يَلحَظ المُستمع لأيّ إذاعة محليّة من قطاعِ غزة مُناشدات يوميّة لأسرٍ فقيرة تفتقر لمسكن مُلائم، ومن وقتٍ لآخر تظهر أسرة تقطن في خيمةٍ ما في أحد الأماكن العامة داخل مدينة غزة، كساحةِ السرايا أو متنزه مفترق الأزهر أو غيرها؛ ويرتبط الأمر، وفق مختصون، بالعديد من المُسببات كالكثافة السكانية العالية ومعدل الفقر والبطالة الكبيرين بجانب الكوارث السياسية والمناخية التي تُصيب البلاد من حينٍ لآخر.
ويصل معدل الكثافة السكانية في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كم²، إلى 5,453 فرداً /كم² بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الذي صنفها بالمرتفعة في فلسطين عامةً وفي قطاع غزة خاصّة، ووفق ذلك تُعاني الكثير من الأسر من ضيق مساحة منازلها أو التكدس كعائلات ممتدة داخل شقة صغيرة.
يقطن محمد سليم (33 عامًا) في شقة مساحتها لا تتجاوز (60 م²)، داخل مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تفتقر شقته لكل مقومات البيت الصحي، فلا تدخله أشعة الشمس ولا يتمتع بتهوية طبيعية، بينما يسكنه ثمانية أفراد، ما بين أطفاله ووالديه واخوته، يقول: "أهرب من ضيق البيت واكتظاظ الأهل فيه، فأقضي معظم الوقت خارجه ولا أعود إلا متأخرًا".
لم يكمل سليم تعليمه الجامعي نظرًا لظروف العائلة الاقتصادية المزرية، وعلى إثرِ ذلك لم يحظى بعملٍ ثابت فلا حرفة تُسقيه الشهد في يده ولا وظيفة دائمة، يشير في حديثه لـ "آخر قصّة" إلى ذلك "أعمل في الزراعة خلال مواسم قطاف الحمضيات أحيانًا، وأحيان أخرى تجدني عاملًا في المحال التجارية أو البَسطات الصغيرة في السوق أساعد التجار والتقط رزقي".
تتعدد هذه الأسر التي أصبحت أشبه بحالة عامة سائدة في القطاع، نتيجة ارتفاع معدل الفقر بين السكان وقد بلغت نسبته 53%، فهذه السيدة سارة أبو حسين (54 عام) التي استأجر لها "أهل الخير" شقة سكنية داخل أحد أبراج حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، بعد إصابة زوجها بمرض السرطان وتعطله عن العمل؛ الأمر الذي تسبب بعدم مقدرته على إيفاء إيجار شقتهم القديمة.
بعدما أقعد زوج أبو حسين المرض، تعرضت الأسرة المكونة من الأبوين وخمسة أبناء للطرد عدّة مرات من الشقق السكنية التي يستأجرونها لعدم قدرتهم على تسديد الإيجار، أما اليوم وقد شارف عقد إيجار شقتهم الحالية على الانتهاء بعدما تكفل في تسديدها المتبرعين لا تعرف السيدة أين ستكون وجهتهم القادمة في ظلّ ما يُعانونه من ظروف اقتصادية واجتماعية.
وبجانبِ هذه الحالات، فإنَّ العديد من المواطنين فقدوا منازلهم نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية على قطاع غزة خلال الأعوام المنصرمة الماضية لاسيما عام 2014 مرورًا بعام 2021، والذين تتكفل جهات دولية كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" بإعمار بيوتهم، لكن ما زال الكثير منهم حتى اليوم لم يحصل على فرصته في الإعمار، ووفقًا لإحصاءات الأونروا فإنّ عدد متضرري عدوان عام 2014، هو 55 ألف متضرر ما زالوا لم يتلقوا اعمارًا حتى اللحظة.
غير أن، منسق اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة محمود خلف، قال في تصريحات صحفية سابقة على إثر احتجاج آلاف المواطنين على عدم تلقيهم فرصًا لإعمار منازلهم المهدمة، إنّ إدارة الأونروا ترفض صرف مستحقاتهم لإعادة الإعمار تحت حجج ومبررات وادعاءات أمنية.
ورغم أن القانون الفلسطيني الأساسي المُعدل يكفل للمواطنين في المادة (23) "المسكن الملائم باعتباره حق لكل مواطن، وتسعى السلطة الوطنية لتأمين المسكن لمن لا مأوى له"؛ إلا أنَّ هذا القانون يفتقد لآليات تطبيق دقيقة في قطاعِ غزة، بحسبِ ما أفاد به المحامي مصطفى إبراهيم، الذي أكّد على أن الكثير من العائلات تعاني من عدم توفر مسكن مستقل بها.
وحول دور وزارة الأشغال العامة والإسكان ومساهمتها في الحدّ من هذه المشكلة، قال مدير عام الإعمار في الوزارة محمد عبود إنَّ طلبات الوحدات السكنيّة المُقدمة إليهم تجاوزت الـ 100 ألف طلب خلال السنوات الأخيرة ما بين توفير شقق سكنية أو ترميم شقق أخرى، وتنوعت أماكن وصولها من عدة محافظات داخل قطاع غزة.
وقال في مقابلة مع آخر قصّة: "توفر الوزارة هذه المساكن من خلال استجلاب مشاريع ممولة من الخارج والتي غالبًا ما تكون ذات تمويل محدود إلى حدٍ ما، فتضطر الوزارة إلى فرض مقابل مالي أمام توفير هذه الوحدات للسكان".
وتجري العملية عن طريق تواصل الوزارة مع شركات عقارات من القطاع الخاص لتسهيل عملهم وتزويدهم بأسماء وبيانات الأشخاص المحتاجة وذلك وفق درجة الاحتياج، بحسبِ عبود الذي أوضح أنَّهم يتواصلون مع جهات دولية مانحة للمساهمة بتوفير هذه الوحدات بحيث يوجد لديهم 1300 وحدة مستعجلة حاليًا.
وأشار إلى تعاون وزارته مع وزارة التنمية الاجتماعية التي تزودهم بحالات الأسر الفقيرة والتي تعاني من احتياجات خاصّة، وفي هذا الإطار قال مدير الدراسات والأبحاث في وزارة التنمية محمد نصار، إنّهم يستهدفون الأسر من الطبقات الهشة في المجتمع كالفقراء أو التي ترأسها نساء وذلك في الدرجة الأولى.
وكانت الوزارة قد فتحت باب التسجيل لمساكن جديدة في شهري أبريل ومايو من العام الحالي 2022، وسجل أكثر من 14319 محتاج لمسكن وهم على قائمة الانتظار، بينما تحاول الوزارة التواصل مع مؤسسات دولية ومحلية للتسريع في العمل على توفير مساكن لهم، وفق نصار.
وإلى أنَّ يتحقق ذلك وبشروط وزارة الاقتصاد التي تفرض مقابل مالي أمام توفير الوحدات السكنية في مخالفة للنص القانوني السابق ذكره، والذي قد يستطيع الأفراد تسديده وقد لا يتمكنون من ذلك، تبقى أوضاع السكان على حالها وفي تفاقمٍ مستمر.