علينا تفقد حاجيتنا ومستلزمات رحلتنا الاستكشافية، المنظار جاهز، بطارية الهاتف مكتملة، دفتر الملاحظات، وعلينا ضبط المنبه على الخامسة فجرًا للانطلاق، حيث يصادف التاسع من أيار اليوم العالمي للطيور المهاجرة، وهو يوم انتظرناه طويلاً لرصد وتوثيق هجرة الطيور، ولا تنسي بأن علينا التنبه جيدًا للنباتات النادرة التي تنمو في هذا الموسم.
نحن التوأم لارا وماندي سرداح 46 عامًا، نحب الطبيعة وكل نشاط يقربنا إليها، نتحرى شروق الشمس بمنظارنا، ونراقب غروبها أثناء ممارستنا لرياضة المشي المفضلة لدينا، نُطيل التأمل في الطبيعة، إنها رفيقتنا ومصدر الإلهام الأول منذ الطفولة.
لقد كنا نقصد في جولاتنا أماكن تذخر بالتنوع الحيوي لغرض التأمل والتصوير، فإما نتجه جنوبًا حيث وادي غزة، ونتخطى ما هو أبعد حيث الأراضي الزراعية الجميلة في خانيونس ورفح، أو نتجه شمالاً حيث المساحات الخضراء، حدائق الفراولة المعلقة، وبرك الصرف الصحي.
"عين لارا حلوة في التصوير" أما أنا فأحمل المنظار وأرصد ما أراه في السماء، ثم أشير لها بأن تتبعه بعدستها، وللعلم نحن نلتقط بالهاتف المحمول صورًا جميلة.
-هل تذكري يا لارا أول كاميرا صورنا بها؟
-نعم وكيف أنسى يا ماندي؟، كاميرا رقمية امتلكتها أسرتنا لتوثيق ذكرياتنا، وقد كانت السبب في اكتشاف شغفنا نحو الطبيعة.
بعد أن جمعنا عددًا من الصور للطبيعة والطيور والتي لاقت إعجاب من حولنا، اتبعنا نصيحة المقربين بنشرها على السوشيال ميديا، وبالفعل ننشر باستمرار ما نلتقطه، كم تُبهجنا تعليقات المتابعين والمقربين منا!، خاصة وأننا دلفنا إلى عالم التصوير دون مساعدة أو الحصول على دورات تدريبية، لكن بالتأكيد يا ماندي تصلنا بعض الملاحظات والنصائح من مصورين ومراسلين، نحاول الاستفادة منها قدر الإمكان.
نحن لا نكتفي بالتقاط الصور ونشرها فحسب، بل نجمع المعلومات اللازمة فيصبح عملنا أيضًا تثقيفيًا، وحين لا نجد المعلومات الكافية، نبحث في المصادر ونستعين بالخبراء لإفادتنا حول نبتة غريبة وجدناها في إحدى المناطق البرية أو طير شاهدناه للمرة الأولى.
لاحظي يا ماندي أن عدد الباحثين والخبراء في مجال التنوع الحيوي في غزة قليل، لذا نحن بحاجة إلى جهة راعية لهذا المجال، للحفاظ على التنوع وتوقف الصيد الجائر.
يرمقنا المارة باستغراب حين يجدوننا نُطيل الوقوف بجوار نبتة وحيدة، أو عند مراقبة طائر ما، بعضهم يظنون أننا نبحث عن نقودًا أضعناها هنا أو هناك، وحين تتبين لهم حقيقة الأمر، ربما يعتقدون بأننا قد جُننا يا ماندي أليس كذلك؟.
حسنًا لا بأس إنها الهواية التي تملكتنا وآمنا بها منذ سنين، وقد تم اختيارنا في عام 2019 من قبل "مؤسسة سيدة الأرض" ضمن أهم المصورين على مستوى فلسطين، كما مُنحنا وسام الإبداع من الدرجة الأولى.
المنظار والكاميرا يُكملان بعضهما البعض، كما أنا ونصفي الآخر لارا، لا نُفارق بعضنا، نرتدي نفس اللباس، ونتشارك في الهاتف نفسه، حتى أننا درسنا نفس التخصص "علم اجتماع"، نُحب كوننا توأمًا متشابهًا، نستأنس ببعضنا ونشعر بالقوة في ظل الأجواء المحبطة التي يعيشها أهل قطاع غزة.