بعد أربع سنوات من التداوي حملت فاطمة الجمل (30 عامًا) بجنينها الأول، وفي الشهر الثامن من الحمل أصابتها آلام المخاض، وهنا توجهت مباشرة للمستشفى لكن خطأ تشخيص الطبيبة حينها لحالتها جعلها تخسر طفلها، كما قالت.
وأضافت الجمل بحزن بالغ: "وقتها شعرت بالكثير من الألم، وهرعت وزوجي إلى المستشفى لكن يبدو أن قدومنا ليلا أزعج الطبيبة المتواجدة فتعاملت معي بقلة اهتمام واضحة، سألتني أسئلة روتينية وقالت إنّ سبب الآلام هي اصابتي بالالتهابات واستبعدت أن أكون في حالة ولادة مبكرة، فغادرنا ولكن في الصباح عدنا مرة أخرى بعد تزايد الألم".
في الصباح، كانت الفاجعة بالنسبة لفاطمة وزوجها، حيث قام طبيبٌ آخر بعمل الإجراءات الطبية اللازمة، ليكتشف حينها أن نبض الجنين قد توقف ليلًا نتيجة ارتفاعٍ حاد في معدل ضغط الدم لدى الأم، والذي كان بالإمكان إنقاذه في الساعات الأولى من الآلام التي أصيبت بها لكن خطأ تشخيص الطبيبة الأولى لحالتها أدى إلى ذلك، حسبما قالت في سياق حديثها لـ "آخر قصة".
ما حدث مع فاطمة جعلها تعاني ظروفًا نفسية قاهرة، خاصّة بعدما نصحها طبيب مختص بتأجيل فكرة الحمل مرة أخرى إلى حين تعافيها نفسيًا وجسديًا لقاءَ ما أصابها. وقد يكون ما يُثير حنق النساء في قضية أخطاء التشخيص هو أنّها تتكرر بين حينٍ وآخر في ظروف مختلفة من واحدة إلى أخرى.
ما عاشته فاطمة التي فقدت جنينها المُنتظر بعد 4 سنوات ورحلات علاج مرهقة، لم يقل ألماً عمّا حدث مع رانية محمد (37 عامًا) التي حملت بجنينها بعد انقطاع 10 سنوات عن الإنجاب، وعن هذه التجربة قالت: "لم أكن أعلم أنني حامل وتوقعت أن يكون لدي اضطرابات هرمونية فقط".
وتعمل السيدة رانية في سلك التعليم لكنها لم تستطيع ممارسة عملها لشدّة الإعياء الذي أصابها نتيجة مرورها في فترة ما يعرف بـ"الوحام"، وقالت: "حين اشتد الاعياء لجأت إلى طبيبة متخصصة في الحيّ الذي أقطن به لإجراء الفحص اللازم، وقد أخبرتني بأسف بخبر الحمل وهلاك الجنين في الوقت نفسه، ووصفت لي أقراصًا أتناولها عبر الفم للتخلص من الجنين دون جراحة".
غير أنّ، رانية التي تناولت تلك الأقراص على مدار يومين فقدت قدرتها على الحركة نتيجة نزيف أصابها وعندما توجهت لمجمع الشفاء الطبي (المستشفى الحكومي الأكبر في قطاع غزة) تبين أنّ قلب جنينها كان ما يزال "ينبض" لكن الأطباء لم يستطيعوا إنقاذه بعدما وصل فحص الدم "الهيموغلوبين" لديها إلى أقل من 5 غم/ديسليتر، وهو ما يفترض أن يكون معدله الطبيعي أعلى من 11 غم/ديسليتر لدى النساء الحوامل.
وخوفًا على حياة الأم التي نجت بصعوبة بعد مدها بثمان وحدات من الدم، اضطر الأطباء للتخلص من جنينها عن طريق إجراء عملية جراحية، واعتبرت رانية أن ذلك خطأ لا يغتفر بحق طبيبة تسببت لها بالإجهاض وبمخاطر وآلام صحية ونفسية أيضا.
أمام هذه الحوادث التي تهدد حياة الكثير من النساء بالخطر، ساءلت "آخر قصة" مديرة الطوارئ في قسم النساء والولادة بمستشفى الشفاء بغزة الطبيبة امتثال الأعرج، التي أكّدت الأمر وقالت إنّه من بين كل مئة حالة ولادة في غزة هناك عشرون حالة إجهاض تحدث لأسباب مختلفة من بينها سوء التشخيص، فيما بلغ متوسط عدد المواليد يوميًا في قطاع غزة 157 وذلك خلال عام 2021 الذي شهد ولادة 57 ألفًا و513 مولودًا.
وعزت الطبيبة الأعرج ذلك إلى عدة أمور، كان فيم قدمتها ضعف وجود الأجهزة الكافية في المستشفيات والمراكز الصحية التي بدورها قد تساعد الطبيب في التشخيص الصحيح، وقالت: "الأجهزة المتواجدة قديمة ولا يُمكن إصلاحها في قطاع غزة، كما أنَّ وزارة الصحة لا تمتلك الأجهزة المتطورة اللازمة".
وعلى الرغم من أنّ الوزارة دربت طواقم طبية مختصة لاسيما أخصائيين أمراض النساء والولادة، على التعامل مع الحالات بعيدا عن استخدام الأجهزة القديمة، لكن الأعرج قالت إن الأرقام تُشير إلى استمرار هذه المشكلة، على الرغم من فرص التدريب.
وتكتفي بعض النساء بالصمت أمام أخطاء التشخيص، فلا يُبلِغن عنه إما لضعف إدراكهن بحقوقهن أو رضوخًا لجهلهن بحقيقة حوادث الإجهاض تلك التي أعادوها لـ "القضاء والقدر"، على ظنّ أنّه لم يكن بالإمكان تفاديها، وهي في واقِعها حدثت نتيجة خطأ طبي تشخيصي.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد نص قانوني واضح وصريح يجرم الأخطاء الطبية، لكن ذلك لا ينفي تجاهل معاقبة المتسبب بالضرر، وذلك بالاعتماد على تقديم الأمهات لشهاداتهن الحية على ما حل بهن، بالإضافة إلى اجراء الفحوصات الطبيّة الموثقة التي تثبت أنّ الإجهاض جرى والجنين ما زال ينبض داخل الرحم فيما لا يوجد خطورة على حياة الأم في استمرار الحمل، تلك الإجراءات التي يحق للنساء اتباعها في حال ثبوت وقوع الخطأ التشخيصي.
وقال المدير التنفيذي لمؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، علاء السكافي، إنّه في مثل هذه الحالات تُرفع دعوى قضائية تُطالَب فيها وزارة الصحة بتعويض المريض أو أهله، ومحاسبة الطبيب أو الكادر الطبي المتسبب بالخطأ.
وأوضح السكافي في حديثٍ لـ "آخر قصة" أنّ الخطأ الطبي لا يثبُت كونه خطئًا وفق تقييم أهل المريض، بل من الضروري تأكيد هذا الخطأ وفق لجنة طبية متخصصة وأطباء ذوات خبرة وكفاءة عالية في مجال الطب الأكثر ارتباطاً بالحالة المرضية.
وفي الوقت الذي أشار فيه إلى عدم وجود نصّ قانوني يُعاقِب على الخطأ الطبي، إلا أنّه أكّد على أنَّ العقوبة تأتي بحسبِ التحقيق الجنائي لطبيعة القضية اعتماداً على قانون العقوبات الفلسطيني.
وإلى أن توفر وزارة الصحة الأجهزة الطبية المتطورة والدقيقة في مجال طب النساء والولادة والتي تتعلل بها للحدّ من تلك الحوادث، إلى جانب إدراج نصّ قانوني يتضمن مصطلح الخطأ الطبي وعقوبته، ستبقى أخطاء التشخيص الطبي قائمة.