طلبة المنحة الأزهرية يفقدون منحتهم في مصر

بعد انتظار عام كامل

طلبة المنحة الأزهرية يفقدون منحتهم في مصر

وقفت الطالبة تحرير عزام أمام موظف القبول والتسجيل في جامعة الأزهر بمصر، بعد رحلة سفرٍ برية قضتها ليومٍ كامل من غزة عبر معبر رفح البري إلى القاهرة؛ لإتمام إجراءات التسجيل في منحة دراسة الطب؛ فاصطدمت بقوله لها: "نعتذر لا توجد لديك أي منحة!". 

تحرير هي واحدة من طلبة المعاهد الأزهرية بقطاع غزة، التي تتضمن 6 صفوف دراسية تبدأ من الأول الإعدادي وتنتهي في الثالث الثانوي، فيما تُقدم هذه المعاهد للمتفوقين مائة منحة سنوية للدراسة في جامعة الأزهر بمصر، من بينها كليات علمية كالطب البشري، وطب الأسنان، والصيدلة.

وجرت العادة في نيل الطلبة لهذه المنحة الدراسية بالانتظار لمدة عامٍ كامل، من صدور شهادة الثانوية العامة، وذلك لإجراء الفحوصات الأمنية المطلوبة، والتنسيق لاستيعاب الطلبة؛ مما يعني أنّهم يخسرون عام دراسي كامل قبل مُباشرة الدراسة في مصر.

غير أنّ، تحرير وزملائها وزميلاتها بعدما فقدوا عامًا في الانتظار، ذُهلوا من ذهاب المنحة سدى أيضًا وذلك بعد وصولهم للقاهرة، فاضطررن لاستئجار إحدى الشقق السكنية والانتظار لشهرٍ كامل على أمل أن تُثمر جهودهم في التواصل مع المسؤولين بما ينقذهم مما أصابهم، تقول لـ "آخر قصة"، "ذهبنا إلى إدارة المعهد، والجامعة، والسفارة الفلسطينية في مصر، لكنّ لم تأبه لنا أي جهة".

وكانت الإجابة التي تلقوها من كافة الجهات واحدة وواضحة، ومفادها أنّ "التسجيل ينتهي في 15 سبتمبر 2022، وكل من تخلَّف عن الموعد سقط عنه حق الدراسة في كليات الطب "كليات القمة"، وذهب المقعد لغيره".

تُشاركها زميلتها سارة "اسم مستعار" العالقة في الوضع نفسه: "منذ صدور نتائجنا كان المعهد هو مصدر المعلومات الوحيد المُوجَه لنا كعادة السنوات السابقة، ولم يُخبرنا عن انتهاء التسجيل في 15 سبتمبر، أو ضرورة تواجدنا في جمهورية مصر العربية في مثلِ هذا التوقيت لتثبيت التسجيل".

ومما أثار استغراب الطالبات أيّضًا، أنهن ذهبن لإدارة المعهد للاستفسار أكثر من مرة حول السفر والمنحة الدراسية، لكن سارة تقول إنّ ردهم الدائم كان "يمنع سفر أي طالب قبل صدور أوامر المعهد الأزهري، ومن يسافر يتحمل مسؤولية نفسه"، وخلال عامٍ كامل لم يُخبر المعهد الطلبة بتجهيز أيّة أوراق ذات صلة بالمنحة.

لكن في منتصف سبتمبر وصلت رسالة عبر الهاتف للطلبة تفيد بأنّه حان وقت السفر وعليهم قبل ذلك توثيق شهادة الميلاد وشهادة الثانوية العامة الأزهرية؛ الأمر الذي استغرق نحو أسبوعين لإصدارهما، تُعقّب سارة، "هل يُعقل أن ننتظر سنة كاملة ثم يُطلب منّا مثل هذه الأوراق في الوقت الضائع، وعندما نذهب نكتشف أنه لا جدوى لهذه الأوراق البتة؟!". 

في الواقع ما حدث هو أنَّ هذه المنحة ذهبت لطلبةٍ آخرين، نالوا معدل دراسي أعلى من هؤلاء، لكنهم وصلوا قبلهم، كما انتظموا في الدراسة ومنهم طلاب مدارس حكومية وليست معاهد أزهرية، وآخرون من خريجي الثانوية الأزهرية للعام نفسه، أي الدفعة التي تليهم، وفق عميد المعاهد الأزهرية بغزة علي النجار.

وقال النجار في لقاءٍ مع "آخر قصة"، "لدينا مئة منحة دراسية لكن عدد الطلبة الأزهريين المسجلين بلغ 68 طالبًا فقط، أيّ أنّه تبقى 32 مقعدًا شاغرًا ذهبت لطلبة من الثانوية العامة الحكومية، وقد تولت السلطة الوطنية بالضفة الغربية مهمة اختيار هؤلاء الطلبة".

وعن وصولهم لمقاعد الطب، أوضح النجار أنّ: "إدارة جامعة الأزهر لهذا العام خفضت مفتاح القبول في كلية الطب إلى 75%؛ الأمر الذي دفع الطلبة المسجلين بكليات (اللغات والترجمة، والصيدلة وغيرها) إلى تسجيل الطب وشغل المقاعد الدراسية. بينما لو بقي المعدل ثابتًا، لوجد الطلبة المتأخرين فرصتهم محفوظة رغم وصولهم بعد الموعد".

أما عن سبب تأخر أولئك الطلبة في الوصول لمصر، أفاد النجار بأنّه قدم كافة المعلومات فيما يتعلق بالسفر والمنحة والإقامة في مصر في الوقت المحدد، وذلك وفق ما ورده من تعليمات السفارة الفلسطينية هناك، كما عُمِمت على جميع الطلاب دون التقيد بتاريخ معين، وقد سافر الأغلبية، مبينًا أنَّ ما سبّبَ الإشكالية هو موضوع "الشهادات المُصدّقة.

وقد أعاد ذلك إلى اختلاف الإدارات من رئاسة الجامعة ورئاسة الوافدين لهذا العام، هو ما أدى إلى الالتباس الحاصل في تأخير الطلبة إلى حين توفير الوثائق المطلوبة، وفق قوله.

وحول هذه المشكلة القائمة أصدرت السفارة الفلسطينية في جمهورية مصر العربية، بيانًا توضيحيًا، مفاده أنّ ما لا يقل عن 48 مقعدًا قُبِلوا لمنح الطب للطلبة الفلسطينيين من أصل 102 طالبًا مستفيدًا من المنحة الأزهرية.

وأشار البيان إلى أنّه بعد انتهاء فترة السماح بالتسجيل تسلّمت السفارة التماسات من 20 طالبًا تخلّفوا عن موعد التسجيل في 15/ سبتمبر، فيما لم تتوانى هي عن بذلِ محاولاتها من أجلِ الالتماس والطلب من جامعة الأزهر لقبول طلباتهم استثنائيًا في حال لم يخِلّ الأمر بالمقاعد المُتبقية للمنح.

بدورها، أشادت جامعة الأزهر بكافة الجهود الحثيثة المبذولة إلى خدمة الطلبة لقبول طلبات التقديم الخاصة بهم لدى الجامعة، وإعادة فتح التنسيق للطلبة المتأخرين، ولكن دون الالتحاق بالكليات الكبرى "الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة".

وبحسبِ البيان، فإنّه بالرغم من ذلك استمرت السفارة بالتواصل مع الأزهر الشريف لقبول الطلبة المتخلّفين عن التسجيل وفق رغباتهم لدى الكلية التي يرغبون بها، وكان الردّ حينها أنّ الكليات الكبرى كانت قد استنفذت مقاعدها الدراسية وليس هناك متسع لمزيد من الطلبات.

وفيما يتعلق برغبات الطلبة في الكليات الدراسية، أشارت السفارة إلى أنّ خمسة طلبة فقط منهم أصرّوا على كلية الطب، رغم ما يعرفونه من جهود كبيرة في محاولةِ تحقيق رغباتهم التي لم تُكلل بالنجاح؛ نتيجةً لنفاذ المقاعد الدراسية وفق الوقت الذي أُعلن عنه عبر بوابة الجامعة في وقتها.

بقيت المشكلة متعلقة بخمسة طلبة إذن، أولئك الذين أكّدت السفارة الفلسطينية وعمارة المعاهد الأزهرية تواصلهم مع قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش بعد مناشدة الطلبة إياه، ومحاولاتهم الحثيثة للوصول معه إلى حلٍ يُنصف الطلبة مع عمادة الأزهر في مصر، لكن الانتظار للعامِ القادم كان الحلّ الوحيد لدى الجامعة التي امتلأت مقاعدها الدراسية.

وما بين عامٍ وعام، ما زال الطلبة الأزهريين في مصر، يخشون العودة إلى قطاع غزة بخفيّ حنين، أو البقاء في مصر وسطَ عدم وجود وعود موثقة بحفظ حقوقهم في المنحة لدراسة الطب، وتحقيق حلمهم باحتضانِ ثمرة اجتهادهم طيلة سنوات الدراسة.