بين عالمٍ من الخطوط والأشكال والألوان والبحث عن الدلالات يقضي محمد حمّاد جُلّ وقته خلال عمله كمصمم جرافيك متخصص في صناعة الهوية البصرية والشعارات المُتعلقة في منتجٍ معين، أو ما يُسمى (صناعة البراند)، وهو الذي لجأ لهذا المجال دون دراسة فتميز وأبدع وحصد الجوائز العالمية.
وتخرّج حمّاد (30 عامًا) من كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية ولم يجد فُرصة عملٍ ملائمة، قرر ألا يستسلم لواقع البطالة الذي يعاني منه ما نسبته 45% من الشباب في قطاع غزة، ففكّر في تعلم تصميم الجرافيك خاصّة أنّ لديه ميول تجاه المجال.
على مدار ثمانية أعوام من التعلم الذاتي قضاها حمّاد بين التجارب والمحاولات الفردية في تعلم أساسيات التصميم لينطلق بعدها إلى التدريب والبحث ضمن دورات متخصصة، يقول "بدأت التعلم على جهاز مكتبي وقد كان بسيطًا لا يحتمل ثقل برامج التصميم التي أحتاجها فكانت أولى العقبات في طريقي".
وتابع الشاب حمّاد في حديثه لـ "آخر قصّة"، "إلى جانب ضعف جهاز الكمبيوتر كان عدم وجود توفر مصادر لتعلم التصميم بشكلٍ منهجي من الصعوبات التي واجهتني في سبيل اتقان هذا العلم التي امتدت أيّضًا إلى ضعف قدرتي على التسويق لنفسي وعرض أعمالي وتحديد أسعارها والتفاوض مع العملاء فيها".
لكّنَ المصمم الجرافيكي سعى جاهدا للتغلب على كافة التحدّيات التي اعترضت طريقه من خلال التدريبات التي تلقاها وأهلّته للعمل في السوق المحلي، ومن ثم الانتقال إلى السوق الخليجي من خلال التوجه لنظام العمل الحرّ.
ورغم أنَّ ثقافة الهوية البصرية في قطاع غزة محدودة جداً وتقتصر على التصاميم البسيطة التي تتكفل بها المطابع غالباً دون أيّ نوع من التميز أو الدراسة للمنتج ونوعه ومستهلكه، بحسب حمّاد؛ إلا أنَّه حاول ترسيخ هذا الأمر من خلال عمله وشرح أهميته للزبون بشكل أكثر اقناعاً، كما قال.
مرة تلو الأخرى ومع دخول أقسام التصميم إلى سوق العمل وتخريج عدد كبير من الطلاب في المجال بدأت ترسخ مفاهيم الهوية البصرية ومجالات عمل التصميم الجرافيكي لدى الناس وأصحاب الشركات فلم يعد صعبًا إقناع الزبون في دفع المال وإن كان المبلغ مرتفعًا؛ مما سهّل عمل حمّاد وزملائه في المهنة.
يفيض جهاز الحاسوب الخاصّ بحمّاد بالأبحاث العلمية الدقيقة والملفات لموسوعات علّمية حول مواضيع مختلفة كعالم العمران أو الخيول أو خلايا النحل ومواضيع أخرى، تشكل مرجعا ومصدرا للإلهام من أجل فهم المنتجات التي يعكف على تصميمها.
يقول حمّاد، "البحث الطويل والقراءة المعمّقة هي أساس العمل المتميز والوصول لتصميم يُحاكي الواقع ويعكس صورة المنتج وتاريخه وأصالته، وعمل المصمم يُبنى في الأصل على الفهم التام لحاجة الشركة التي يعمل لأجلها وهو لا يُعبّر بالضرورة عن المصمم نفسه وهو ما يُفرقه عن الرسم الحرّ".
محمد حمّاد اليوم هو واحد ممن أسسوا أعمالهم في نظام "العمل الحر" بدخلٍ شبه ثابت بعد أن بنى اسماً في السوق فأصبح من خلاله يعول أسرته وأطفاله وطوّر أجهزته التي يعمل بها، كما شارك في مسابقات عالمية ونال جائزتين مرموقتين في مجال التصميم.
وفي التفاصيل، تقدم حمّاد إلى مسابقة مؤسسة "جريد لاينرز" العربية، وذلك ضمن 350 مصمم من الوطن العربي، تقدمهم محمد بالفوز في الجائزتين الذهبية والفضيّة عن اثنين من تصاميمه، أحدهما حول أحد الأفلام الوثائقية بغزة والآخر لصالح شركة الجرو للأدوات الموسيقية، فيما نالت التصاميم على استحسان اللجنة المُحكّمة وحظيت بالفوز.
يُعقب الفائز حمّاد على فوزه قائلا، "النجاح الذي وصلت إليه كان بعد سنوات عديدة من المحاولة والتعثر والعشوائية، ولكن الظروف المعيشية في غزة كانت دافعاً لي لأجد مكاناً للعمل و احذف اسمي من قائمة العاطلين عن العمل مهما كلفني الأمر من جهد".
ويطمح حمّاد إلى أن ابتكار سلسلة محتوى تعليمي تفيد الأشخاص الذين يسعون لتعلم التصميم الجرافيكي بشكلٍ فردي وبالتعامل مع مؤسسات تعليمية متخصصة وذلك لنقل تجربته في التصميم للآخرين ولتمهيد الطريق الذي سلكه أمام المُصممين الجدد.