هل النساء في غزة بحاجة إلى مقاهٍ خاصة؟

بعد إغلاق مشاريع مشابهة  

هل النساء في غزة بحاجة إلى مقاهٍ خاصة؟

ترسمُ ريهام حمودة صاحبة مقهى نسائي أُقيمَ حديثاً في غزة، ابتسامةً واسعة على وَجهها وهي تُراقب حَركة البَهوِ من عَاملين وزبائن، مُخفيةً مخاوفها إثرَ عدة إحباطات قد تلقتها قبل افتتاحِ مقهاها الخاص بالنساء بسبب إخفاق تجارب قد سبقتها في المجالِ ذاته؛ لتجد العكس تمامًا خلال أيام عملها الأولى وسط إقبال واسع من سيداتٍ اخترن أن يزرن المكان ويَتعرَفن عليه.

"صبايا VIP" ذلك الاسم الذي أطلقته حمودة على المكان، تقول لـ "آخر قصة": "إنّ فكرة المقهى تجسّدت في تقديم كافة ما قد تحتاجه المرأة في مكانٍ منعزل عن الرجل، وهو واجهة للعديد من السيدات اللواتي يرتدين النقاب، والكبيرات في السنّ، وبعض الطالبات الجامعيات. كما يعمل على توفير العديد من الخدمات منها الأطعمة والمشروبات، وتنظيم الحفلات، ويتضمن أماكن هادئة للعمل وغيرها.

وقد أثارَ افتتاح المقهى مؤخرًا، تَهكُم البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن قطاع غزة ليس بحاجة للمزيد من التعقيد في التمييز بين الرجال والنساء، بينما يعتبر هذا هو المقهى النسائي الوحيد "حاليًّا" في ظلّ عدم قدرة المشاريع المُشابهة-على قلّتها- على الاستمرار. 

في المقابل، دافعت "حمودة" عن فكرتها، موضحةً أن هذا المقهى يعمل على توفير مكان للمرأة شبيه بالمنزل من حيث الراحة والشخصية الأنثوية؛ لذلك سَعَت إلى اختيار التصاميم والألوان بشكلٍ ملفت ومريح وجذاب مع اهتمامها بأن تكون الأسعار مناسبة للجميع، للطالبة والعاملة على حدٍ سواء، مع تنوعٍ في الأصناف ومُحافَظَة عالية على الجودة التي تعكس واقع كافة الخَدمات المُقدمة.

مما لا شكَ فيه أن عباءة العادات والتقاليد تُغطي قطاع غزة الذي تُشكِّل النساء 49% من عدد سكانه، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لكن السؤال الذي يبدو أكثر إلحاحًا: هل النساء يُفضلن الخروج لمقاهٍ مُغلقة وخاصة بهن أم الخروج مع عائلاتهن إلى أماكن مفتوحة؟ ولماذا يتزايد الإقبال على المقاهي النسائية في البدايات فقط، ثم يتهاوى مع مرور الوقت؟، طبقاً لإفادة بعض التجارب النسائية.

ولأنَّ البدايات مُتشابهة، تروي إيمان أبو علي صاحبة مقهى "لمة صبايا" الذي أُغلق حديثًا أن مشروعها وُصِف بـ "الناجح" في شهوره الأولى، وتؤكد أنّها استطاعت تسديد تكاليف جزء كبير من المشروع خلال فترة وجيزة من افتتاح المكان، حيث كان يستقبل المقهى عدد لا بأس به من الفتيات في اليوم الواحد، لكن الحال لم يدم طويلاً.

اصطدمت أبو علي بأزمة الإغلاق نتيجة انتشار فايروس كورونا، التي اضطرتها إلى إغلاق مشروعها في ظِلّ عدم وجود تعويضات للخسائر التي تكبّدها المكان من نفقات تشغيلية وتكلفة للإيجار، على الرغم من أن هناك مطاعم ومقاهٍ كبيرة تم تعويضها خلال الأزمة، مُلقيةً اللوم على الهيئة الفلسطينية للمطاعم التي لم تهتم بمشاريع الشباب الناشئة بالرغم من محاولاتها العديدة معهم.

وقالت: "صمدت في وجه الانتقادات الموجهة لي من قبل سكان المنطقة وبعض أقاربي خاصة أن المقهى قد افتتح في منطقة نائية جنوب قطاع غزة، لكنّي لم أستطيع الصمود أمام المعيقات الأخرى"، مشيرة إلى أنها استمتعت في التجربة التي خاضتها وتتمنى أن تَستعيد مُعدات المكان وأثاثه؛ لتُعيد افتتاحه مرة أخرى مع عدم تِكرار الأخطاء السابقة.

يضع المختص في مجال التسويق الرقمي محمد أبو القمبز، شرطاً لنجاح المشاريع النسائية في قطاع غزة، ألا وهو الميزة التنافسية بمعنى أن تقديم هذه المشاريع شيئاً مختلفاً للمستهلك يَتميز بجودة عالية مع التسويق الجيّد لتلك المنتجات والخدمات، وليس لـ "الجندر.

وقال أبو القمبز: "إنَّ فشل هذه المشاريع يعود لسببين، الأول عدم تقديمها شيء جديد، والآخر هو اختيار الموقع الجغرافي فقد يكون بُعد المقهى عن مراكز التَسوق التي تتجمع بها النساء لفتراتٍ طويلة عاملًا رئيسيًا في الفشل".

إنَّ فكرة إنشاء مقاهٍ خاصة بالنساء، وفق أبو القمبز، تتطلب توعية حول تقبُل المجتمع لتلك المشاريع وتستلزم دعم من السيدات لها، خاصة المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي اللواتي يَحظين بآلاف المتابعين، وتحتاج بلا شك إلى رأس مال جيد تستطيع من خلاله صاحبة المشروع توفير سيولة مستمرة لمواجهة ما يفرضه السوق من مصاعب وتحديات.

وعلى الرغم من أهمية التسويق والشخصيات النسائية المؤثرة في دعم هذه المشاريع، لكن ثمة سؤال يدور في العقول عن الدور الحكومي تجاه صون المشاريع التي تقودها المرأة ودعمها؟

هنا أفادت مديرة دائرة المشاريع في وزارة شؤون المرأة داليا أبو حسنين، أنَّ وزارتها تحاول دعم المشاريع الصغيرة التي تفتتحها السيدات من خلال شِقين: الأول هو التسهيلات التي تُقدمها على المستوى الحكومي، والآخر هو تقديم بعض القروض من خلال صندوق إقراض المرأة، الذي يُقَدر تمويله بـ 80 ألف دولار، مشيرةً إلى أنَّه خلال العام الحالي تمّ تمويل 22 مشروع، تُقدَّر تكلفة الواحد منها بـ 3 إلى 5 آلاف دولار.

أضافت أبو حسنين: "خلال الفترة الحالية لا يوجد تمويل للمشاريع النسائية الصغيرة، وما تستطيع الوزارة تقديمه هي تسهيلات أخرى كالإعفاء الضريبي، وتوصيات أخرى تتمثل في الإشراف على دراسة الجدوى للمشروع وتحديد نقاط القوة والضَعف التي قد تجعل تلك المشاريع غير قادرة على المنافسة والاستمرار في سوق العمل".

من جهته، أكّد أيمن أبو دان مدير دائرة التفتيش في وَزارة السياحة على أنًّ الوزارة تُقدِم جُملة من التسهيلات للمقاهي في قطاع غزة منذ جائحة كورونا وحتى اليوم، أهمها الخصم على التراخيص بنسبةِ 50% لمدة أربع سنوات أيّ منذ العام 2018 وحتى عامنا الحالي، مُفيدًا أن نسبة المقاهي النسائية من المقاهي العامة التي تُقدّر بـ 150-170 مقهى، لا تتجاوز3% فقط.

وعن الأسباب التي تقود إلى فشل المشاريع النسائية الخاصة، قال أبو دان: "إنّ هناك جملة من الأسباب تتمثل في عدم تَوفُر برنامج واضح يُعنى بالمرأة والطفل معًا للترفيه والتفريغ، وتقييدها بعدد ساعات عمل خاصةً في المساء، وقلّة الإمكانيات، وعدم التوجه للمؤسسات الحكومية لطلب المساعدة"، داعيًا صاحبات تلك المشاريع إلى أن يُراعيّن جودة الخدمات والتخصص وتوفير مساحة طبيعية في المكان.

وأشارَ أبو دان إلى أنَّ غالبية المقاهي النسائية التي أُغلقت أو المستمرة في عملها لم تُسجل لدى وزارة السياحة ولم تتقدم إليها من أجل الحصول على الدعم اللازم، مبينًا أهمية التعاون والذي يُسهل التشبيك مع المؤسسات الدولية التي بدورها قد تُوفر التمويل اللازم لمثل هذه المشاريع، لأن إغلاقها يسهم في زيادة نسبة البطالة.

تتعدد احتياجات النساء في المجتمعات عامة، وتبقى فكرة وجود مقاهٍ خاصة بالمرأة تُمارس فيها حريتها كاملة على العكس المُتعارف عليه في الأماكن المفتوحة وفي مجتمعٍ مُحافظ هي فكرة زاهية وجذابة، لكن التطبيق يستلزم مقومات وإمكانيات ودراسة أكثر عمقاً.