يحاول أن يأخذ المصور الصحفي أشرف أبو عمرة (37 عاماً)، قسطاً من الراحة عقب موجة التصعيد الأخيرة على قطاع غزة، ولكن دون جدوى "لا يوجد في غزة وقت للراحة"، يقول.
وفي ظل تطورات الأحداث الأمنية والسياسية في هذا القطاع الذي يخضع للحصار لأكثر من 15 عاماً، يواجه أبو عمرة، وغيره العشرات من المصورين بشكل خاص والصحفيين عموماً، تحدي كبير يتعلق بتجاوز الأذى النفسي الذي تلحقه بهم المشاهد المأساوية خلال التغطية الميدانية.
ويشكل العمل في بيئة قطاع غزة تحدي على أكثر من صعيد: أولاً على صعيد السلامة المهنية ومخاطر الإصابة خلال أحداث التصعيد، وثانياً: النفسي الذي تلحقه مشاهد القتل والدماء بالصحفيين.
ويواصل أبو عمرة عمله في تغطية نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والذي استمر ثلاثة أيام متتالية (5-7 أغسطس)، وأودى بحياة 44 شهيداً بينهم 15 طفلاً.
ويواجه أبو عمرة تحدي آخر يتعلق بعدم توفر معدات السلامة المهنية بالنسبة له وللكثير من الصحفيين والمصورين الذين يعملون بشكل حر (FREE LANCER)، في وقت تشير إحصاءات محلية إلى أن 55 صحفيا فلسطينيا لقوا حتفهم خلال قيامهم بعملهم الصحفي منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 إلى الآن.
وسجلت وحدة الحماية القانونية للصحفيين التابعة إلى مؤسسة بيت الصحافة (مؤسسة أهلية)، 21 انتهاكاً للحريات الاعلامية خلال العدوان الأخير.
ويقول أبو عمرة "في غزة لا مجال للتروي في اتخاذ قرار التغطية، في أي وقت يحمل الصحفي الكاميرا ويودع أهله ويمضي إلى الميدان، وللأسف لم أر أهلي وأطفالي لمدة 3 أيام متتالية، وكنت في حالة قلق دائم عليهم"، مشيراً إلى أنه كان ينتهز ساعات الهدوء ليتواصل مع زوجته هاتفياَ للاطمئنان على الأسرة لأن دوره كصحفي لا يلغي دوره كزوج وأب وأبن، حسب تعبيره.
وبين أن المشاهد الدامية التي تلتقطها عدسته تبقى عالقة في ذاكرته، ونسيانها أو تجاهلها يحتاج الكثير من الوقت، فكل مشهد يكون فيه ضحايا أطفال يتخيل أن أطفاله وعائلته في هذا الموقف، كما يقول.
وحول تلقي الصحفيين للدعم النفسي يقول المصور أبو عمرة: "تقدم بعض المؤسسات خدمات الدعم النفسي بعد الحروب من خلال جلسات تفريغ ويوم ترفيهي ولكن المدة غير كافية بالمقارنة بما نراه وتحمله قلوبنا من الأسى والتعب".
ولا يشكل القانون الدولي الانساني الذي ينص على أن "الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في النزاعات المسلحة يجب احترامهم وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد"، مصدر حماية بالنسبة للصحفيين الفلسطينيين.
ولعل هذا الأمر ما يجعل المراسلة التلفزيونية دعاء روقة، دائمة القلق على حياتها، غير أنها اضطرت كما تقول لإمضاء أيام العدوان في توثيق الأحداث، متحدية خوفها ومشاعرها ودموعها التي لم تكن لتتحكم بها في كثير من الأحيان.
أمضت المراسلة دعاء معظم وقتها تنقل الأحداث على الهواء مباشرة، غير أن مشاعرها تنقسم حسبما قالت بين الاهتمام بالتغطية، وبين مواساة وطمأنة المكلومين وبخاصة النساء والأطفال الذين فقدوا أفرادا من أسرهم.
من جهتها رأت سناء عودة وهي استشارية متخصصة في الصحة النفسية والدعم النفسي، إن العبء يتضاعف على كاهل الصحفيين/ات ويأخذ أبعاداً أكبر خلال تغطية الأزمات والكوارث والحروب، نتيجة مشاهد الأشلاء والدماء، وروايات القصص المأساوية، بالإضافة إلى التهديدات التي تجعل الموت احتمالا واردًا.
وقالت عودة، "نتيجة لكل ما سبق تظهر عوارض نفسية أبرزها اضطرابات النوم، وقلة التركيز بشكل قوي، وسرعة الغضب، والانعزال الاجتماعي، وأعراض "نفسية جسمية" مثل آلام المعدة والصداع وسرعة دقات القلب، إلى جانب التأقلم السلبي مع المشاكل مثل التدخين الشره، والعلاقات الجنسية الكثيرة".
ومن أبرز الأعراض التي قد تظهر على الصحفيين حسب عودة ما يسمي "إرهاق التعاطف" الذي يُعرف بأنه حالة من التعب التراكمي النفسي والجسدي الذي ينتج عن التعرض لفترات طويلة من الإشفاق على حالات إنسانية مختلفة وظهور أعراض مثل "البرود واللامبالاة والغضب وفقدان الأمل وإهمال الرعاية الذاتية".
وقدمت استشارية الصحة النفسية، حلولا للصحفيين/ات من أجل معالجة الأعراض النفسية، على رأسها: عدم الانعزال ومشاركة القصص مع الزملاء، ومحاولة تغطية قضايا وقصص أخرى تبعث الأمل والفرح في وسط التعب.
كما دعت إلى ضرورة محاربة الأصوات السلبية التي تأتي من الداخل، مثل: أريد الانعزال، أنا إنسان سيئ، "وفي حال شعر أنه لا يستطيع تخطي ما مر به، لا بد من الاستعانة بمعالج نفسي، وهذا يتوقف على نوع المشكلة" حسبما قالت.