ذوو الإعاقة السمعية والبصرية يشتكون افتقاد الجامعات  لآليات الدمج

ذوو الإعاقة السمعية والبصرية يشتكون افتقاد الجامعات لآليات الدمج

يكبُر حلم المرء معه كنبتةٍ منذ الصِغر، يرى نفسه في مهنةٍ يُحبها وتُغذي مهاراته، لكن هذا الحلم لا يَعدو كونه "شبه مستحيل" لبعض الفئات من ذوي الإعاقة في قطاع غزة وسط ما يُعانوه من شُحٍ حادّ في دمجهم داخل مؤسسات التعليم العالي على اختلاف وتنوع آليات الدمج اللازمة. 

تتنقل ياسمين النقلة (19 عامًا) من جامعةٍ إلى أخرى في قطاع غزة، وما بين ردٍ قاسٍ وآخر خجِل على إثرِ إعاقتها السمعيّة وصعوبة استقبالها على مقاعدِ الدراسة تتكسر أحلامها بالتسجيل في تخصص "تصميم مواقع ويب" بعد حصولها على معدل 89% في الثانوية العامة.

تقول ياسمين ووالدتها التي ساعدتها في الكلام أثناء حديثها مع "آخرِ قصّة"، "أتمنى إكمال تعليمي الجامعي وقد بحثت في كافة الجامعات عن دراسة التخصص الذي أتمناه ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل حيث تفتقد هذه المؤسسات التعليمية إلى مترجمين لغة إشارة".

وتُشكّل نسبة الأشخاص الذين يُعانون الإعاقة السمعية (13%) من ذوي الإعاقة في قطاعِ غزة الذين يبلغ عددهم (55022) شخصًا أي ما نسبته نحو (2.5%) من إجمالي سكان القطاع، حسب إحصائية أعدّها الباحث مصطفى عابد، مدير برنامج التأهيل المجتمعي بجمعية الاغاثة الطبية الفلسطينية في ورقته البحثية بعنوان "واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في محافظات غزة".

يتشارك سميح الأشقر (26 عامًا) مع النقلة ذات المصير من ناحية تلقي تعليمٍ عالٍ في جامعاتِ القطاع، وهو يُعاني من إعاقة بصرية، يقول "لم أستطيع إكمال دراستي الجامعية في تخصص الهندسة بسبب عدم قبولي في معظم الجامعات لعدم توفر الأدوات المساعدة مثل آلة برايل، بالإضافة إلى افتقاد المقررات الدراسية من كتب وغيره إلى نسخ يُمكن استخدامها من قبل ذوي الإعاقة البصرية".

لم يتوقف الأشقر عند مفترق الطرق هذا، فقد تلقى العديد من الدورات التدريبية عبر الانترنت لتعلم اللغات مثل الإنجليزية والألمانية؛ لكنه ما زال لا يتمكن من الحصول على شهادةٍ جامعية هو وغيره من الذي يُعانون صعوبة في الإبصار ويبلغ عددهم (9704 شخصًا) فيما يُشكّلون نسبة 17.6% من إجمالي الإعاقات، وفق إحصائية عابد السابقة الذكر.

وعلى الرغم من إنصاف القانون الفلسطيني لذوي الإعاقة وفق المحامي حسام الوادية، الذي أوضح أنّ مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة لديها قصورًا كبيرًا في تطبيق القانون والمواءمة التعليمية من ناحية المرفقات والمقررات الدراسية لبعض الفئات من المعوقين، وذلك استنادًا للقانون الفلسطيني رقم (4) لسنة 1999 بشأنِ حقوق المعوقين الذي نصّ في الفصل الثالث منه المعنون بـ "مواءمة الأماكن العامة للمعوقين" في المادة (14) على أنّه "يتوجب على وزارتي التربية والتعليم تأمين بيئة تتناسب مع احتياجات المعوقين في المدارس والكليات والجامعات".

كما نصّ القانون نفسه في الفصل الثاني منه المعنون بـ "الحقوق الخاصة" في المادة (10) على "ضمان حق المعوقين في مجال التعليم في الحصول على فرصٍ متكافئة للالتحاق بالمرافق التربوية والتعليمية وفي الجامعات ضمن إطار المناهج المعمول بها في هذه المرافق، إضافة إلى توفير التشخيص التربوي اللازم لتحديد طبيعة الإعاقة وبيان درجتها، وأيّضًا توفير المناهج والوسائل التربوية والتعليمية والتسهيلات المناسبة، وضمان توفير التعليم بأنواعه ومستوياته المختلفة للمعوقين بحسب احتياجاتهم. وأخيرًا إعداد المؤهلين تربوياً لتعليم المعوقين كلٍ حسب إعاقته".

إلا أنَّ الوادية يُشير إلى عدم مُلائمة المناهج الدراسية في العديد من الجامعات لبعض فئات ذوي الإعاقة، سواء من طريقة شرح المواد التعليمية في غالبية التخصصات، رغم أنَّ المواد التعليمية من المفترض أن تكون مهيئة لكافة فئات المجتمع، وخاصّة ذوي الإعاقة باعتبارهم واحدة من أكثر فئات المجتمع تهميشًا.

يوافقه الرأي مدير برنامج التأهيل المجتمعي في جمعية الإغاثة الطبيّة الفلسطينية مصطفى عابد، الذي قال إنّ الجامعات الفلسطينية تفتقر للكثير من المقومات كالخدمات التعليمية والأكاديمية وقراءات الكتب ومواءمة الأجهزة المحوسبة التي تساعد المعوقين بصريًا وسمعيًا على التميز والتقدم في مسيرتها التعليمية، مبينًا أنَّ الجامعة الإسلامية توفر هذه المقومات للطلبة المكفوفين في عدة تخصصات عدا المجالات العلمية العملية.

وأكد عابد على أهمية عملية إدماج هذه الشريحة داخل مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني، خاصة وأنّه لا يتوفر برنامج بكالوريوس متاح أمام ذوي الإعاقة السمعية في الجامعات، مشيرًا إلى أنّ إدماج هذه الفئة في التعليم العالي يترتب عليه زيادة في الإنتاج والإبداع والفاعلية في بناءِ مستقبلٍ زاهر كغيرهم من الفئات المجتمعية الأخرى.

ويمتلك ذوي الإعاقة قدرة عالية على التعلم وكفاءة كبيرة في الحصول على درجات عالية في التعليم العالي، بحسبِ عابد، الذي أوضح أنَّ هناك منهم مَن غادر البلاد وأبرز قدراته العقليّة ومهاراته الفكرية في نيل مراكز مرموقة وتحقيق أحلام مبتورة داخل قطاع غزة.

إبان ما عدّه الوادية وعابد قصورًا لدى الجامعات الفلسطينية، قابلت "آخر قصة" المدير العام للتعليم الجامعي في وزارة التربية والتعليم خليل حماد، الذي عزا الأمر إلى نقصِ التمويل لدى جامعات قطاع غزة الذي يضطرها لعدم القيام بواجباتها تجاه ذوي الإعاقة، مشيرًا إلى وجود خطة لدى الوزارة حول دمج ذوي الإعاقة مع الطلاب الأصحاء في التعليم يُتوقع تنفيذها في المستقبلِ القريب.

وإلى أنَّ تصبح هذه الفئة وما تتطلبه من أدوات مساعدة في التعلم على قائمة أولويات الجامعات الفلسطينية، سيبقى مستقبلهم التعليمي مُعلقًا في انتظارِ تطبيقٍ أمثل لنصوص القانون الفلسطيني أو إجراءات أكثر تشددًا من الوزارات ذات الصلّة تجاه الجامعات لتقوم بدورها المنوط نحو ذوي الإعاقة كفئة مجتمعية لها ما لها من حقوق وعليها ما عليها من واجبات في المجتمع.