خمسة حلول لنجاة النساء من العنف تحت الحرب  

خمسة حلول لنجاة النساء من العنف تحت الحرب  

في خيمة بالية بمواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، يخترق صراخ آلاء عمر (*) سكون الليل، وزوجها لا يكف يده عنها، لكن لا أحد يتدخل في "مشاكلهم الأسرية". 

"يضربني كل يوم"، تقول السيدة الثلاثينية وهي تحتضن صغيرتها عائشة ذات العشرة أعوام، التي تنال أيضًا نصيبًا من بطش والدها وعصبيته باستمرار، فيما تظهر على جسدها الصغير الكدمات، وعلى وجهها علامات الاضطراب والخوف من مجرد ظهور والدها أمامها.

تردف الأم بصوتٍ مكتوم وعينين باكيتين: "يقول إنَّ الحرب والنزوح سبب عصبيته؛ لكن أين المفر؟ لا محاكم، ولا شرطة، ولا ملجأ".

توقفت المحاكم ومراكز الشرطة في غزة عن العمل كلياً منذ بداية الحرب الإسرائيلية في أكتوبر2023، مما أدى إلى تجميد آلاف القضايا، وتفاقم المشكلات المجتمعية دون وجود جهات رسمية لحلّها، كما تسببت بفراغٍ قانوني خطير حيث أصبحت الجرائم تُعالج بعشوائية أو تُترك دون محاسبة.

وعلى إثر ذلك عُلِّقت النزاعات، بينما لجأ البعض لحلّها عبر النظام العشائري الذي فقدَ الكثير من فاعليته بسبب الحرب وتدمير الروابط الاجتماعية. ما جعل معاناة الضحايا مثل آلاء وابنتها تزداد دون حماية قانونية، ليصبح العنف داخل ملاذهن جزءًا من كابوس مستمر.

في قطاع غزة، يصبح العنف الأُسري جريمة صامتة، وتتفاقم هذه المشكلات في ظلّ انهيار النظام القضائي، وانهيار اقتصادي يزيد من توتر الأسر، في مجتمعٍ مُحافظ يرى في الكثير من المشكلات العائلية ما لا يجوز الإفصاح عنه، حتى لو كان الثمن حياة امرأة أو طفل. 

وتُشير تقارير، إلى أنّ 51% من النساء المتزوجات في غزة تعرّضن للعنف الأسري، بينما لم يُبلَغ عن أكثر من ثلثي هذه الحالات بسبب انهيار النظام القضائي والوصمة الاجتماعية.

وفي ظلّ الحرب، تصاعد العنف المنزلي بسبب النزوح والضغوط النفسية المستمرة، لكنّ غياب آليات التوثيق يُعيق الحصول على إحصاءات دقيقة، حيث أشارت جمعية "وفاق" لرعاية المرأة والطفل إلى تصاعد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف المنزلي والتحرش اللفظي والجنسي، خاصّة في مراكز الإيواء المكتظة. 

منظمات حقوقية محلّية تُفيد أنّ حالات العنف المنزلي تزداد في غزة خلال الفترات التي تشهد نزاعات أو أزمات سياسية. وفي هذه الأوقات، تُهمَل القضايا الاجتماعية في ظلّ الأزمات الإنسانية الطارئة.

سارة محمد (*)، خريجة جامعية عاطلة عن العمل، تعيش مع عائلتها في مركز إيواء بحي الدرج وسط مدينة غزة بعد تدمير منزلهم. تقول: "يطالبني والدي يوميًا بالخروج للبحث عن عمل، سواء بالبيع في الطرقات أو الخبز بمقابل على فرن الطين".

تردف محمد والحزن يغلب على صوتها: "عندما كانت المخابز تعمل كان يضطرني للاصطفاف في طابور طويل للحصول على ربطة خبز بسعر ثلاثة شواكل وبيعها في السوق السوداء بأضعاف سعرها بينما هو ينتظرني للحصول على المال". 

المعالجة النفسية أروى أحمد، تُعقب قائلة: "الضغوط الاقتصادية تزيد العنف، لكن الثقافة الذكورية هي الأساس. كثير من الرجال يرون أن المرأة 'ملكية' خاصّة، والحرب أعطتهم ذريعة لتصريف إحباطهم عبر العنف."

مريم خالد (*) أم لثلاثة أطفال، هي ضحية أخرى للعنف الأسري، تشكو من تهديدات زوجها الذي يعمل في صناعة السجائر اليدوية. تقول: "زوجي يصرخ ويضربني أمام الأطفال. عندما اشتكيت لأهله، قالوا: اصبري، الرجال كلهم هكذا هذه الأيام".

وفكرت هذه السيدة في طلب الطلاق من زوجها الذي يستمر في تعنيفها وكيّها بأعقاب السجائر، لكنّها تخشي التشرّد بعيدًا عن أبنائها، خاصّة في ظلّ استمرار الحرب وخوفها الدائم عليه من الوضع الأمني الخطير في المحيط.

أما أماني معين (*)، فقد أرغمت على العيش مع عائلة زوجها في خيمة بمنطقة الزوايدة وسط قطاع غزة، بعدما قُتل زوجها في قصفٍ إسرائيلي، وتعاني ظروفًا نفسية سيئة إثر تعنيفها المستمر من والدته سواء أكان لفظيًا أم جسديًا.

تقول أماني البالغة من العمر 22 عامًا: "تُجبرني على إشعال النار للطهي وتسخين الماء في أوقات مبكرة ومتأخرة، وإذا امتنعت توبخني بشدّة، وتمنعني رؤية طفلي الرضيع لساعات طويلة"، وعندما حاولت الفتاة العودة للعيش في منزل والدها هددتها الحماة بسحب طفلها منها.

وتفيد تقارير أنّ النزوح القسري أدّى إلى ظروف معيشية صعبة، حيث تعاني النساء من فقدان الخصوصية؛ مما يزيد من تعرضهن للتحرُّش والعنف، كما أنّ غياب الخدمات الأساسية يُعمِّق معاناتهن.

وتشير الملاحظات الميدانية إلى أنّ هذه القصص هي فقط جزء من معاناة النساء في غزة، حيث يبدو أن الحلول غير كافية في ظلّ غياب فعالية القانون. 

تقول المحامية أسماء جابر: "نحاول تقديم مساعدات قانونية، لكن التحدي الأكبر هو أن القانون نفسه غير كافٍ. لا توجد عقوبات رادعة للعنف المنزلي، كما أنّ الصلح العائلي فقدَ فعاليته في زمن الحرب".

أمام هذا الواقع، يُصبح عمل المنظمات الحقوقية والداعمة للمرأة والطفل ضرورة قصوى لكن جابر تشير إلى أنّ هذه المؤسسات تعمل في نطاق محدود جدًا وتكتفي الكثير منها بتقديم الاستشارات فقط، نتيجة الظروف الأمنية المُعقدة، مما يزيد صعوبة حصول النساء على حقوقهن.

في غياب النظام القضائي الفعال، ينصح مختصون اجتماعيون ضحايا العنف المنزلي لاتباع بدائل للحماية، منها:

أولاً: اللجوء إلى شبكات الدعم المجتمعي

توجد في غزة عدة منظمات وجمعيات تقدم الدعم النفسي والقانوني لضحايا العنف، مثل:  

**مركز شؤون المرأة** في غزة، الذي يقدم استشارات قانونية ونفسية.  

 **جمعية الثقافة والفكر الحر**، التي توفر ملاذات آمنة للنساء المعنّفات.  

 **خطوط مساعدة مجهولة الهوية** لتقديم المشورة دون كشف الهوية. 

ثانيا: الحماية عبر الوساطة العائلية 

في مجتمع محافظ مثل غزة، تلعب العائلة دوراً كبيراً في فض النزاعات. يمكن اللجوء إلى أفراد موثوق بهم من العائلة أو المجتمع للتدخل ووقف العنف، وإن كان ذلك ليس حلاً دائماً.  

ثالثا: التوثيق السرِّي للعنف

ينصح بتسجيل حالات العنف عبر:  

**تسجيلات صوتية أو مرئية** (إذا كان ذلك آمناً).  

**تقارير طبية** من المستشفيات في حال التعرض لإصابات.  

**شهادات جيران أو أقارب** موثوق بهم.  

هذه الوثائق قد تكون مفيدة في حال عودة عمل المحاكم.  

رابعاً: إنشاء شبكات أمان ذاتية

يمكن للنساء في الأحياء أو القرى تنظيم مجموعات دعم مشتركة للتدخل السريع في حالات الطوارئ، عبر الهاتف أو وسائل التواصل.  

خامساً: التوعية المجتمعية

يُعد نشر الوعي حول حقوق الضحايا وأضرار العنف المنزلي خطوة مهمة، عبر:  

- ورش توعية في مراكز الإيواء والمُصليات.  

- منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.  

- جلسات حوارية مع رجال الدين والقادة المجتمعيين.  

على الرغم من هذه الحلول المؤقتة، تبقى الحماية الفعلية للضحايا مرتبطة بعودة عمل المؤسسات الرسمية وتفعيل القوانين التي تجرّم العنف المنزلي. وبينما هذه الحلول في مكانها، تستمر المقاومة اليومية للضحايا في انتظار تحسن الأوضاع وإعادة بناء أمل جديد.

 

أسماء مستعارة (*)

موضوعات ذات صلّة:

مع غياب القانون: الأرامل يخضن حرب الوصاية على الأيتام

عدالة مفقودة: قضايا معلقة بين حطام المحاكم

عنف تحت غطاء الحرب: أوجه صراعات سكان غزة

تحقيق: واقع العنف ضد المرأة في قطاع غزة