا نحصل على قدرٍ كاف من المال.. كما ترى الأطفال يصلحون دراجاتهم بالدين، وأغلبهم لا يبلغون أهلهم بذلك، وتضطر أنت تلعب معهم لعبة القط والفأر.. أين المصاري يا ولد، غدا سأعطيك إياها وهكذا دواليك".

يسحب الرجل عملات نقدية من جيبه، استعرضها بكفة يده، قائلاً: "انظر هذه غلّة اليوم.. تعمل من ساعات الصبح على بضعة شواكل، بالكادّ تكفي لإحضار وجبة الإفطار"، مؤكداً أنه يعتمد أيضًا على المساعدات العينية التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) للأسر الأشد فقرًا، والبالغ عددهم مليون ومئة وثلاثين ألف شخص.

ومن المفترض خلال أبريل/نيسان الحالي أن تزيد الأونروا عدد المستفيدين من خدماتها إلى ٣٠ ألف مستفيد جديد، ذلك رغم العجز المالي الذي تعاني منه ووصل إلى ١٠٠ مليون دولار أمريكي، وفق تصريحات توماس وايت، مدير شؤونها بغزة.

يصف صاحب ورشة إصلاح الدراجات الهوائية، الحياة في غزة بأنّها أشبه بـ"الدرجات البالية"، سريعة الأعطال، إذ يقول: "كل يوم مأساة إنسانية جديدة بين حرب وفقر وبطالة وظروف نفسية قاهرة يُكابدها السكان وخاصّة سكان المخيم الذين يعيشون ظروفا استثنائية بين الأزقة".

ولا تزال تُشكِّل الدراجات الهوائية وسيلة أساسية للتنقل بين سكان المخيم، لاعتبارين: الأول أنها أقل كلفة من ركوب سيارات الأجرة، والثاني هو إمكانية استخدامها بسهولة خلال التنقل بين الأزقة.

وتُعد الأزقة هي المنافذ الواصلة بين الحارات والمساكن داخل مخيمات قطاع غزة الثمانية والموزعة على خمسة محافظات. وفرضت بيئة المخيم ذات الكثافة السكانية الأبلغ على مستوى العالم، هذا التشكيل الحضري الذي يعيق أي اتساع أفقي، ويحصر الاتساع المعماري في الشكل الرأسي.

ولا يزال يواظب فضل أبو صفية (72 عاماً) على استخدام دراجته الهوائية القديمة ذات المقابض المنحنية داخل أزقة المخيم رغم انحناء ظهره، وقد حاول الحفاظ على هيكلها بتغليفه باللاصق إذ يستخدمها في رحلاته اليومية إلى السوق لقضاء احتياجات أسرته الصغيرة.

ولم تعد قدمي أبو صفية تحملانه على قيادة الدراجة، لكنه على كل حال يسير إلى جانبها خلال مشاويره، ويعتمد على صندوقها الخلفي في جلب الأغراض. قائلاً: "إنها توفر علي دفع قيمة المواصلات".

ولا يحلو للرجل المنحدر من قرية حمامة إلا أن يلقبها برفيقة دربه، حيث يستخدمها منذ أكثر من أربعين عاماً في جولاته اليومية، وقال إنه كان ينتقل بها من مخيم جباليا شمال قطاع غزة إلى وسط مدينة غزة حيث عمله كحارس ليلي في إحدى المنظمات الدولية، واستمر بركوبها حتى بعد تجاوز سنّ التقاعد.

ولا يمكن اعتبار ركوب الدراجات الهوائية حكرًا على سكان المخيم، إذ تشير تقديرات محلية إلى أنّ نسبة استخدام الدراجات ازدادت خلال الأعوام الأخيرة التي سمح فيها الاحتلال الإسرائيلي بإدخال كميات كبيرة منها إلى القطاع، سواء الجديدة أو المستخدمة والتي تلقب في القطاع بـ"المخراز".

وراج في القطاع مؤخراً دراجات تعمل على البطارية، غير أنها لم تلغِ تقليدا اعتاد الناس عليه منذ عشرات السنوات، لسببين اثنين: الأول أنّ الدراجات التي تعمل ببطارية تحتاج إلى شحن كهربائي وهو أمر غير متوفر في كثير من الأحيان بسبب الانقطاع المُتكرر للتيار الكهربائي، والثاني أنّها تصل كلفتها إلى قرابة الألف دولار أمريكي، فيما تتراوح قيمة الجديد من الدراجة التقليدية ما بين (400- 1000 شيكل)، حسب مواصفاتها.

وبين الجديد والقديم، تظلّ الدراجات الهوائية مطمعاً وأمنية للكثير من الأطفال الذين يتطلّعون لاقتنائها مع اقتراب العيد. غير أنّه يُشاع في الأحياء الفقيرة من القطاع ظاهرة تأجير الدراجات وذلك تلبية لأماني الأطفال مقابل أجرٍ زهيد (شيكل واحد مقابل كل شوط)، فيما تزيد هذه القيمة إلى 2 شيكل خلال احتفالات الأطفال في عيد الفطر.