كيف تبخر حلم الإنجاب؟: طبيب يروي القصة

الأجنة المجمّدة تحت الركام

كيف تبخر حلم الإنجاب؟: طبيب يروي القصة

غزة، المدينة التي لا تكف عن معايشة المآسي، كانت على موعد مع قصة جديدة من الألم والفقدان. هذه المرة، لم يكن الحديث عن أرواحٍ تُزهق فقط، بل عن أمل آلاف الأسر الفلسطينية في الإنجاب، الذي ذهب أدراج الرياح تحت وطأة الحرب على قطاع غزة والتي اندلعت منذ 13 شهراً ولم تزل.

في حديث مؤلم ومؤثر، يروي الدكتور بهاء الدين يوسف محمود الغلاييني، البالغ من العمر 74 عاماً، وهو طبيب نساء وولادة وأخصائي إخصاب، المأساة التي عاشها مركزه الطبي للإخصاب وأطفال الأنابيب في مدينة غزة خلال الحرب الدائرة.

الدكتور الغلاييني، الذي يدير مركز "بسمة الطبي للإخصاب" منذ عام 1997، تحدث في سياق إفادة للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، عن الأضرار التي لحقت بالمركز، والألم الذي خلفه فقدان الآلاف من الأجنة والعينات المخزنة، التي كانت تمثل الأمل الأخير للعديد من الأزواج.

قرار صعب وسط أصوات الانفجارات

مع بداية الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، أدرك الدكتور الغلاييني أن الأوضاع تتجه إلى تصعيد خطير. وقال: "صوت الانفجارات في صباح ذلك اليوم كان كفيلاً بإخبارنا أن غزة على وشك مواجهة أيام عصيبة، لذلك قررنا تعليق العمل في المركز، وأبلغنا المراجعات بأن العمليات والحقن ستؤجل، وأن الأجنة سيتم تجميدها حتى انتهاء العدوان".

وتحدث الغلاييني عن التكلفة الباهظة للعلاج، حيث تبلغ تكلفة البرنامج الواحد للإخصاب حوالي 700-750 دولار، وهو ما يجعل الأمر أشد إيلاماً للأسر التي فقدت فرصتها في الإنجاب بسبب الحرب.

وأوضح أن المركز كان يحتفظ بـ 4000 جنين مجمّد، و1000 عينة نطفة، مخزنة في حافظات خاصة تُستخدم فيها مادة النيتروجين السائل للحفاظ على درجة حرارة تبلغ 183 درجة تحت الصفر. وأضاف قائلاً: "كانت هذه العينات تمثل أمل الحياة والإنجاب لأزواج فقدوا قدرتهم الطبيعية على الإنجاب، وبعضهم يعاني من أمراض مستعصية مثل السرطان."

ومع تصاعد وتيرة القصف وتلقي سكان غزة شمالاً تعليمات بالإخلاء، اضطر الغلاييني إلى الانتقال مع عائلته إلى خانيونس، ثم إلى مصر في 7 نوفمبر 2023. لكنه واصل متابعة أوضاع المركز من خلال مدير المختبر الدكتور محمد عجور.

الغلاييني تحدث بحسرة عن المحاولات المتكررة للتواصل مع منظمات حقوق الإنسان والصليب الأحمر لضمان تأمين الأجنة والعينات، قائلاً: "طلبنا التنسيق لنقل حافظات الغاز الضرورية، لكن الاحتلال رفض. اضطررنا في نهاية المطاف لتجميع الأجنة في حافظة واحدة للحفاظ على ما يمكن إنقاذه."

وأشار الغلاييني إلى حادثة مشابهة وقعت خلال الحرب في أوكرانيا، حيث تمكنت منظمات دولية من تأمين مركز إخصاب ونقل الحافظات إلى دولة أخرى. وقال: "كنا نأمل أن يحدث الأمر ذاته معنا، لكن العالم اختار أن يغض الطرف."

الضربة الأخيرة... الحلم الذي تلاشى

وفي نهاية ديسمبر 2023، تلقى الدكتور الغلاييني صورة مروعة من مدير المختبر، تُظهر تدمير مختبر الأجنة بالكامل بعد قصف إسرائيلي مباشر. وأضاف بأسى: "القذيفة أصابت المختبر، مما أدى إلى تلف الحافظة وتسرب الغاز. كانت النتيجة فقدان الأجنة والعينات بالكامل."

إلى جانب خسارة الأجنة، تسبب القصف بأضرار بالغة في مبنى المركز وأجهزته، مما أدى إلى تعطيل العمل لأكثر من عام، وعبر رئيس مركز البسمة للإخصاب عن الألم الذي يشعر به تجاه عشرات الأسر التي فقدت أملها في الإنجاب للأبد، فضلاً عن التأثير السلبي على حياة العاملين في المركز.

أنهى الدكتور الغلاييني حديثه قائلاً: "نحن لسنا مجرد أرقام تُذكر في نشرات الأخبار. نحن جزء من أمل كبير يتحدى الموت والدمار. حلم الإنجاب قد يبدو مستحيلاً الآن، لكنه سيظل قائماً مادام هناك من يقاتل من أجل الحياة."

تشكل قصة مركز "بسمة الطبي للإخصاب" هي واحدة من آلاف القصص التي تعكس عمق المأساة التي تعيشها غزة. ففي كل زاوية من هذه المدينة المنكوبة، هناك حلم يتبدد، لكن الأمل يبقى حياً في قلوب سكانها.