تزايد المخاطر المحدقة بعمال مهنة إصلاح البطاريات

وسط غياب الرقابة وإجراءات السلامة  

تزايد المخاطر المحدقة بعمال مهنة إصلاح البطاريات

يعمل كثيرون في قطاع غزة في مهنة "صناعة البطاريات وإصلاحها" المعروفة بخطورتها، والتي ازدهرت إثرَ تفاقم أزمة انقطاع التيار الكهربائي في القطاع، وذلك في ظلًّ عدم استخدام وسائل الحماية المطلوبة واللازمة وتحت غياب إطار قانوني يحدّ من وجود هذه المهنة أو يمنع العمل فيها.

وقد أوّدَت هذه المهنة بحياة بعض العاملين فيها وأصابت العديد منهم بأمراضٍ متعددة، وفق ما قاله محمود سلامة (27 عام) وهو صاحب ورشة تصليح بطاريات في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

وأضاف سلامة في سياق حديثه لـ"آخر قصة"، "لقد خسرت أعزّ ما لدي في هذه الورشة، كان أخي يعمل معي وقد توفيّ نتيجة استنشاقه المُتكرر للمواد المُنبعثة من انصهار الرصاص وتسرّبه للدم". 

ويعمل سلامة في ورشته الخاصة بتصليح البطاريات المُتهالكة وإعادة تصنيعها، على جمعِ ألواح الرصاص القديمة والمُشبعة بحمض الكبريتيك تمهيدًا لإعادة صهرها وإصلاحها من جديد، وربما يُثير أمر مُواصلته لممارسة المهنة تساؤلًا عن السبب رغم المخاطر المحدقة بالعاملين في هذه المهنة، فأجاب: "كان حدث وفاة أخي مُريبًا وأغلقت حينها الورشة مباشرة وذهبت للعمل عاملًا في أحد محلات بيع الملابس".

وتابع قوله بحزن شديد: "أنا المعيل الوحيد لعائلتي المكونة من ثمانية أفراد، فلم يكن عملي في الملابس مُجديًّا لذلك اضطررت للعودة إلى الورشة التي نمتلكها فهي العمل الأساسي الذي أُتقنه، رغم الخوف والحذر خاصّة في ظِل عدم توفر أدوات حماية وسلامة خاصة بهذه المهنة في غزة".

تنتشر هذه الورش التي تَختص في مجالِ إعادة تدوير البطاريات في أربع مُحافظات من قطاع غزة بينما خلت محافظة رفح منها، وقد بلغَ عددهن 47 ورشة بحسب إحصائية سلطة جودة البيئة، فيما تشير التقديرات المحلية إلى أن نحو 200 شخص يعملون في هذه المهنة الخطرة.

وطبقاً لتقارير صحية محلية سابقة، فإن 23% من بين العاملين في هذا المجال يعانون من تسمم الرصاص، والذي أدى إلى إصابتهم بأمراض مزمنة، على رأسها تلف الجهاز العصبي، والفشل الكلوي، والعجز الذهني والاصابة بسرطان الدم. 

وتعد الطريقة التي يتبعها العاملون في مهنة تدوير البطاريات، بدائية وخطيرة، ويستدل على ذلك بقول محمد علون (49 عام) الذي ورِث العمل في هذه المهنة عن أبيه: "منذ الصباح نُشعل النار على الحطب ونقوم بوضع الرصاص في آنية مجوفة عليها حتى نتمكن من صهره".  

ويَبدو التعب والضّنك واضحًا على ملامح علون وهو يُشير خلال حديثه لـ"آخر قصة"، إلى ألواح الرصاص والقوالب الفارغة من الكبريتيك والمواد الكيميائية المُختلفة المتواجدة في البطاريات المُعطلة، قائلًا: "بدأت هذا العمل وأنا في عمر السبعة عشر عامًا، كنت في البداية أساعد أبي وأقوم بتجزئة البطارية لأجزاء؛ لكنّي لا أذكر يومًا أنّي استخدمت القفازات أو ارتديت جهاز مُنقي للهواء فهذه الأجهزة مرتفعة الثمن ونحنُ بالكاد نُحصّل قوت يومنا".

ويُمنع وصول مواد الحماية والسلامة الخاصة بهذه المهنة المُضنيّة إلى قطاعِ غزة منذ فرض الحصار الإسرائيلي عام 2007، وقد تتوفر بأسعارٍ باهظة في الأواق المحلية، بينما يُحاوِل علون حماية نفسه بنفسه من خلال ابتعاده قدر المُستطاع عن المواد أثناء صهرها وتجزئة القطع المتواجدة في البطاريات مُستجديًا بها سَلامة غير مؤكدة.

ما يفعله علون يُنافي ما يَنُص عليه القانون الفلسطيني رقم (7) لعام 2000 في المادة (90) بضرورة اتباع الأنظمة الخاصة بالصحة والسلامة المهنية في بيئة العمل، والتي تتضمن: "وسائل الحماية الشخصية والوقاية للعاملين من أخطار العمل وأمراض المهنة، والشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل، ووسائل الإسعاف الطبي للعمال في المنشأة، والفحص الطبي الدوري للعمال".

ويصف عيد حمادة مسؤول تجار ومصدري المعادن والخردة في غزة، تراكم البطاريات في القطاع بـ"الكنز المسموم"، لأنه ينتج عنه مواد خطرة تتسبب في مشاكل صحية وبيئية جمة للسكان.

وأشار حمادة في سياق حديث سابق مع وكالة (شينخوا)، إلى أن 25 ألف طن من البطاريات تتواجد في القطاع البالغ مساحته 365 كم ويقطن فيه زهاء مليوني نسمة وهذا نذير خطر على حياتهم، مبنياً أن اعداد هذه البطاريات يتزايد يوما بعد اليوم، وبخاصة أنه يصعب على السكان التخلص منها في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 8 ساعات يومياً.

وعن الدور المنوط بوزارة العمل إزاء العاملين في هذه المهنة، تقول تهاني السلطي ممثلة دائرة التوعية والإرشاد في الوزارة، "ظهرت هذه الورش في قطاع غزة خلال الآونة الأخيرة وتحديدًا بعد تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء، وقد أجرت الوزارة مؤخرًا دراسة حول اشتراطات السلامة المهنية في مصانع البطاريات، وبناءً على مخرجات الدراسة تقرر التفتيش على هذه الورش في المستقبل القريب".

ومما هو واضح، فإن وزارة العمل لم تسجل أي مخالفات بحق هذه المنشآت مسبقًا، على اعتبار أن القانون الفلسطيني لم يأتِ على ذكرها في سياق الحرف، وعليه فلا يوجد أي إجراء قانوني يعاقب أو يجرم هذا الفعل باستثناء النصوص المتعلقة باشتراط اتباع إجراءات السلامة المهنية في بيئة العمل.  

وما زالت هذه الوُرش تعمل على قتلِ أصحابها ببطء، في ظلِّ عدم وجود أدوات حماية تَحميهم من الموتِ المؤجل، وغياب الرقابة القَانونية عليهم، وتأخُر سَن القوانين من أجلِ المُحافظة على أرواح العاملين والمهنة في قطاعِ غزة.