تنشغل المدربتان نهيل ونهلة عليان بتدريب عددٍ من النساء على تمارين اللياقة البدنية، خلال ستين دقيقة يوميًا يجتمعن فيها بأجواءٍ تسودها المحبة والانسجام والألفة.
احترفت الأربعينية نهيل أنماط التدريب في اللياقة البدنية عن طريق التعلم الذاتي في بداية مشوارها من خلال متابعة البرامج التلفزيونية برفقة أبنائها الثلاثة الذين كانوا جمهورها الوحيد لمدة 17 عامًا، إلى أن تلّقت خلال السنوات الخمس الأخيرة دورة تدريبية مع الاتحاد الفلسطيني لكمال الأجسام دمجت فيها الموهبة مع المعرفة.
تنقلت نهيل بعدها بين عددٍ من النوادي الرياضية بحثًا عن الخبرة، حتى استقرت في أحدهم، وقالت في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "آخر النوادي التي اشتركت بها شاركني النجاح، ومن خلاله استطعت تعلم المجازفة في ابتكار تمارين وأنشطة خارجية بهدف التقدم خطوة نحو تغيير نظرة المجتمع لممارسة النساء الرياضة".
وعادةً، ما يتحفظ أهالي قطاع غزة على ممارسة المرأة لأنواعٍ معينة من الرياضات، وفقًا لنهيل التي عدّت من هذه الرياضات ركوب الدراجة أو الخيل، إضافة إلى الفنون القتالية، والمشي صباحًا على شاطئ البحر، إذ يجدون فيها خروجًا عن المألوف وخرقًا لعاداتهم وتقاليدهم التي تضع المرأة ضمن قوالب محددة لا يُسمح غالبًا بالخروج عنها، حسبما قالت.
وأرجعت ضعف توجه المرأة في القطاع إلى رياضة اللياقة البدنية، إضافة إلى كرة القدم والسلة والطاولة، إلى ثقافة المجتمع وغياب الكادر المهني والأماكن المؤهلة لممارسة تلك الأنواع بالرغم من جهود بعض النوادي كنادي غزة والمشتل لدمج السيدات والفتيات.
لكن عليان التي اهتمت بالقراءة العلمية حول الرياضة وآثارها الصحيّة على جسد المرأة، رأت في تلك الرياضات منفعة كبيرة، وعنها قالت: "مشي المرأة على شاطئ البحر حافية القدمين ليس عيبًا، بل هو عادة صحية للغاية، لأنه يفرز هرمونات تُحسن المزاج، ويزيد قدرتها على الإنجاز والأداء فلا تُترك للمرض والاكتئاب في المنزل".
وما أن تنتهي المدربة من مشاركة النسوة تعليماتها الرياضية، حتى يجتمعن حولها ليأخذن قسطًا من التفريغ النفسي وتبادل أطراف الحديث ومشاركة الهموم اليومية، ويحظين على إثر ذلك بالدعم والمساندة رغم اختلاف أعمارهن والبيئات التي يعشن فيها.
تؤمن المدربة نهيل أنَّ كل امرأة تعاني من مشكلات معينة قد يكون حلّها بسيطًا إذا ما شاركت به أحدًا؛ لذلك أخذت على عاتقها مهمة دعمهن نفسيًا من خلال دمج أنشطة التفريغ النفسي في الرياضة، توضح، "ورثت هذه المهارة عن والدي وهو يعاني من إعاقة سمعية لكنه في الوقت نفسه يبدع في ألعابِ القوى وكمال الأجسام".
أيضًا، كانت شقيقتها نهلة شريكتها في كل خطواتها وتعملان معًا في التدريب، وعن تلك المشاركة قالت: "أحببت الرياضة على إثر تعلق أختي نهيل بها ورغبتها في ملازمتها طوال الوقت لذلك كنت مساعدة لها، فبدأت كمتدربة معها إلى أن أصبحت اليوم مدربة بأحد النوادي الرياضية في القطاع".
ونصحت نهلة، النساء بالالتحاق في برامج رياضية ترأسها مدربات في بداية ممارستهن للرياضة وألا يكتفين بالتعلم الذاتي في المنزل، منعًا للوقوع في إصابات ولأن المجموعات هي درع معنوي حامٍ لهن، وفق قولها.
بدوره، أكّد نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للثقافة الرياضية محمود الناطور، ازدياد توجه النساء الفلسطينيات واهتمامهن بالرياضة مؤخرًا، وعزاه إلى زيادة الوعي بالمفاهيم الرياضية وأثر ممارستها على الصحة النفسية والجسدية للمرأة.
ووفق دراسةٍ أعدها الناطور، حول "دور الوسائل الاتصالية في توجيه الجمهور نحو الرياضة عام 2019"، تبين ازدياد في إقبال السيدات على ممارسة رياضة المشي بأعدادٍ كبيرة على شاطئ بحر غزة و"الكورنيش" تحديدًا بمعدل 200-300 سيدة يوميًا، وذلك في الفترة من بين عام 2015 إلى 2022.
كما أظهرت الدراسة دور وسائل التواصل الاجتماعي الكبير في ازدياد توجه النساء للرياضة بهذه الطريقة الملموسة.
وقال الناطور، إنّ الفترة الأخيرة في قطاع غزة شهدت إقبال النساء على الصالات الرياضية التي بلغ عددها في محافظات الشمال 24 صالة يتردد عليها 1440 امرأة، أما في الوسطى بلغ العدد 6 صالات يرتادها 210 امرأة، وفي خانيونس كذلك، أما في رفح 5 صالات تقبل عليها 175 امرأة، وفي غزة الإقبال الأعلى إذ بلغ عدد الصالات 49 ترتادها 2315 سيدة.
تُقبِل النساء على هذه الصالات الرياضية لأهدافٍ مختلفة، وفق الناطور الذي قال لـ "آخر قصة" "بعض النساء تذهب بغرض التفريغ النفسي والهروب من ضغوطات الحياة، ومنهن مَن ترى في الرياضة أسلوب حياة لا تستغني عنه".
وأردف نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للثقافة الرياضية، "هناك فئة تحمل مفهوم خاطئ حول الرياضة كاعتبار أنّها وسيلة سحرية لإنقاص الوزن في أيام معدودة، لكن في الواقع تحتاج الرياضة وقتًا طويلاً لتُساعد الشخص على التخلص من السمنة".
وأثبتت الدراسة وفقاً لنتائج أطلعنا عليها الناطور، أنَّ النساء كُنَّ الأكثر استجابة في ممارسة الرياضة بالأماكن المفتوحة، لافتاً إلى أنَّ النساء في قطاع غزة تملن إلى ممارسة الرياضة غير المُكلِفة، والتي قد لا ترتبط بوقتٍ محدد كرياضة المشي وخاصة العاملات منهن.
قد تتنوع رغبات النساء وظروفهن وأهدافهن من ممارسة الرياضة لكن الثابت هو قدرتهن على انتزاعِ حقوقهن ومساندة بعضهن بعضًا في مجتمعٍ تسوده ثقافة "العيب"، أما نهيل ونهلة عليان فتريانِ في الرياضة ما هو أكبر من تمارين روتينية بل برنامج نفسي وأسلوب حياة يخلق ثقافة جديدة لدى المرأة والمجتمع.