تتوسط ناريمان خلة (36 عاماً) مجموعة من السياح المحليين في متحف قصر الباشا وسط مدينة غزة. وأمام الكم الكبير من الأسئلة التي يطرحها السياح، يبدو مخزونها الثقافي والعلمي مثل "جراب الحاوي"، فهي لا تمل من تقديم المعلومات لزوارها كلا حسب حاجته إلى المعرفة.
درست "خلة" التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية، وبدأت العمل كمرشدة سياحية منذ عام 2010. وقد حصلت على وظيفة حكومية في ذات المجال، غير أن عملها مع سياح محليين وأجانب في المواقع الأثرية، لاقى الكثير من الانتقادات.
بدأت قصة خلة بعدما قررت خوض تجربة الدراسة الجامعية في مجال التاريخ، وبعد تخرجها قررت التطوع في وزارة السياحة والآثار، وعن هذه التجربة قالت "أصبحت مرشدة سياحية متطوعة، أخرج مع السياح للشرح عن المواقع الأثرية من العهد البيزنطي والروماني وقد كان الأمر محبباً بالنسبة لي، لكنه لم يرق للبعض ".
في تلك المرحلة، بدأت خلة بالقراءة أكثر في الكتب والمخطوطات التاريخية، سواء عن تاريخ غزة والحضارات المتعاقبة عليها خلال القرون الماضية، أو حول المخطوطات التي تحتفظ بها بعض الوزارات مثل وزارة الأوقاف حول فترة الحكم العثماني، والعائلات العزية الحاكمة، بهدف إثراء مخزونها المعرفي والتاريخي.
وفي الوقت الذي كانت تعمل بجد لتطوير مهاراتها، واجهت العديد من الأصوات المحبطة- بحسب وصفها- وتقول لـ آخر قصة "الكثير من الناس حاولوا احباطي، وبخاصة أن بعض الوفود المحلية لم يكن لديهم اهتمام بالمواقع الأثرية، يسمونها (كوم حجار)، وآخرون يرفضون التعامل معي كوني فتاة".
وجدت خلة نفسها أمام تحديات عدة، لكن كي تنجح عليها إثبات وجودها. واجهت الأصوات الناقدة، منهم من شرحت لهم أهمية تلك المواقع في التاريخ الفلسطيني، وضرورة المعرفة لمواجهة الروايات الإسرائيلية التي تحاول السيطرة على التاريخ والحضارة، وآخرين أقنعتهم بالتعامل معها كونها تمتلك الشخصية القوية والمعلومات الدقيقة ولا ينتقص منها كونها فتاة.
وكثفت خلة تواجدها الميداني، حتى يعتاد السياح على ذلك، وقالت: "نجحت بإقناع العديد من المحبطين أو الرافضين للتعامل معي، حتى أصبح بعضهم يطلبني شخصياً من الوزارة من أجل مرافقتهم إلى المواقع الأثرية".
يوجد في قطاع غزة قرابة 40 موقعًا أَثَرِيًّا، جميعها تقع ضمن صلاحيات عمل وزارة السياحة والآثار، إلا أن العمل على اكتشافها والمحافظة عليها لا يلقى اهتمامًا كبيرًا من الفلسطينيين، ربما ذلك بسبب الواقع المعيشي المتأزم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بسبب الاحتلال الإسرائيلي وفرض الحصار.
مع نهاية عام 2012، صدر قرار تعيين ناريمان، بشكلٍ رسمي ضمن طواقم الوزارة، لتصبح واحدة من المرشدات السياحيات، الأمر الذي حفزها تجاه تطوير مهاراتها الإرشادية والمعلوماتية.
وتعمل خلة لساعات عمل طويلة على أثر مرافقة بعض الوفود السياحية الأجنبية، ويتجاوز الأمر حدود ساعات العمل، لكنها تقول لا بأس أنا أفعل ذلك بحب.
إلى جانب الأصوات الناقدة، لاقت المرشدة السياحية العديد من الأصوات المثقفة الداعمة، وقالت "أحب التعامل مع المثقفين الشغوفين بالمواقع الأثرية والتاريخ، ومحبي فهم الهوية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، يمنحونني الأمل".
أما فيما يخص السياح الأجانب، فقالت "الجولات مع الأجانب مهمة، وألمس اهتمامهم في الآثار بشكل أكبر، من خلال أسئلتهم الدقيقة عن كل قطعة آثار وتاريخها".
خلال العامين الماضيين، وبسبب انتشار فيروس كورونا، انخفض عدد السياح، وفي فترة اضطرت الوزارة لإغلاق المواقع الأثرية بتوجيهات من وزارة الصحة، إلا أنها عادت قبل فترة قصيرة لاستقبال السياح من جديد.
وتقضي اليوم خلة ثلثي نهارها في قصر الباشا، وسط البلدة القديمة في مدينة غزة، معتبرة إياه منزلها الثاني الذي يمنحها الطمأنينة، مرافقة السياح من غرفة إلى أخرى بشكل يومي.