رُضَّع يرتدون أكياس نايلون بديلاً عن الحفاظات

رُضَّع يرتدون أكياس نايلون بديلاً عن الحفاظات

ينما تحاول المواطنة سارة سليم (25 عامًا) تهدئة رضيعها البالغ من العمر 8 أشهر، تسمع صوت بكائه يعلو كلما تحركت ساقاه الصغيرتان. السبب؟، "حفاظة" مصنوعة من كيس نايلون مربوط حول خصره بشريط مطاطي.

تقول سارة: "كل ساعة أفتح الكيس لأزيل البول وأمسح جسده.. لكن الطفح الجلدي صار يغطي فخذيه".

هذه ليست حالة معزولة في قطاع غزة، ففي خيام النزوح غرب المدينة، تحوّلت أكياس الخبز والسلع البلاستيكية إلى "حفاظات بديلة" لآلاف الرضع، بعد أن أصبحت الحفاظات التقليدية إما غير متوفرة أو بأسعار خيالية.

وفي حيلة جديدة، أقام الحائكون بتفصيل شورتات من النايلون للأطفال الرضع، بشرائط مطاطية من أجل منع التسريب، ولكنها لا تخلق أثاراً صحية خطيرة على أجساد الأطفال فحسب، وإنما على الصحة النفسية للنساء اللواتي يعجزن عن توفير بدائل، في ظل انعدام مصادر الدخل.  

بحسب تقارير أممية، فإن 93% من الأسر في غزة تعاني من صعوبة حادة في توفير حفاظات لأطفالها، بينما 76% من الأمهات اضطررن لاستخدام بدائل غير صحية مثل الأكياس البلاستيكية أو قطع القماش الملوثة.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن 55% من الأطفال الرضع في القطاع يعانون من التهابات جلدية حادة بسبب هذه الممارسات، بينما ارتفعت حالات التهابات المسالك البولية بين الرضع بنسبة 300% منذ بداية الأزمة الأخيرة.

في عيادة طبية متنقلة مقامة وسط مدينة غزة، تفحص الدكتورة فاطمة عزيز (*) طفلاً رضيعاً تظهر على فخذيه تقرحات حمراء. تقول لمراسلة آخر قصة: "النايلون يسبب احتباس البول والرطوبة، ما يؤدي إلى تسلخات تصل أحياناً إلى النزيف".

وفي غمرة انشغالها بحجم المراجعات اللواتي يحملن أطفالهن بين ذراعيهن، أضافت عزيز: "حتى المواد المطهرة غير متوفرة.. بعض الأمهات يغسلن الأطفال بمياه ملوثة، ولا يملكن حتى العلاج أو المراهم التي يمكن أن تخفف من حدة الآلام الناتجة عن هذا الاستخدام".

أم يوسف (30 عامًا)، وهي نازحة من بيت حانون، تروي كيف تحولت حياة طفلتها إلى جحيم: "ابنتي عمرها سنتان وتعاني من التبول اللاإرادي.. أضع لها كيسين في اليوم، لكنها تخلعهما وتصيح من الألم، وبخاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة".

في أحد الأسواق الشعبية يعرض تاجر يُعرف بـ"أبو أحمد" حفاظات بأثمان تُقطع الأنفاس: "القطعة الواحدة بـ30 شيقل (حوالي 10 دولارات) .. وهذا سعر مخفض". بينما يبلغ متوسط دخل الأسرة في غزة أقل من 3 دولارات يوميًا وفق البنك الدولي.

ويبلغ ثمن عبوة الحفاظات سعة 24 قطعة، 700 شيكل (نحو 200دولار)، وهذه القيمة توازي ثمن 7 كيلووات من الطحين، لذلك فإن الناس تفاضل بين أن تقتات الخبز حتى تبقى على قيد الحياة، أو أن توفر احتياجات أطفالها الأساسية.  

يبرر التاجر أبو أحمد هذه الأسعار: "نحن نحصل على الكميات وهي محدودة بطبيعة الحال، بعشرة أضعاف السعر الأصلي، وبالتالي نبيعها مع إضافة هامش ربح بسيط للزبائن". لكن أمهات مثل أمنة مجدي (32 عامًا) ليس لديهن خيار: "اضطررت لبيع مصاغي لأجل شراء احتياجات الأسرة بما في ذلك الحفاظات لابني.. لكن الأيام الأخيرة حتى هذا لم يعد لدي ما أبيعه".

 الدكتور معتز محمد، أخصائي طب الأطفال، حذر من تداعيات تتجاوز المشاكل الجسدية: "الطفل الذي يرتدي النايلون يشعر بألم دائم، ما يسبب له اضطرابات في النوم والسلوك". ويضيف: "رأيت أطفالاً رضعاً أشبه بالمومياء، يعانون التهابات جلدية مزمنة وكذلك جوعاً لا يوصف".

تشير التقديرات المحلية، إلى أن نحو 85% من شحنات المساعدات التي كانت تدخل غزة وقد تحتوي على حفاظات في الغالب لم تكن تلبي 10% من الاحتياج الفعلي، فيما الواقع الآن أكثر مأساوية بعد إغلاق المعابر ومنع تدفق المساعدات أو السلع.

ومن الناحية القانونية، فإن سلوك سلطات الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين في قطاع غزة وبخاصة الأطفال، يتجاوز كافة الأعراف والمواثيق الدولية التي نصت على ضمان الحماية وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين.

ويقول الناشط الحقوقي بلال البكري: "العالم يتحدث عن حقوق الطفل، لكن أطفال غزة يُحرمون حتى من حقهم في أن يكونوا رُضَّعًا"، مؤكدا أن الظرف القائم يحتم على المجتمع الدولي الضغط على الاحتلال من أجل توفير الاحتياجات الأساسية للسكان بما في ذلك حليب الأطفال والدقيق والحفاظات وغيرها.

(*) اسماء مستعارة