لم تفلح سميرة عبد الحي (35 عاماً) في إغلاق نوافذ مسكنها المطل على الحدود الشرقية لمدينة غزة، في وجه الحرب والحر. كلاهما يشكلان مصدر إزعاج لأطفال المسكن وحتى للأبوين ولكن الأخيران يحاولان لجم مخاوفهما أمام الأطفال.
مع حلول الساعة العاشرة مساءً- موعد انقطاع التيار الكهربائي- أشعلت السيدة سميرة أنوار خافتة مشغلة بواسطة بطارية، بعد أن جمعت أطفالها الخمسة في آخر غرفة بالطابق الأرضي حفظاً على سلامتهم. جلست السيدة أرضاً وهي تضع خماراً فوق رأسها، وفي يدها اليمنى طبق بلاستيكي شفاف تستخدمه بديلاً عن الهواية للتخفيف من حر أغسطس، وكانت تنقله بين وجهها ووجوه صغارها.
بينما كان الأب منشغلاً يُقلب شاشة هاتفه النقال محاولاً الوقوف على آخر الأخبار العاجلة التي ترد عبر مجموعات الواتساب الإخبارية، في وقت كانت فيه الرشقات الصاروخية تتبادل بين صعود وهبوط بين طيران الاحتلال الإسرائيلي وقوى المقاومة الفلسطينية.
تقول سميرة: "صحيحٌ أننا نواجه أجواء الحرب بشكل مستمر بحكم وجودنا في هذه المنطقة، لكننا للأسف لم نعتاد عليها مطلقاً، فالحرب يلازمها الخوف.. الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، الأطفال خائفون جداً ولا أملك فرصة لتهدئة روعهم".
وأضافت: "في السابق كنت أدعي أن هذه الانفجارات التي تضيء أرجاء المسكن، مصدرها ألعاب نارية، لكن هذه الحيلة لم تعد تنطلي على أطفالي، وأصبح الخوف يمتلكها بشكل كبير".
واغتالت إسرائيل قائد من سرايا القدس التنظيم العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ظهر الجمعة -5 أغسطس- واستشهد تسعة آخرين بينهم طفلة في ربيعها الخامس، الأمر الذي أعقبه إطلاق رشقات صاروخية من فصائل المقاومة رداً على عملية الاغتيال.
وتجددت أجواء الحرب على قطاع غزة، بعد نحو 15 شهراً على وقف إطلاق النار بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، الذي سمح لما يزيد عن 10 آلاف عامل من غزة بالعمل داخل الأراضي المحتلة للتخفيف من وطأة الظروف الاقتصادية المنهارة، غير أنه عاد وأغلق معبر بيت حانون (إيرز) قبل إعلانه شن عملية عسكرية على تنظيم "الجهاد" بثلاثة أيام.
وفي واقع الأمر، شكل العدوان مصدر صدمة بالنسبة للسكان الذين يستثمرون ليلهم على شاطئ البحر هرباً من الحرب والعتمة. وقال محمود أبو حصيرة (24 عاماً) الذي كان يحرس بسطةً للقهوة على شاطئ بحر مدينة غزة، إن الزبائن فروا هاربين منذ الساعة السادسة مساءً، عندما سمع دوي انفجار بالقرب من المكان.
وجمع أبو حصيرة طاولاته الخشبية الهالكة التي يوزعها يومياً على مقربة من الموج، وجلس وحيداً يراقب الأخبار عبر الإذاعات المحلية التي تبث عبر الهاتف.
وعبر الشاب الذي عن استياءه من الحالة الراهنة، قائلاً: "لم نتعافى بعد من خسائر الحرب الماضية -مايو 2021- لقد قطع الخوف قلوب الناس وأقدامها أيضاً من الشاطئ الذي كان المنفس الوحيد".
جميل الشرافي (22 عاماً) وهو نادل في مطعم يطل على شاطئ البحر، غادر مكان عمله هو ونحو عشرة عمال آخرين بطلب من رب العمل، حفاظاً على حياتهم. وقال وهو ينفث دخا سيجارته: "لقد جاءت الحرب من جديد لتقطع أعناقنا وأرزاقنا".
واتجه الشرافي إلى مكان سكنه في مخيم الشاطئ، الذي يبعد عن مكان عمله نحو كيلو متر تقريباً، مشيراً إلى أنه سيضطر للجلوس رفقة جيرانه أمام مساكنهم للإنصات إلى تطورات الأحداث. وتساءل: "من يملك القدرة الآن على النوم؟، لا أحد يحتمل النوم في هذه الأجواء، خصوصاً مع انقطاع التيار الكهربائي.
ويحتاج القطاع إلى نحو 600 ميغاواط من أجل الحصول على كهرباء متواصلة، لكن في الواقع يتوفر 180 ميغاواط، وهي كمية في الغالب تغطي من 6- 8 ساعات وصل، وتزداد حدة الأزمة مع اشتداد الحرارة.
وتدافع السكان منذ ساعات المساء الأولى نحو المخابز من أجل اقتناء الخبز، فيما لجأ آخرون إلى تعبئة أسطوانات الغاز تحسباً لأزمة شح قد تنتج عن إغلاق المعابر التجارية مع غزة.
وتشكل هذه الموجة من التصعيد، أزمة إنسانية ونفسية إضافياً للسكان عموماً والأطفال على وجه الخصوص، الذين يشكلون ما نسبته 47.3% من مجمل عدد السكان. ولا تتوفر في القطاع ملاجئ لحماية المدنيين من القصف الجوي.
وقالت منظمة اليونيسف لقد تأذى أطفال غزة كثيراً بسبب التصعيد العنيف الأخير في أيار / مايو 2021. وقبيل تصاعد العنف، كان ثلث أطفال غزة بحاجة بالفعل إلى الدعم في مجال الصدمة المتصلة بالنزاع. وبدون شك، فقد ازدادت كثيراً حاجة الأطفال إلى خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي-الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، فإن تدهور القدرة الإنتاجية للمياه في غزة بسبب نقص الكهرباء يعني أن عشرات الآلاف من الأطفال سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية للحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي الأساسي.