خسائر بالجملة: عن تجربة الزراعة على الحدود

خسائر بالجملة: عن تجربة الزراعة على الحدود

يُعيل محمد حماد  وهو مزارع في العقد الخامس من عمره، أبنائه الثمانية، من مردود حقله البالغ مساحته 11 دونمًا، والواقع  في وادي السلقا شرق دير البلح وسط قطاع غزة.

يعتمد المزارع حماد في سد احتياجاته على زراعة المحاصيل الموسمية مثل البازيلاء والفول والقمح وغيرها الكثير، ولكن سرعان ما تحطمت آماله عندما فتح الاحتلال الإسرائيلي السد الحاجز لمياه الأمطار على حدود غزة الشرقية وأغرق أراضي المزارعين الفلسطينيين.

يقول المزارع حماد في حديثه مع آخر قصة: "لدي الكثير من الالتزامات التي من المفترض أن أقضيها أيضا، واشتريت احتياجات المحصول بالدين منتظرًا مرحلة القطف حتى أتمكن من سداد الديون، ولكن المحصول قد دُمر بالكامل".

المزارع حماد هو المٌعيل الأساسي للعائلة، وقد اجتهد في تعليم أبنه الأكبر في الجامعة حتى يتجاوز مشقة العمل في الأرض، غير أنه بعد قضاء أربع سنوات من التعلم لم يجد فرصة عمل، ولجأ للحقل ليساعد والده، وهو بذلك ينضم إلى قافلة العاطلين عن العمل والبالغ عددهم 223 ألفاً في قطاع غزة حسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

يشير المزارع إلى أن قيمة خسائر المحصول بلغت 5 آلاف دولار، وما يزيد الطين بلة أن عليه الانتظار لمدة أربعين يومًا من أجل البدء بالزراعة مرة أخرى، ويقف الآن عاجزاً عن توفير المال اللازم لسداد الديون أو إقامة محصول جديد.  

حماد هو واحد من 200 مزارع تضررت محاصيلهم الزراعية مُنذ مطلع عام 2023، من مجمل المزارعين البالغ عددهم 32 ألف مزارع على مستوى قطاع غزة، ويسهمون بنسبة 6% من الناتج القومي الإجمالي.

 وتتشابه معاناة حماد مع المزارع أحمد سليمان (اسم مستعار) البالغ من العمر أربعة عقود، يتملك 10 دونمات مزروعة بأشجار الحمضيات. لا يمتلك سليمان القاطن في منطقة القرارة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، مهنة غير الزراعة وتعتبر مصدر رزقه الوحيد.

ويعاني المزارع من صعوبة وصول المياه إلى أرضه في ظل تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء وتردي شبكات الري في منطقته الحدودية، مشيرا إلى أن قيمة المصروفات التي أنفقها العام الماضي على إصلاح الأرض بلغت أكثر من 20 ألف دولار، موزعة على شراء مولدات كهربائية تكفي لضخ المياه لكافة الحقل وإصلاح شبكات الري التي أفسدتها آليات الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة زراعة بعض من الأشجار.

وقال سليمان: "المزارع لا يرى ثمرة تعبه إلا بعد مشوار طويل من الكد والعرق، بدءاً من مخاوف زيادة انقطاع التيار الكهربائي، واحتمال تجدد العمليات العسكرية على قطاع غزة، فضلا عن الحصار الذي يمنع تصدير الحمضيات إلى خارج القطاع (..) كل هذه المعاناة التي نعيشها تقف عائقا في وجه إنتاج زراعي ذو جودة عالية". 

ووفقا لمؤسسة الحق (مؤسسة حقوقية فلسطينية)، فإن المناطق الشرقية والشمالية لقطاع غزّة والمحاذية للسياج الإسرائيلي الفاصل تشكّل حوالي 80٪ من الأراضي الزراعية في القطاع التي تقدّر بحوالي 185 ألف دونم، وتمتاز بخصوبتها وانبساطها، فضلً عن كونها خزّان الأراضي الزراعية الأخير في القطاع المحاصر.

وما يعقد على المزارعين هو عدم القدرة في الكثير من الأحيان للوصول إلى تلك المناطق، وبخاصة أن الوصول إليها قد يعرض حياتهم للخطر، وبالتالي قد يشكل ذلك عائقا كبيراً أمام استصلاح هذه الأراضي بشكل يضمن تحسين فرص دخل المزارعين.

ويتعارض هذا الواقع، مع القوانين والتشريعات الدولية التي نصت على حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، بما يوفر له حاجته من الغذاء والكساء والمأوى، والحماية من غوائل البطالة.

الصورة

في الأثناء قالت منسقة الإعلام في الإغاثة الزراعية بقطاع غزة نهى الشريف، إن المزارعين الفلسطينيين في غزة يتكبدون خسائر متلاحقة بشكل متواصل، فضلا عن الصعوبات التي يواجهونها والتي منها: "منعهم من التنقل والوصول إلى أراضيهم الزراعية وتحديدًا المحاذية للحدود الفاصلة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، بالإضافة إلى منعهم من تصدير محاصيلهم، الامر الذي يعرضهم إلى تكبد خسائر كبيرة" كما قالت.  

وأضافت الشريف، أن العقبات التي تواجه المزارع كثيرة  منها أزمة انقطاع التيار الكهربائي منذ عام2006؛ إذ تتراوح ساعات الوصل مقابل الفصل من 6-8 ساعات يوميًا، مما يجعل العديد من المزارعين إلى شراء المولدات الكهربائية وهي أيضًا تحتاج إلى أموال كبيرة سواء لاقتنائها أو للإنفاق على الوقود المشغل لها، وهذا أمر يثقل كاهل المزارع.

ويتضح بعد الاستماع إلى شكاوى المزارعين في قطاع غزة، أن ما يزيد من معاناتهم هو عدم وجود دعم حكومي كاف، لاسيما فيما يخص التعويضات المالية التي هم بحاجة إليها من أجل إعادة استصلاح مزارعهم والعودة لمواصلة نشاطهم الزراعي.