اليونسيف
وُلد سعد والذي يبلغ الآن من العمر عشرة أشهر، مباشرة بعد أن كانت والدته قد أُجبرت على الفرار من منزلهم. لقد كان مَقدمه بصيصاً من الأمل في الشهور الأولى للحرب. تقول نجاح وهي تمسك بصورة سابقة لطفلها: "كنت مليئة بالفرح والترقب لرؤيته، لقد كان مثل القمر."
لكن عندما بلغ سعد شهره السابع، بدأت ملامحه بالتغير. إذ أصبح هزيلاً وضعيفاً. أصيب سعد بسوء التغذية الحاد، مثله مثل 60.000 طفل آخرين في قطاع غزة ممن تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 59 شهراً. لقد صَعَّبت الحرب على الفلسطينيين الحصول على الطعام بشكل كبير بسبب إغلاق طرق الإمداد إلى غزة وتدمير الأسواق، والتدمير الفعلي لـ70% من الأراضي الزراعية. ونتيجة لذلك، ارتفعت معدلات سوء التغذية الحاد بين السكان عشرة أضعاف.
عدد الشاحنات التي سُمح لها الدخول إلى غزة في أكتوبر 2024 قل بشكل كبير جداً مقارنة بأي شهر آخر منذ بداية الحرب، وأسعار البضائع المتوفرة في الأسواق الآن باهظة الثمن بشكل يفوق القدرة الشرائية للسواد الأعظم من السكان.
عادةً ما يتطلب علاج سوء التغذية نظاماً غذائياً ثابتاً من المكملات العلاجية والأطعمة والمياه النظيفة، وعلاجاً متخصصاً يستمر لمدة تتراوح ما بين ستة إلى ثمانية أسابيع. ولكن نجاح تشعر باليأس بسبب عدم قدرتها على توفير الكمية الكافية من تركيبة الحليب الصناعي الخاصة التي يحتاجها سعد. تقول نجاح: "نحن نعيش في خيمة ولا شيء مستقر. زوجي عاطل عن العمل، وأنا أحتاج إلى التغذية لنفسي لأني مُرضعة، ولسعد الذي يعاني سوء التغذية."
تعرضت أسرة نجاح للتهجير أربع مرات حتى الآن، إذ فروا من منزلهم في شمال غزة ومن ملاجئ مؤقتة أخرى هرباً من القصف والجيش الإسرائيلي.
تقول نجاح والقلق يساورها: "نحن بحاجة إلى كل شيء - مأوى، مياه شرب نظيفة، حليب، ملابس شتوية، مستلزمات تنظيف ودواء لسعد. ينقصنا الكثير". وتضيف نجاح: "في كل مرة أنظر إلى سعد ينفطر قلبي، ولا أعلم إن كنت سأفقده أو أجد العلاج المناسب له."
تقول لجنة المراجعة التابعة لأداة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهي مجموعة عمل تعنى في موضوع انعدام الأمن الغذائي: "كل يوم يمر دون دخول المزيد من الطعام إلى قطاع غزة، يعرض الأرواح للخطر. بعض المناطق في الشمال تواجه قيوداً شديدة في ما يتعلق بالوصول، وشبح المجاعة يلوح في الأفق.
تحدث المجاعة عندما تعاني أسرة معيشية واحدة من بين كل خمس أسر نقصاً شديداً في الطعام، وحين يعاني طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال من سوء تغذية حاد، وعندما تُسجَل حالتا وفاة بين البالغين، أو أربع وفيات بين الأطفال يومياً لكل 10.000 شخص.
في شهر أكتوبر، تمكنت اليونيسف وشركاؤها من تجاوز العقبات وحشد جهود وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وقادة المجتمع المحلي لتقديم الدعم الغذائي لـ 428.306 طفل، وهو أعلى مستوى وُصِل إليه على الإطلاق في قطاع غزة في شهر واحد. حيث وُفِرَ مسحوق المغذيات الدقيقة، ومكملات فيتامين أ، وعلاجات الهزال لعشرات آلاف الأطفال. كما حصلت الأمهات الحوامل أو المرضعات على مغذيات دقيقة وفيتامينات.
لقد أُجري فحصاً طبياً لسجى وابنتها شام ذات الستة أشهر في عيادة أطفال مدعومة من اليونيسف في دير البلح. هناك، قاست الدكتورة هديل محيط منتصف العضد-الجزء العلوي من الذراع-(MUAC) لشام كجزء من فحص التغذية. تقول سجى إنها تواجه صعوبة في إرضاع طفلتها شام طبيعياً بسبب سوء تغذيتها الشخصية والصدمة الناجمة عن الحرب.
تقول سجى: "الظروف الصحية في الخيام سيئة للغاية، وكان حملي صعباً ومجهداً للغاية في هذه الظروف. كنت مرهقة جداً طوال فترة الحمل، والآن لا أستطيع إرضاع ابنتي رضاعة طبيعية كل يوم. وكأن كل هذه المعاناة لا تكفي، فقد أُصِبت أيضاً في قصف أثناء حملي، وانتُشِلت من تحت الأنقاض. لقد أثر هذا الأمر على صحتي الذهنية بشكلٍ عميق".
تقول الدكتورة هديل إنه في عيادتها وحدها، يُشَخَص حوالي 30 طفلاً أسبوعياً بسوء التغذية الحاد.
وتضيف د. هديل: "إن الظروف داخل مخيمات النازحين متردية للغاية وبالغة الصعوبة على الأطفال وعائلاتهم، وهذا سبب وجودنا هنا. يُسجل محيط منتصف العضد لكل طفل ويُزَوَد بـ14 عبوة من الفيتامينات، ويُطلب من الأبوين إجراء مراجعة طبية للطفل كل 14 يومًا".
متى ستنتهي هذه الأزمة؟
في الوقت الراهن، يتوقع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) أن الظروف مهيأة لتتحقق أسوأ السيناريوهات المحتملة: انتشار المجاعة في جميع أنحاء قطاع غزة لتطال سكانه البالغ عددهم مليوني شخص بين نوفمبر 2024 وأبريل 2025. كما أن احتمال حظر الأونروا، الوكالة التي تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وأغلب سكان غزة، يعد عاملاً آخر يدفع الوضع نحو كارثة حقيقية.
أنجبت إيمان أطفالها الأربعة بعد عشرة أعوام من المحاولات، وهي مستنزفة من محاولة رعايتهم في ملجئها المؤقت دون غذاءٍ كافٍ ونقص كبير في المستلزمات الضرورية.
كما حصلت إيمان، وهي أم تبلغ من العمر 29 عاماً ولديها أربعة أطفال توائم، على تركيبة حليب صناعي جاهزة للاستخدام من أحد شركاء اليونيسف.
تقول إيمان: "لقد هُجِرت منذ بداية الحرب وأنجبت في خِضمها. لقد كانت حالتي أثناء الحمل سيئة جداً؛ بسبب نقص الطعام والمرض المستمر لغياب أبسط شروط النظافة."
وتضيف إيمان: "لقد وصل أطفالي إلى هذا العالم بعد عشر سنوات من العلاج للتخصيب. إنني مرهقة من النوم على الأرض ومن القصف المستمر، لكني أحلم بمستقبل أفضل لأطفالي، حيث يجدون الأمان والحياة الكريمة مع الضروريات الأساسية."
تواصل اليونيسف توفير الإمدادات الغذائية والصحية للأطفال وعائلاتهم في قطاع غزة بدعمٍ من حكومات بولندا وإسبانيا، مؤسسة بيل ومليندا غيتس، ولوريال. ومن المتوقع أن تحافظ على استمرار تدفق هذه الإمدادات الحيوية حتى يونيو 2025 على الأقل.