الفقر يضائل فرص التحاق الطلبة بجامعات غزة

الفقر يضائل فرص التحاق الطلبة بجامعات غزة

بالكاد استطاعت والدة الطالب محمد سعيد توفير 20 ديناراً أردنياً، وهي قيمة التسجيل في الجامعة، وذلك بعد اجتياز ابنها اختبارات الثانوية العامة للسنة الحالية 2021، بمعدل 80% في الفرع الأدبي.

يقول سعيد (18 عاماً): حصلت على نتيجة مرضية، لكن للأسف المستقبل غير منصف إطلاقاً، إذ إن أصدقائي تمكنوا من حجز مقاعدهم في التخصصات التي يطمحون إليها، أما أنا فكل ما فعلته هو أنني قمت بالتسجيل فقط، وليس بمقدوري دفع رسوم الفصل الدراسي الأول لأن والدي عاطل من العمل وأسرتي تعيش على المساعدات.

يتطلع هذا الشاب إلى الالتحاق بكلية الحقوق، ولو اضطره الأمر فسيعمل حيناً ويدخر، ثم يدرس حيناً آخر من أجل تحقيق حلمه، بحسب ما قال. على الرغم من أن ليس ثمة فرص عمل متاحة أمام المواطنين في قطاع غزة بعد أن تجاوزت نسبتيْ الفقر والبطالة حدود الـ 89%، وفقاً لإحصاءات صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تموز/يوليو الماضي.

التعليم حق

ويتعارض هذا الواقع مع قانون التعليم العالي، والذي ينص في المادة رقم 2 على أن "التعليم العالي حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط العلمية والموضوعية المحددة في هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه".

لكن في الواقع ليس ما كل ما يتمنى المرء يدركه، إذ لم يتمكن مهند أبو ناجي (19 عاماً) من اللحاق بركب التعليم الجامعي على الرغم من أنه لجأ إلى العمل من أجل ادخار عوائده للدراسة، لكنه وجد نفسه مضطراً إلى استثمار العائد المادي في سد رمق أسرته القاطنة في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة.

أنهى أبو ناجي الثانوية العامة قبل عام واحد بمعدل (71%)، ومنذ ذلك الوقت وهو يعمل في أحد المولات التجارية في مدينة غزة بأجر يومي زهيد، يقول إنه للأسف لا يعينه (أي الراتب) على استكمال مشواره التعليمي.

وأضاف الشاب "أعمل 12 ساعة يومياً على أمل ادخار الراتب من أجل الالتحاق بكلية التمريض، غير أنني فضلت توفير لقمة العيش لأسرتي على دراستي، وخصوصاً أنني المعيل الوحيد للأسرة بعد تعطل والدي عن العمل."

وأوضح أبو ناجي أنه قضى عاماً كاملاً على هذا النحو من العمل، غير أنه بدأ يفقد الآن شغفه وحلمه في الالتحاق بالجامعة. وقال والاستياء جلياً على وجهه: "الفقر لا يؤجل أحلامنا فقط وإنما يتحكم في مصائرها!"

وهذا حال الكثيرين من الشبان والفتيات من قطاع غزة، الذين حرمهم الفقر من استكمال المشوار التعليمي الذي تعطل بانتهاء المرحلة الثانوية، فضلاً عن آخرين انقطعت أقدامهم عن القاعات الدراسية بفعل العجز عن سداد الرسوم الجامعية.

ووفقاً للحملة الوطنية لتخفيض الرسوم الجامعية، فإن 35% من طلبة قطاع غزة أجّلوا دراستهم بسبب عدم قدرة الطلبة على الإيفاء بالالتزامات المالية، بينما تشير التقديرات المحلية إلى أن أكثر من 20 ألف شهادة جامعية تحتجزها الجامعات لعدم سداد الطلبة الرسوم المستحقة عليهم.

أقل تكلفة

نور حسام (18 عاماً) اجتازت الثانوية العامة قبل أيام ومعها 59 ألف طالب وطالبة على مستوى الضفة الغربية وقطاع غزة، لم تسعفها ظروف والدها، الموظف الحكومي، بأن تكمل مشوارها نحو كلية الصيدلة التي كانت تحلم بها منذ الطفولة. فاضطرت إلى قبول تخصُّص آخر أقل تكلفة من سابقه.

وقالت نور الحاصلة على معدل 80% في الفرع العلمي: "كان لدي حلم بدخول كلية الصيدلة، غير أن الظروف الاقتصادية التي نمرّ بها كأسرة حالت بيني بين هذا الحلم، لذلك قمت بالتسجيل في كلية العلوم الصحية مجبرة لأنها البديل الأقل تكلفة من سابقتها."

في المقابل، قال والد الطالبة نور "في الوقت الذي تطالبنا جامعاتنا بالدفع بالدينار، فإنني تلقيت تعليمي الجامعي في الجزائر بالمجان واشتمل ذلك على مسكن وبطاقة تنقّل.. أليس الأوْلى أن يتلقى أبناؤنا التعليم بالمجان في بلدهم!؟"

ووفقاً للدليل الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي، يوجد في قطاع غزة 17مؤسسة تعليم عالٍ معترف بها، وهي موزعة على النحو التالي: (6 جامعات تقليدية- 5 كليات جامعية- 6 كليات مجتمع متوسطة)، بينما هناك 11 مؤسسة أُخرى غير معترَف بها بسبب الانقسام السياسي.

وتعاني هذه الجامعات والكليات أزمات مالية متلاحقة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة للعام الخامس عشر على التوالي، وفي ظل تخفيض موازنة الحكومة الفلسطينية للجامعات بسبب الانقسام السياسي منذ سنة 2007، الأمر الذي جعل جزءاً كبيراً منها يعتمد اعتماداً رئيسياً على رسوم الطلبة في تغطية نفقاتها.

إجراءات عقابية

في ضوء ذلك، اتخذت الجامعات سلسلة من الخطوات العقابية بحق المتخلفين عن دفع الرسوم الجامعية من الطلبة، كان منها إغلاق صفحات الطلبة الإلكترونية والحرمان من دخول القاعات الدراسية وقاعات الامتحانات أيضاً.

أثارت هذه الإجراءات جدلاً وانتقاداً واسعاً في أوساط الطلبة وذويهم على حد سواء في قطاع غزة، باعتبار أنها حرمت المئات من الطلبة من الحصول على حقهم في التعليم.

من جهته وأوضح إبراهيم الغندور منسق الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية، أن نسبة الالتحاق بالجامعات بلغت خلال سنة 2014 في قطاع غزة 95 ألف طالب وطالبة، بينما تراجع عدد الملتحقين في 2019-2020، إلى 82 ألف طالب وطالبة، مرجعاً ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها القطاع بفعل حالتيْ الحصار والعدوان وكذلك انتشار جائحة كورونا التي قال أنها تسببت بتضاؤل فرص العمل لدى الكثيرين من أرباب الأُسر.

وأكد الغندور أن الكثيرين من الطلبة انسحبوا قسراً من مشوارهم التعليمي في ظل ارتفاع مستوى الرسوم الجامعية، فضلاً عن فئة كبيرة منهم اتجهت إلى دراسة تخصصات تُجافي تطلعاتهم وأحلامهم نتيجة عدم قدرة الأهالي على دفع رسوم كليات القمة، كالطب والهندسة والصيدلة.

وعبّر منسق الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية عن استيائه من سلوك بعض المؤسسات التعليمية العليا، والتي تلجأ أحياناً إلى طرد الطلبة من قاعات الاختبارات، وتأخير دخولهم إليهم، ومنعهم من التسجيل للفصول الدراسية بسبب تراكم الرسوم المستحقة عليهم.

ولمعالجة أثار ما سمّاه "قتل أحلام آلاف الطلبة"، شدد الغندور على ضرورة إقرار صندوق وطني لدعم الطالب الجامعي، لما لذلك من آثار إيجابية في دفع أحلام الشباب قدماً نحو المستقبل، كما دعا الجامعات إلى ضرورة الاستجابة لنداء الطلبة بتخفيض الرسوم الجامعية التي قال إنها غير ملائمة للظرف المُعاش في القطاع، والذي زاد في نسبة الفقر والبطالة إلى نحو غير مسبوق.

وكذلك دعا الحكومة الفلسطينية إلى إعادة النظر في موازنات التعليم الجامعي التي خفضتها منذ سنة 2007 بسبب استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني.