زوجات عاملات يُحرمن أجورهن بسبب تغول أزواجِهن

جهلاً بالقانون

زوجات عاملات يُحرمن أجورهن بسبب تغول أزواجِهن

يبتلعُ "العمل" أجمل سنواتِ العمر من المرأة العاملة، فيما تقضي كثيرٌ من النساء هذه الأعمار هباءً في مجتمعٍ يلتهمُ فيه الذكور أموالهن وأجورهن سواء كان ذلك طوعًا أو قسرًا، دون حفظٍ لحقوقهن أو كرامتهن في منافاةٍ تامة للشرعِ والقانون على حدٍ سواء.

"عند خروجك من البيت، سيبقى الطفل معي" كلمة ما زالت عالقة في ذهن سماهر (اسم مستعار) منذُ سنواتٍ عديدة، قالها زوجها بعدما أبرحها ضربًا وسُبابًا إثر رفضها إعطائه بطاقتها البنكية، فيما تعملُ هي في إحدى المؤسسات الدولية وزوجها في أحد المحال التجارية.

وكان يُفترض أن تَعيش سماهر (36 عام) حياة زوجية يَغمُرها الاستقرار، وهي كانت تَبدو كذلك "آمنة، هادئة، ومُفعمة بالمحبة" إلى أن أنجبت طفلها الأول، تقول: "مجرد أن تمكّن منّي ظهرَ على حقيقته، وما أن تزوجنا ترك عمله بحجة أن ربّ العمل لم يَعد بِحاجته".

وترتفع نسبة مُشاركة النساء في القوى العاملة بفلسطين عامًا بعد عام، وفق إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني، إذ بلغت في العام المنصرم 2021، ما نسبته 17% من مجمل النساء في سن العمل، فيما كانت النسبة 16% في عام 2020.

لكن الكثير منهم يتعرضن للعنف بسبب "أجورهن"، وربما لم تعد سماهر تتذكر كم مرة ضربها زوجها بسبب هذا الأمر، فقد مرَّ سنوات وأنجبت منه خمسة أطفال؛ بيد أنّها تصحو كل يوم على كابوس بسبب سطوته على راتبها كاملًا، وقد فكرت منذ المرة الأولى بتركه لكن تهديده لها بحرمانها من الأطفال كان المانع، وحتى اللحظة لا تجرؤ سماهر على اللجوء للقانون أو الحماية الأسرية خوفًا من ذلك.

لا يَقل ما تعيشه سماهر سوءًا عما أصاب وداد (اسم مستعار) وهي أيّضًا سيدة عاملة في أحد المؤسسات المحليّة، فيما زوجها يعمل في إحدى الدوائر الحكومية، تقول: "بعد زواجنا حدثت الكثير من المشاكل بيني وبين أهله، وبعد فترة اقترح عليّ حلًا ببناء بيت مُستقل عن أهله، وعلى إثر ذلك أجبرني على الاقتراض من أحد البنوك، وأن أتكفل بتسديد الأقساط الشهرية من راتبي".

لم يمر وقت طويل حتى طردها زوجها من البيت الجديد، فيما هو تزوج امرأة أخرى، واضطرت أسماء للقبول المُهيّن بالعودة للعيش في بيت أهله مع أطفالها الثلاثة، تقول: "مكثت قرابة التسعة شهور وأنا أدور بين الدوائر الحكومية والمؤسسات الحقوقية علّي أجد مَن يُعيد لي حقي وأستطيع السكن في بيتي الذي بُنيّ لغيري، لكن عبثًا لم أستطع".

ومثل وداد الكثير من النساء اللواتي يتوجهن للمراكز المعنيّة، حيث تقول المحامية في مركز شؤون المرأة بقطاع غزة سهير البابا: "تأتي إلينا الكثير من السيدات يتوجهن إلى وحدة الاستشارات القانونية بعد سلب زوجها لراتبها الشخصي أو سحب قرض من أحد البنوك على اسمها، ثم يتزوج عليها ويتركها تُسدِّد القرض والدين وحدها".

فيما لا تمتلك الكثير من النساء الجرأة بالدفاع عن حقوقهن خوفًا من خسران الأطفال، وفق قولها، فيما يسعى المركز إلى رفع سقف مستوى الوعي لدى النساء العاملات من خلال العديد من الورش التوعوية التي تشير إلى حقوقهن وطرق حفظها وحمايتها وعدم تقديم أنفسهم كلقمة سائغة إلى الأزواج وغيرهم، من خلال كتابة أوراق تُثبِت حقوقهن في حياة زوجية كريمة قبل عقدِ القرآن.

وربما يتبادر تساؤل إلى الذهن حول دور القانون الفلسطيني في حماية أجور النساء العاملات من السطوة الذكورية، وفي هذا الإطار، يقول مدير عام الشؤون القانونية في المجلس التشريعي أمجد الأغا، إنّه لا يوجد نص قانوني واضح يُشير إلى حفظ الاستقلال المالي للمرأة وحريتها في ملكيتها الخاصة.

وبيّن الأغا في سياق حديثه لـ "آخر قصة" أنّه في حالة اعتداء أي طرف على الحقوق المالية للطرف الآخر سواء سطو الزوج على راتب زوجته أو حقوقها المالية، فإن هذه المسألة تخضع لأحكام قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 وتعديلاته.

وجاء في المادة (269) من قانون العقوبات المختصة بجريمة السرقة من الأزواج حيث نصت على أنّه "إذا حمل شخص زوجاً أو زوجة أثناء حياتهما الزوجية على التصرف بشيء مع علمه بأنَّ ذلك الشيء يخص الزوج الآخر، على صورة تجعل هذا التصرف من قبل الزوج أو الزوجة بمثابة السرقة لولا قيام الزوجية بينهما، فيعتبر ذلك الشخص أنه سرق ذلك الشيء ويجوز اتهامه بالسرقة".

ولأن المانع الأدبي لدى النساء قد يُعيق قيامهن بمثل هذه الإجراءات، فقد أوصى الآغا على تنظيم العلاقة المالية بين الأزواج قبل الزواج ولو استدعى الأمر تدوين ذلك كتابيًا كأن يضمن عقد الزواج بند بمساهمة الزوجة من أجرها لأسرتها، والحرص على عدم التوكيل الكامل في التصرف بالحقوق المالية، إضافة إلى ضرورة أن تتضمن أي معاملة توقيع كلا الطرفين لتجنب استئثار الزوج بالتصرف أو تبديد المال.

ينتج عن هذه المشكلة أثر أُسري واجتماعي كبير، فهي سبب رئيس في زيادة حالات الطلاق والتشتت الأسري، وفق ما أشارت إليه المختصة النفسية والاجتماعية نهى الشنطي، التي أفادت أنّ هذه القضية تتسبب أيّضًا بظهور مشاكل نفسية على الأطفال باعتبارهم الضحيّة الأولى بين الزوجين.

ووصفت الشنطي، خلال لقاءها "آخر قصة" سيطرة الزوج على راتب زوجته بالعنف المادي، وهو أحد الأسباب الأساسية في التفكك المجتمعي الذي يؤدي إلى زيادة عدد المشاكل النفسية لدى الأطراف ذات العلاقة والتي بدورها قد تتسبب في ارتفاع المشاكل الجنائية في المجتمع.

ومن الواضح أن الأطفال هم أذرع النساء الموجوعة التي يُمسكن منها، حيث تعيش الكثير من النساء في مجتمعنا ما بين قمع وتعنيف، يعتصرها الصَمت وتخشين الفُرقة وضياع الأبناء، وسط جهلها أو علمها بكيفية حفظها لحقوقها المالية وكرامتها في بيت الزوجية، فيما لا يكترث بعض الأزواج كثيرًا بهدمهم لمفهوم الأسرة الآمنة وانتهاكهم حقوق الزوجات عنوةً وما يترتب عليه من خرابٍ كبير.