تَوالت المراتِ التي طَرقت فيها رغدة _اسم مستعار_ (23 عامًا)، باب بيتِ أبيها ليلاً "غاضبة"، على إثرِ خلافاتٍ لا تنتهي بينها وبين زوجها الذي طالما مدّ يده عليها ضاربًا، وهي التي لم تهنأ ليلةً في بيتها منذ أصبحت زوجته قسرًا بفعلِ "زواج بدل" بين العائلتين.
ويُعرّف زواج البدل في عُرف المجتمع الفلسطينيّ بأن يتزوج شاب من فتاةٍ ما مُقابل أن يتزوج أخيها من أختِ زوجها، بلا مهرٍ لكلا الفتاتين فتُصبح كلاهما مُقابلا أو بدلاً عن الأخرى، وهي ظاهرة مجتمعية لا أصلّ لها ولا تشريع دينيّ أو قانونيّ، وفق مختصون، بينما تلجأ إليها بعض العائلات التي تُعاني ظروفًا اقتصاديّة سيئة هربًا من دفع المهر.
وأمام الباب كثيرًا ما تلقت رغدة ردّ أبيها "ارجعي ما تخربي بيت أخوك"، كأنّ مصير الأسرتين أو الثنائيين قد ارتبط معًا منذ عقدا قرآنهما بتلك الطريقة، تسترجع وتقول لـ "آخر قصة": "ذات يوم فاجئني والدي أنه توافق مع أخيه لتزويجي من ابنه مقابل زواج أخي من ابنة عمي، وأن يوم الزفاف بات قريبًا".
تردف والدموع تُغالبها: "حينها فكرت في الهرب من البيت أو الذهاب للموت، لم يكن ابن عمي ذلك الرجل الذي تمنيته يومًا ولم أتخيل نفسي للحظة سأتزوج بهذه الطريقة المُهينة كأنني قطعة ملابس يتبادلها طرفان".
ويتنافى تزويج الفتاة وفقًا لهذه الأساليب مع ما يُقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بالقرار 843 (د-9) المؤرَخ في 17 ديسمبر 1954، أنَّ بعض الأعراف، والقوانين والعادات القديمة المُتصلة بالزواج والأسرة تتنافى مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بحسبِ حقوقيون، يعود ذلك إلى أنّ الكثير من هذه العادات هي غير مُنصفة للأطراف ذات العلاقة، فقد كان حدس رغدة في محلّه، وفق قولها، ولم يَصُن زوجها "العيش والملح" ولا حقّ القرابة أو النسب بينهما، فلم تكن آثار ضربه لها تهدأ حتى تحل محلها آثار أخرى أكثر بشاعة حتى لم يعد في جسدها الضعيف موطئ ساكنٌ من الألم.
استمرت الأمور على هذا النحو لعامين تقريبًا إلى أن أدّت للطلاق الذي نتجَ عنه مباشرة طلاق أخيها لابنةِ عمها، تقول: "منذ ذلك اليوم وعائلتي تُلقي عليّ اللوم في فشل زواج أخي وتعاملني بقسوة حتى أصبحت فكرة الهروب إلى الموت لا تُغادرني".
تُظهِر الإحصاءات ارتفاعًا في حالات الطلاق بقطاعِ غزة، وصل إلى 4319 حالة خلال العام الماضي 2021، وفق رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي بغزة حسن الجوجو، لكنَ الأسباب تتعدد وتختلف بطبيعة الحال والتي قد يكون "زواج البدل" أحدها.
لكن الأكثر قهرًا ربما من الطلاق، هو استمرار الزواج بطريقة تُهان فيه المرأة ويبقى استمرار حياتها الزوجية مرهونًا بحياةٍ أخرى، وهو ما يحدث تمامًا مع آية (26 عامًا) تقول لـ "آخر قصة": "تزوجت بدلًا، ومنذ بداية زواجي وفي كل مرة تعود أخت زوجي لبيت أهلها غاضبة، يطردني زوجي لبيت أهلي".
وكانت آية قد تزوجت وهي ابنة 16 عامًا من أحدِ أقاربها بدون مهر مُقابل أن يتزوج أخيها شقيقة زوجها، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي السيء لعائلتها؛ وهو وضع سائد في قطاع غزة الذي تصل نسبة الفقر فيه إلى (53%)، بحسبِ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وكانت عائلة آية رأت أن أخيها البالغ 28 عامًا حينها قد تأخر عن سنّ الزواج دونما يمتلك المقومات اللازمة؛ ما اضطرهم إلى قرار تزويجها بهذه الطريقة.
تقول أنّ القرار كان مجحفًا في حقها منذ بدايته وإلى اليوم، تردف: "أشعر وكأنني عبء على العائلة"، فيما هي رغم كل ذلك لم تزل تُحاول المحافظة على أسرتها الصغيرة التي تُحيطها هالة من تهديد استقرار هذه العلاقة المُتأرجحة وسط خوفها الشديد أن تُحرَم من أطفالها.
وتحت وطأة زواج البدل، ما زالت تعيش آية ظروفًا نفسيّة مرهقة، رغم أن هذا النوع من الزواج مرفوض رفضًا تامًا في القانون الدولي والشرع الإسلامي، وفق ما أشار إليه المحامي الشرعي أحمد الجبالي، الذي أفاد أنّ زواج البدل يصنف في الدين الإسلامي تحت مسمى "زواج الشغار" الذي يقوم على مصلحة ضيقة أو جانب اقتصادي ما.
وأضاف الجبالي في حديثه لـ "آخر قصة": "في هذا الزواج يتخلص ولي الأمر من عبء دفع المهر، وعندما يأتي الطرفان للزواج في المحكمة لا يُفصح أحدهما عن الأمر وغالبًا ما يكون المهر في عقد الزواج دنانير معدودة؛ لذلك لا توجد إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع، وعند حدوث نزاع بين الطرفين تخسر المرأة كل حقوقها ولا يستطيع القانون مساندتها".
ولأن القضية ليست جائزة قانونًا ولا شرعًا فهي مجتمعية بحتة، وأصلها هو عرفٌ سائد بين بعض العائلات، كان لابد من إفادة الوجهاء والمخاتير في الأمر، وبدورها قالت المختارة فاتن حرب، "إنّ زواج البدل هو بداية لتفكك النسيج المجتمعي نتيجةً لما تحدث فيه من مشاكل قد تؤدي إلى خراب الكثير من البيوت".
مؤخرًا بدأت تلحظ حرب أنّ حالات التعامل في هذا النوع من الزواج قلّت عن قبل إلى حدٍ ما، وأصبحت تظهر حالات يرفض فيها بعض الأزواج تطليق زوجته نتيجة طلاق أخته من أخِ زوجته، وفق قولها، وذلك بغرض المحافظة على زواجه وعدم المعاملة بالمِثل رغم الشرخ النفسي الذي أصاب العائلتين.
ومع ذلك، تقول المختصة النفسية فلسطين ياسين إنّ المجتمع ما زال يحتاج إلى الكثير من حملات التوعيّة بخطورة هذا النوع من الزواج وضرورة عدم استسلامهم للواقع الاقتصادي السيء في قطاع غزة، لما له من آثار تتسبب بمشاكل أسرية كبيرة على حياة العائلتين والأطفال وعلى الجانب النفسي للمرأة نتيجة الانتهاك الواضح لحقوقها.
وبيّنت ياسين أنّ الزواج هو مؤسسة اجتماعية قائمة على التوافق والتراضي بين الطرفين، ويهدف إلى الاستقرار والسكينة وبناء أسرة، على عكس زواج البدل الذي يُقلل من كرامة المرأة ويترتب عليه مشاكل نفسية عميقة تؤثر على الحياة الزوجية والنسيج المجتمعي عامةً.
ولأجلِ بناء أسرة متكاملة مبنية على الاحترام والتفاهم والتوافق، وإنجاب أطفال أصحاء نفسيًّا، بحسبِ ياسين، يفترض أن يحدث الزواج بالتوافق بين الزوجين وبرغبةٍ تامة منهما على إتمامه دون إهانة أو إجبار لطرف على حسابِ آخر، أو التعامل مع المرأة كضلعٍ أعوج لا يُعتد برأيه أو يُكترث لرغباته ومتطلباته.