لم يستطيع المريض وسيم عزام (28 عاماً) وهو من سكان قطاع غزة، السفر لتلقي العلاج في مشتفى المقاصد بمدينة القدس، بسبب منعه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
تعرض عزام إلى الإصابة في منتصف سبتمبر الماضي أثناء السباحة في البحر، مما أدى إلى كسر في الرقبة وقطع في النخاع الشوكي، ونظراً لخطورة حالته قام الأطباء بمنحه تحويلة للعلاج خارج غزة، وتم تقديم طلـب تصريـح عاجـل للسـفر غيـر أن سـلطات الاحتلال رفضت إدخاله بدعوى أن "المريـض مرفـوض أمنيـا" وقد توفي بعد نحو سبعة أيام.
وواجهت الطفلة الرضيعة فاطمة المصري (19 شهراً) المصير ذاته، بسبب رفض الاحتلال السماح لها بالوصول إلى مستشفى المقاصد بمدينة القدس المحتلة.
وعانت الطفلة المصري وهي من سكان محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، من عيب خلقي في القلب وقد احتاجت تدخلاً سريعاً لإجراء عملية طارئة، لكن والدها قال إنه تقدم بثلاث طلبات للحصول على تصريح من أجل اجتياز معبر بيت حانون كأن أولها في شهر سبتمبر 2021 لكن وبسبب رفض الاحتلال، لاقت طفلته حتفها بتاريخ الثاني من مارس 2022، أي بعد ثلاثة أشهر من المحاولات.
وإلى جانب المريضين عزام والمصري، توفي خمسة آخرين العام الماضي، وفقاً لمراكز حقوقية، بسبب القيـود الإسـرائيلية المفروضة علـى سـفر المرضـى، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى تدهـور الحالـة الصحيـة للعشـرات منهـم جـراء فتـرات الانتظار الطويلـة للحصـول علـى التصاريـح اللازمة.
ووفقاً لعدد من الشهادات المتعلقة بالمرضى، فإنه في كثير من الأحيان لا تتخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرارا مباشراً وسريعاً في حالات بعض مرضى القطاع، لاسيما أصحاب الأوضاع الحرجة التي هي بحاجة للعلاج خارج مشافي القطاع الحكومية التي تفتقر لإمكانات العلاج المتطورة.
ووفقا لتقرير وزارة الصحة الصادر في حزيران 2022، فقد بلغ عدد مستشفيات وزارة الصحة في قطاع غزة 13 مشفى بسعة سريرية قدرها 2.824 سريراً، وتفتقد معظم هذه المشافي إلى خدمات متطورة بفعل الحصار المفروض على القطاع للعام السادس عشر على التوالي، الأمر الذي يزيد من معاناة المرضى ويطيل أمد العلاج:
وتتذرع سلطات الاحتلال بتأخير إصدار تصريح المرور من غزة إلى إسرائيل عبر معبر بيت حانون- إيرز (المعبر الوحيد بين القطاع والأراضي المحتلة)، بأن "الطلب تحت الدراسة".
صيغة ترى فيها جهات حقوقية فلسطينية أنها تشكل مزيداً من القيود المفروضة على سكان القطاع الذين يزيد عددهم عن 2.3 مليون نسمة ضمن مساحة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 365 كلم2 وهي بذلك تقوض حقهم في الصحة والحصول على العلاج الطبي اللائق.
ونصـت المـادة (16) مـن اتفاقيـة جنيـف الرابعـة علـى أن "يكـون الجرحـى والمرضـي وكذلـك العجـزة والحوامـل موضـع حمايـة واحتـرام خاصيـن، فيما نصـت المـادة (21) علـى وجـوب احتـرام وحمايـة عمليـات نقـل الجرحـى والمرضـي. وأكـدت المـادة 55 علـى أنـه مـن واجـب دولـة احتلال أن تعمـل، بأقصـى مـا تسـمح بـه وسـائلها، علـى تزويـد السـكان بالمـؤن الغذائيـة والإمـدادات الطبية.
ويعد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الإجراءات الإسرائيلية بأنها تشكل مخالفة للقانون الدولي الإنساني الذي يلزمها بواجبات القوة القائمة بالاحتلال المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وكذلك اتفاقية لاهاي لعام 1907، والتي كفلت الحقوق الصحية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة وفي المناطق المحتلة ووفرت حماية خاصة للجرحى والمرضى والسماح بتوريد الأدوية والأجهزة الطبية.
وتقـدم المريـض أحمد حمدي (اسم مستعار) الـذي يعانـي منـذ 5 سـنوات مـن انسـداد فـي الشـرايين، بعـدة طلبـات للسـفر بعـد حصولـه علـى تحويلـة طبيـة لإجـراء عمليـة زراعـة جهـاز داخـل عضلـة القلـب فـي مستشـفى المقاصـد بمدينـة القـدس المحتلـة، غيـر أن سـلطات الاحتلال ردت علـى طلباتـه بأنهـا "قيـد الدراسـة".
تقول زوجة حمدي وهو في العقد الرابع من عمره: "يعانــي زوجــي مــن مــرض فــي القلــب وانســداد فــي الشــرايين أدت إلــى مضاعفــات خطيــرة علــى صحتــه بشــكل عــام، وصعوبــة فــي التنفـس، وتـورم فـي القدميـن والوجـه، وقد أدخـل المستشـفى الإندونيسي بغـزة وأجريـت لـه عـدة عمليـات لإنقـاذ حياتـه، ثـم قـرر الأطبـاء تحويلـه للعـاج فـي الخـارج لإجـراء عمليـة زراعـة جهـاز داخـل عضلـة القلـب ومعالجـة انسـداد الشـرايين".
وأضافت زوجة حمدي البالغة من العمر 39 عاماً "منذ عام تقريبا حصلنـا علـى تحويلـة طبيــة وقدمنــا عــدة طلبــات مــن خــال دائــرة التنســيق والارتبــاط فــي وزارة الشـؤون المدنيـة للحصـول علـى تصريـح مـرور مـن الجانـب الاسـرائيلي، وكانـت الـردود بـأن الطلـب "قيـد الدراسـة"، وكان آخـر الطلبـات في يونيو الماضي، وحالة زوجتي الآن تتدهور وبخاصة انه أصبح يعاني مـن حـالات إغمـاء مسـتمرة، ويحتـاج إلـى إجـراء عمليـة جراحيـة عاجلـة لإنقـاذ حياتـه".
ومنـذ يناير من العـام الماضي 2022، تلقـى (3878 مريضـا) ردا إسـرائيليا بـأن طلباتهـم "قيـد الدراسـة"، بنسـبة %22.29 مـن إجمالـي الطلبـات المقدمـة حتـى تاريـخ 2022/08/31، والبالـغ عددهـا 13270 طلـب، طبقاً لتقرر أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وتتذرع سلطات الاحتلال برفض السماح لمرضى من قطاع غزة بالدخول إلى الأراضي المحتلة، بدعوى ارتباطهم بعناصر تابعة للتنظيمات الفلسطينية في غزة. رغم أن المحكمة العليا في إسرائيل قد صادقت في العام 2018 بالإجماع على الالتماس الذي مجموعة من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية، بطلب السماح لمريضات بحالة صحية حرجة من سكان قطاع غزة، بالخروج لتلقي علاجات طبية ضرورية غير متوفرة في القطاع.
وأقر القضاة في حينه بأن قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية، والقاضي بمنع خروج المرضى من غزة لتلقي العلاج خارج القطاع بهدف الضغط على حركة حماس، هو غير قانوني وغير فعال.
وعلى الرغم من ذلك لاتزال الكثير من الحالات المرضية تواجه تحدياً كبيراً يتعلق بحرمانها من الحق في العلاج نتيجة تعنت الاحتلال ورفض السماح لها بالانتقال إلى مشافي الضفة الغربية والداخل المحتل.
تعقيد أخر يفرض نفسه بقوة في ملف مرضى القطاع المحوليــن للعــاج فــي الخــارج، ألا وهو رد ســلطات الاحتلال الإســرائيلية علــى طلبــات مرافقيهم، حيث أن الاحتلال يربط مرور المرضى في الكثير من الأحيان بمرافقيهم والذين لابد وأن يحظوا بموافقة أمنية حتى يتمكنوا من اجتياز الحدود بين غزة والأراضي المحتلة (الضفة الغربية، القدس، أراضي 1948).
تشير تقديرات محلية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي رفض 44% من طلبات مرافقي المرضى (يناير 2008- مايو2022) والذين يزيد عددهم عن 260 ألف مرافق. كما يشترط على بعض مرافقي المرضى حضورهم لمقابلة مخابرات الاحتلال على معبر بيت حانون، ويتعرض بعضهم للاعتقال، ويضطر المرضى غالبا إلى تغيير المرافق عدة مرات وتقديم الطلب مرة أخرى بمرافق جديد للحصول على موافقة.
بحزن شديد عبرت المواطنة فاطمة خليل (اسم مستعار)، وهي من سكان مدينة غزة، عن استياءها نتيجة حرمانها من مرافقة زوجها المريض أثناء رحلة علاجه في مستشفيات القدس المحتلة.
وقالت خليل (46 عاماً)، "زوجي يبلغ من العمر 51 عاماً وهو يعاني من سرطانات متعددة أنهكت جسده، وبسـبب رفـض الاحتلال السـماح بمرافقتـي له أصبح يعاني من انتكاسات صحية، حيث فقد وعيه في إحدى المرات على معبر قلنديا بالضفة الغربية، ومكث ست ساعات من دون مرافق".
وأضافت السيدة وملامح الاستياء تسيطر عليها، "منذ ثلاث سـنوات يسافر زوجي بشكل دوري لتلقـي العـاج الكيميائـي فـي مستشـفيات الضفـة الغربيـة والقـدس دون مرافـق، حيـث غادر القطاع أكثـر مـن عشرة مـرات إلـى مستشـفى المطلـع، ومستشـفى المقاصـد فـي مدينـة القـدس، وحاليـا يتلقـى العـاج فـي مستشـفى النجـاح، وقد منعت من مرافقته بدعـوى أن الطلـب قيـد الدراسـة، ثم اسـتبدلنا اسـم المرافـق أكثـر مـن مـرة ولـم يتغيـر الـرد".
في واقع الأمر، ليس المرضى الغزيين وحدهم الذين يواجهون تحديات من هذا النوع، المنظومــة الصحيــة فــي قطــاع غــزة تعاني ضعفــا كبيــراً ناجمــا عــن الحصــار الإســرائيلي المفروض منذ 16 عاماً ولا يزال يترك آثــارا ســلبية خطيــرة، ســاهمت فــي تدنــي جــودة الخدمــات الطبيــة داخــل مستشــفيات القطــاع، وتدهــورت الخدمــات الصحيــة المقدمــة للسـكان على ضوء نقص المستلزمات الطبية والأجهزة المتطورة، وهي سياسة يرى فيه المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إنها مخالفة للمادتين (55-56) مـن اتفاقيـة جنيـف للعـام حيث أن إسرائيل تتحلل مـن التزاماتهـا بتزويـد السـكان الخاضعيــن تحــت ســيطرتها بالإمــدادات الطبيــة.