في نهاية كل عام، تزداد حملات عروض الأسعار في المتاجر والمحلات على اختلافها، ويلفت الأنظار تزاحم المستهلكون على أبوابها في ظلِّ نسب خصومات تصل إلى 50% أو أكثر في بعض الأحيان، ولكَ أن تتخيل عزيزي القارئ حجم الإقبال في قطاع غزة الذي يُعاني أوضاعا اقتصادية سيئة وارتفاع معدل الفقر الذي يصل إلى 53%، على البضائع التي تشهد خصومات على الأسعار.
وفي ظلّ عروض الأسعار الهائلة تبقى التخوفات حاضرة من عدم التزام التجار بتواريخ انتهاء صلاحية المنتج تحديدًا المواد الغذائية، خاصّة أنّه يُمكِن لمتتبع حركة الضبط والاتلاف في صفحة الفيسبوك الخاصة بوحدة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني أن يلحظ وجود عمليات إتلاف يومية لمواد غذائية، كتسجيل 111 محضر ضبط مواد خلال شهر نوفمبر المنصرم لمواد منتهية الصلاحية و109 محضر إتلاف لمنتجات غذائية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي.
ويحظر قانون حماية المستهلك الفلسطيني تداول السلع الفاسدة، في قرار بقانون رقم (27) لسنة 2018م بتعديل قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005م، الذي نصّ على أنّه يُعاقَب كل مَن عرض أو باع أو تداول أو خزّن سلع غذائية فاسدة أو تالفة أو مغشوشة أو منتهية الصلاحية، أو تلاعب بتاريخ صلاحيتها، بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار أردني، ولا تزيد على 15 ألف دينار أردني، أو ما يُعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإتلاف السلع الغذائية المضبوطة.
وتعرض الطفل أمجد خليل (14 عاماً) إلى تسممٍ غذائي نتيجة تناوله نوع من الشوكلاته التي تبين فيما بعد أنها منتهية الصلاحية، حسبما قالت الأم.
وأعربت والدة الطفل عن استيائها من وجود منتجات منتهية الصلاحية تؤثر على صحة المستهلكين، رغم أنها قالت إن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض أحد أطفالها لهذا النوع من الأطعمة منتهية الصلاحية، مطالبةً بضرورة تشديد الرقابة على عروض التجار على المنتجات تحسباً لوجود منتجات شارفت صلاحيتها على الانتهاء.
وللمواد المنتهية الصلاحية أثر كبير في تدمير المنتج نفسه من ناحية التغذية، حسبما أفادت مختصة التغذية ياسمين أبو خاطرو، وذلك مثل تغير في حالة البروتين ونسبة الفيتامينات و حدوث تزنخ في الدهون الموجودة في المنتج، أما من الناحية الصحيّة فهي تُؤثر على المستهلك مباشرة فتُؤدي إلى تسمم غذائي نتيجة فقدان صلاحية المنتج.
ومن المواد التي يُمنع تناولها بعد انتهاء صلاحيتها، وفق أبو خاطرو، اللحوم الحمراء والبيضاء بسبب احتوائها على عدد كبير من البكتيريا خاصة إذا خُزِنت بطريقة خاطئة، حيث لا تزيد مدة صلاحيتها عن 6 أشهر فقط، كما أنَّ صلاحية اللحوم المُصنعة مثل "اللانشون" و"البسطرمة" قليله جدًا وهي مُعرضة للفساد بمجرد تعرضها للهواء بسبب تجمع البكتيريا الضارة عليه.
وفي الوقت الذي يتخوف فيه بعض المواطنين من تواريخ انتهاء الصلاحية فإنَّ آخرون قد يرون في هذه العروض ما هو وهمي، على اعتبار أنَّ التجار يرفعون الأسعار الأصلية ويقدمون أسعار عروض تتضمن نسبة عالية من الربح، لكن الباحث الاقتصادي محمد نصار، يُشير إلى أنّ هناك أوجه عدة للعروض التي يزدحم بها السوق ومنها ما قد لا يكون وهميًا تمامًا.
تتلخص هذه الأوجه، وفق نصار، بأنَّ التاجر يكون قد استوفى ربحه منها أو حصلَ على كميات كبيرة من البضائع التي يحتاج لتصريفها، أو الخيار الأخير وهو ضعف حركة السوق وحاجة التجار لسيولة مالية لسدّ الالتزامات الواقعة عليهم، فمن الممكن أن يكون التجار باعوا بخسارة لتجميد رأس المال في ظلّ الظروف الاقتصادية التي يمر بها القطاع عامةً.
وحول دور وزارة الاقتصاد الوطني في قطاع غزة إزاء الرقابة على منتجات هذه العروض، فإنّ مدير عام التخطيط والدراسات في الوزارة أسامة نوفل، قال: "نتعامل وفق قانون حماية المستهلك الفلسطيني، وبالتالي نتأكد من تاريخ انتهاء صلاحية المنتجات الغذائية قبل دخولها لقطاع غزة؛ إذ يجب أن يبقى على الأقل ثلثي مدة الانتهاء ليُسمح بدخولها، وكذلك المنتجات المحلية حيث لا يُسمح بتداولها بعد مرور أقل من سنة على تاريخ صلاحيتها".
وبناءً على ذلك، تُراقب الوزارة أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية دوريًا، وذلك خلال العروض التي تُعلن عنها المحال التجارية أيضًا، تلك التي يلجأ إليها التجار في نهاية العام، وبحسبِ نوفل، فإنّ التجار يعلنون عن العروض عند قرب انتهاء مدة صلاحية المواد الغذائية تحديدًا، في محاولة لتصريف البضائع قبل فسادها.
كما تلتزم الوزارة بتواريخ الانتهاء المُوضحة على المنتجات في أوقات التفتيش، وفق ما أفاد نوفل، قائلًا: "إنَّ كل مَن لا يلتزم بالتواريخ المكتوبة يضبط لبضائعه محضر ومن ثم تتلفها الوزارة أو يتلفها التاجر نفسه؛ ليحمي نفسه من المسائلة القانونية".
وفيما يتعلق بالعروض الوهمية والحقيقية وكيفية التفريق بينهما، أشار نوفل إلى أنَّ العروض الصحيحة هي التي تُحرِك عجلة السوق فيستطيع التاجر تصريف بضائعه حتى لو كان بدون ربح يُذكر خاصة في نهاية العام؛ بغية تسديد الشيكات بعد تراكم الديون والتحصيلات وقرب انتهاء صلاحية المنتجات.
وتسمح العروض الحقيقية للمستهلك بشراء سلع لم يكن بمقدوره ابتياعها من قبل نظرًا لغلاء ثمنها، لكن وزارة الاقتصاد لا تتدخل في أسعار الملابس والعروض عليها ولا تساهم في توضيح العرض الحقيقي من الوهمي للمستهلك فتترك الأمر لِحسه وتمييزه، وهو ما قد يفتح بابًا للتلاعب بالأسعار في بعض الأوقات عند التجار.