الأخبار اللبنانية
تزامناً مع بدء العام الدراسي الاثنين الماضي، بدأ الأشخاص الأكثر احتياجاً في غزة، يتوافدون برفقة أطفالهم، إلى الإسكافي الذي يحتلّ مساحة في مختلف الأسواق الشعبية المنتشرة في محافظات القطاع الخمس.
الخياط خليل حمدان (64 عاماً)، يتّخذ من سوق الزاوية وسط مدينة غزة، مقرّاً لمهنته، حيث يقيم ماكينة بالية داخل ممر قديم ذي سطح مقبب، بالكاد يتّسع لزبونين، غير أنه تزاحم فوق رأسه أكثر من خمسة زبائن. جاؤوا جميعهم لرتق أحذية وحقائب أطفالهم المدرسية. يعتمد حمدان، الذي يضع نظارة سميكة فوق عينيه، على هذه المهنة منذ أكثر من أربعة عقود، وهو مستمر بها إلى الآن رغم تجاوزه سن التقاعد. ويقول إن أصحاب الحِرَف البسيطة لا يمكنهم أن يتقاعدوا عن عملهم حتى لو أصابهم الوهن، لأن في ذلك فقداناً لمصدر الرزق الوحيد.
يشير الرجل إلى أن هناك عدداً لا بأس به من الناس انضمّوا أخيراً إلى قائمة زبائنه، مستدلاً بذلك على اتساع رقعة الفقر في القطاع، ولا سيما بعد جولة الحرب الأخيرة التي تسببت، وفقاً لبيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، في تضخم نسبتَي الفقر والبطالة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى 89%.
إسكافي آخر، يدعى محمد أبو خاطر، تزاحم عنده زبائن آخرون. يقف الرجل أمام ماكينة طويلة والعرق يتصبّب من جبينه وهو يرتق فردتَي حذاء صغير لطفل يبدو أنه لم يتجاوز عامه العاشر. تتأرجح مهمة أبو خاطر، الذي يعمل في هذه المهنة مذ كان طفلاً، بين الرتق واستبدال النعال المسحوقة. «ربما تكون مهنة الإسكافي قد اندثرت في بلدان أخرى، بفعل إغراق الأسواق بالأحذية الصينية الرخيصة الثمن، غير أنه في غزة الأمر مختلف تماماً، فسوء الأحوال الاقتصادية أضاف الموظفين إلى قائمة زبائننا» يقول.
سيدة تدعى أم عصام، من سكان مدينة غزة، انتقلت من عند الإسكافي إلى متجر للحياكة، تحمل حقائب أطفالها الأربعة الذين يتلقّون تعليمهم في مدارس تتبع وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، بغية إصلاح الزمام المنزلقة. تقول أم عصام، وهي زوجة لرجل متعطّل عن العمل منذ نحو عامين، إن «قلة ذات اليد حالت دون شراء حقائب مدرسية جديدة لأطفالي، لذلك لجأتُ إلى رتق وإصلاح حقائبهم القديمة»، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الاحتياجات المتراكمة على كاهل الزوج لا يستطيع الإيفاء بها نتيجة تزاحم المواسم؛ الأعياد، المدارس،... فضلاً عن عدم توفّر مصدر للدخل سوى المساعدات الإغاثية التي يتلقّونها.
رب أسرة، فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، كان يفضّل أن يبقى التعليم إلكترونياً حتى لا يضطرّ إلى شراء كسوة مدرسية وحقائب وقرطاسية، وبخاصة أنه كان يعمل طاهياً في أحد المطاعم وقد توقّف عن العمل بفعل تعرّض المطعم للخسارة والإغلاق. «آخر ما كنت أتوقعه أن يبدأ أطفالي عامهم الدراسي الجديد بزيّ قديم وأحذية مرتقة»، غير أنه لا يجد بداً من فعل ذلك، كما يقول.
الجدير ذكره أن 80 في المئة من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر في ظل استمرار الحصار والإغلاق والاعتداءات والممارسات الإسرائيلية، بحسب ما يفيد به رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين، سامي العمصي، فقد فقد أكثر من 150 ألف عامل مصدر رزقهم أثناء سنوات الحصار، منهم نحو 30 ألفاً انضمّوا إلى صفوف البطالة في الشهرين الأخيرين، فيما قدّر إجمالي العاطلين عن العمل، بأكثر من ربع مليون شخص.