كيف نواجه شُح المياه والطعام تحت الحرب؟

كيف نواجه شُح المياه والطعام تحت الحرب؟

منذ أكثر من 460 يومًا، يعاني قطاع غزة من حرب مستمرة تؤثر بشكل كبير على حياة المدنيين في كافة جوانبها، بما في ذلك توفير الموارد الأساسية مثل المياه والطعام. إضافة إلى الحصار المستمر، أدى النزاع إلى تدمير البنية التحتية الحيوية، مما جعل الوصول إلى هذه الموارد أمرًا بالغ الصعوبة. إذ يعيش معظم سكان قطاع غزة في فقرٍ مدقع في ظلّ معدّلات بطالة مرتفعة تصل إلى 80%، ونسبة فقر تكادّ تبلغ 100% وفقًا لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية. في هذه الظروف الصعبة، أصبح التكيف مع نقص المياه والطعام مسألة بقاء بالنسبة للكثير من العائلات.

أسباب نقص المياه والطعام في قطاع غزة

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى نقص حادّ في المياه والطعام في قطاع غزة، نتيجة للظروف الاستثنائية التي يمر بها القطاع:

تدمير البنية التحتية: تعرضت شبكات المياه والصرف الصحي والبنية التحتية الأساسية للقصف والتدمير المستمر، مما جعل من الصعب توفير المياه النظيفة. كما أدت الحرب إلى تعطل قدرة القطاع على إصلاح هذه المنشآت أو استبدالها.

انقطاع إمدادات الطعام: تعرضت سلاسل الإمداد الغذائية إلى شلل تام نتيجة للإغلاق المتواصل للمعابر وقيود الحركة المفروضة على البضائع والأشخاص. وهذا جعل الحصول على الغذاء أمرًا بالغ الصعوبة.

الإغلاق والحصار: فرض الحصار الإسرائيلي في ظلّ الحرب على القطاع أدى إلى تضييق الخناق على القطاع؛ ما ساهم في تقليص قدرته على استيراد المواد الغذائية والمواد الأساسية مثل الأدوية والمعدات الزراعية. إذ انخفضت الصادرات في عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه بنسبة 13% والواردات بنسبة 11% في عموم فلسطين، كما انخفضت نسبة التبادل التجاري إلى أقل من 4% بسبب التوقف شبه التام في سلاسل الإمداد من وإلى قطاع غزة أدى إلى كارثة صحية وغذائية في جميع أنحاء القطاع.

الدمار الزراعي: تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية الزراعية جعل من الصعب على الفلسطينيين في غزة توفير احتياجاتهم الغذائية المحلية. إضافة إلى ذلك، أصبح من الصعب إيجاد مياه صالحة للري بسبب تدمير شبكة المياه.

التأثيرات المباشرة على الحياة اليومية للمدنيين

إنّ نقص المياه والطعام في قطاع غزة له تأثيرات مباشرة على حياة المدنيين:

الأمراض والمشاكل الصحية: يعاني العديد من سكان القطاع من أمراض تنجم عن نقص المياه النظيفة، مثل الإسهال والكوليرا، وهو ما يشكل تهديدًا على الصحة العامة.

الجوع وسوء التغذية: يشهد قطاع غزة معدلات مرتفعة من سوء التغذية، خاصة في صفوف الأطفال وكبار السن، بسبب انقطاع إمدادات الطعام وارتفاع الأسعار.

الضغط النفسي والتوتر: يصاحب نقص الطعام والماء مستويات مرتفعة من القلق والتوتر النفسي لدى الأسر، حيث يصبح تأمين هذه الاحتياجات أمرًا يوميًا يؤثر على استقرارهم النفسي والاجتماعي.

استراتيجيات التكيف مع نقص المياه والطعام في قطاع غزة

رغم الأوضاع الصعبة، اعتمدت العديد من الأسر في قطاع غزة استراتيجيات تكيفية مبتكرة للتعامل مع نقص المياه والطعام:

جمع المياه وتخزينها: في كثير من المناطق، يعتمد السكان على مياه الآبار التي يعادّ تنقيتها باستخدام فلاتر منزلية؛ للاستخدام في الشرب والتنظيف.

الزراعة المنزلية: في ظل تدمير الأراضي الزراعية، بدأت بعض الأسر في زراعة الخضروات والفواكه داخل المنازل أو على الأسطح باستخدام تقنيات مثل الزراعة العمودية أو الزراعة المائية التي تتطلب كمية قليلة من المياه.

إعادة استخدام المواد الغذائية: يتم استخدام الأطعمة المتبقية من وجبات سابقة بشكل مبتكر لتحضير وجبات جديدة. كما بدأت بعض العائلات في تخزين الطعام لفترات طويلة باستخدام أساليب مثل التجفيف أو التعليب.

الاعتماد على المساعدات الإنسانية: رغم قلة المساعدات المقدمة نتيجة الحرب، إلا أن العديد من الأسر في قطاع غزة تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية.

دور المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في دعم غزة

تستمر المنظمات الإنسانية في تقديم الدعم اللازم، رغم التحديات التي تواجهها في الوصول إلى القطاع بسبب الحصار والقيود الأمنية:

تقديم المساعدات الغذائية: يواصل برنامج الأغذية العالمي (WFP) وغيرها من المنظمات الإنسانية تقديم المساعدات الغذائية للمحتاجين. تشمل هذه المساعدات توزيع حصص غذائية أساسية مثل الأرز والدقيق والزيت.

إعادة بناء البنية التحتية: تعمل بعض المنظمات على دعم مشاريع لإعادة بناء شبكات المياه والصرف الصحي المتضررة في مناطق متعددة من غزة. إلا أن هذه المشاريع تحتاج إلى مزيد من التمويل والوقت لتكون فعالة.

الرعاية الصحية والتوعية: تقدم المنظمات الصحية الرعاية للأشخاص الذين يعانون من الأمراض الناتجة عن نقص المياه والطعام. كما توفر حملات توعية للحد من انتشار الأمراض المعدية.

التحديات المستقبلية والتكيّف طويل المدى

على الرغم من التكيف الحالي مع نقص المياه والطعام، فإن قطاع غزة يواجه تحديات كبيرة في المستقبل:

استمرار الحصار والنزاع: طالما استمر الحصار والنزاع، فإن الوضع الغذائي والمائي في غزة سيبقى هشًا. من الصعب أن يتحقق التكيف الدائم بدون حل سياسي ينهي هذه الأزمات.

تغير المناخ: سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة الضغوط على موارد المياه المتاحة في قطاع غزة، مما يجعل من الصعب تلبية احتياجات السكان الأساسية.

الاعتماد المستمر على المساعدات: في ظل استمرار الحصار، سيبقى الاعتماد على المساعدات الإنسانية أحد الحلول المؤقتة التي لا توفر استدامة أو أمان طويل الأمد.

في ظلّ الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، ومع معدلات البطالة العالية وفقر شامل يعاني منه معظم السكان، أصبح التكيف مع نقص المياه والطعام مسألة حيوية من أجل البقاء. تتجسد مرونة الشعب الفلسطيني في غزة في استخدام استراتيجيات مبتكرة للتعامل مع الظروف الصعبة. إلا أن الحل الجذري لهذه الأزمات لا يأتي إلا من خلال التوصل إلى حلٍ سياسي شامل ينهي النزاع، ويوفر بيئة مستقرة وآمنة للسكان.