جبريل وزوجته زوجين مسنين في السبعينيات من عمرهما، تعرضا للنزوح عدة مرات بسبب الحرب، وانتقلا من شمال غزة إلى جنوبها بعدما تدهورت الأوضاع. وفي نهاية المطاف، استقرا في أحد ملاجئ الأونروا. ورغم الصعوبات، لا يزالان متمسكين بالأمل في أن تتوقف الحرب وتعود حياتهما إلى طبيعتها.
يقول جبريل إن الأونروا كانت دائمًا شريان حياة لهما. فقد استفادا من خدماتها طوال حياتهما، من التعليم الذي تلقاه أولادهما وأحفادهما في مدارسها إلى الرعاية الصحية التي وفرتها عياداتها. كانت الأونروا دائمًا مصدر دعم وطمأنينة في أوقات الحاجة، كما يقول.
ماذا يعني وجود الأونروا بالنسبة لسكان قطاع غزة؟
أنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئين فلسطين (الأونروا) بموجب القرار رقم 302 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، ويتم تمويلها بالكامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. منذ عام 1950، ساهمت الأونروا في رفاهية لاجئي فلسطين وتنميتهم البشرية، والذين يُعرَّفون بأنهم "أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران/يونيو 1946 وأيار/مايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1984".
منذ ذلك الحين تقدم الوكالة الأممية خدمات متعددة للفلسطينيين اللاجئين في خمس مناطق من بينها قطاع غزة والذي يزيد عدد سكانه عن اثني مليون نسمة، وتشمل خدمات الوكالة: التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والقروض الصغيرة والاستجابة لحالات الطوارئ في أوقات النزاع المسلح.
غير أنه مع اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 تواجه المنظمة تهما وتحريضا "ومعلومات كاذبة ومضللة، حول موظفيها وعملياتها" تهدف كما تقول لحظر عملها.
الأرملة المسنة أمينة حمدان (63 عاماً) وهي لاجئة تنحدر من مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، قالت إن وقف عمل الأونروا يفقدها الأمل في الحصول على العلاج المجاني والحصول على المساعدات، حيث تحصل هي وغيرها الآلاف على خدمات متعددة عبر الأونروا.
قبل اندلاع الحرب كانت تعتمد السيدة حمدان على المعونة الإغاثية التي كانت تتلقاها دورياً عبر الأونروا وكانت تغطي كافة احتياجات أسرتها من دقيق ومواد غذائية فضلا عن تلقيها خدمات الرعاية الصحة، والحصول على علاج ضغط الدم بالمجان، وتشير إلى أن حظر عمل المنظمة الأممية سيجعلها في مواجهة مع الجوع والموت نظراً لعدم توفر مصدر دخل لأسرتها التي تعاني الآن من ويلات الحرب.
وعلى الرغم من اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الأمم المتحدة، إلا أن الكنيست الإسرائيلي، وافق على مشروع قانون يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، في إسرائيل.
وأقر أعضاء الكنيست، المشروع بأغلبية 92 صوتا مقابل 10 أصوات معارضة، بعد سنوات من الانتقادات الحادة "للأونروا" والتي بدورها انتقدت القرار ووصفت الخطوة بأنها "شائنة".
ويتعين بناء على هذا القرار وقف عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة، الأمر الذي يدفعنا للتعمق أكثر في عمل المنظمة واستعرض حجم الخدمات التي تقدمها وانعكاس ذلك على السكان المدنيين الذين يعانون ويلات الحرب منذ ما يزيد عن 400 يوم، وكانوا من الأصل يعانون ظروفاً معيشية قاهرة نتيجة الحصار والفقر وانعدام مصادر الدخل.
ما الذي يمكن أن يخسره سكان غزة بوقف خدمات الأونروا؟
في الواقع، وبحسب ما تقوله المنظمة الأممية فإنه لا يوجد ما يعادل البنية التحتية الراسخة للأونروا أو يعادل فعاليتها من حيث التكلفة في أي مكان آخر في الأمم المتحدة. حيث تدير الوكالة مباشرة خدمات عامة حيوية (المدارس والمراكز الصحية والحماية الاجتماعية)، ومعنى ذلك أن كل هذه المؤسسات ستتوقف عن تقديم خدماتها للسكان.
مع وجود أكثر من مليوني شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة في غزة- حيث يوجد لدى الأونروا حوالي 13 ألف موظف- لا توجد وكالة أخرى قادرة على الاستجابة على النطاق المطلوب في الوقت الحالي، تقول المنظمات الأممية.
وأكدت وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية الدولية على أهمية الدور الذي لا غنى عنه للأونروا في غزة وأعلنت علنا دعمها للوكالة.
خدمات قطاع التعليم:
لم ينفك الطفل محمد عامر (13 عاماً) يتساءل عن مستقبله التعليمي، بعدما تعطل قسرا نتيجة الحرب التي كان أكثر من 30% من ضحاياها من الأطفال. ولا يعلم محمد ما الذي يمكن أن يؤثره وقف عمل الأونروا على المستقبل التعليمي للأطفال اللاجئين في قطاع غزة.
وانتهى المطاف بالطفل محمد، بالإقامة رفقة أسرته داخل غرفة صفية في مدرسة تابعة للوكالة الأممية تقع إلى الغرب من مدينة غزة، بعد رحلة نزوح شاقة ومرهقة. وينشغل الآن بجمع الحطب والمياه، ويقول إنه يتوق شوقا لدخول المدرسة كطالب علم وليس كنازح، لكن الأمر مناط بوقف الحرب، كما قال.
ومن غير الواضح إذا ما كانت الأونروا قادرة على فتح أبواب مدارسها التي أصبحت مأوى للنازحين، أمام قرابة 300 ألف طالب وطالبة من قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، لاسيما في حال أصبح قرار الكنيست الإسرائيلي ساري المفعول.
وتشمل خدمات الأونروا للتنمية البشرية والخدمات الإنسانية التعليم الابتدائي والإعدادي والمهني، لـ"294.086" طالب وطالبة من سكان قطاع غزة. كما يوجد 183 مدرسة تقدم خدماتها لأطفال ينمون في ظروف قاتمة، لاسيما أنهم محاطين بالفقر والعنف. تقول المعلمة أسماء كريم (38 عاماً) وهي إحدى موظفات قطاع التعليم بالأونروا إن المدرسة توفر للأطفال اللاجئين، أحد الأمكنة التي يستطيعون فيها تعلم المهارات من أجل مستقبل أفضل، وبخاصة في ظل انعدام الأفق والفقر الشديد الذي تعانيه أسرهم.
وتبدي المعلمة كريم وغيرها المئات من المعلمات والمعلمين المنخرطون في سلك التعليم بالوكالة الأممية، تخوفاً كبيراً على مستقبل الأطفال وكذلك يبدون قلقاً شديداً حيال مستقبل وظائفهم التي أصبحت على المحك.
ووفقا لإفادة الأونروا فإن 63% من المدارس تعمل بنظام الفترتين حيث يستضيف المبنى الواحد مدرسة وطلابها في الفترة الصباحية ومدرسة أخرى بطلاب مختلفين في الفترة المسائية (7% أيضًا من المدارس تعمل بنظام الثلاث فترات ).
وإلى جانب خدمات التعليم الأساسي لدينا، توفر الأونروا فرصا تدريبية مهنية وفنية لحوالي 1000 طالب سنويا في مراكزها التدريبية في غزة وخان يونس، وهي تستهدف الطلاب ضعيفي التحصيل الأشد فقرا والأكثر عرضة للمخاطر. ويوفر التدريب للطلاب المساحة من أجل تطوير أنفسهم وتطوير مهاراتهم، الأمر الذي يمكن أن يساعدهم في العثور على طريقهم للخروج من الفقر الذي يعيشون فيه.
خدمات الصحة:
نتيجة للفقر والضغوطات الحياتية التي كان يعيشها السكان الناجمة عن سنوات من الحصار والحروب المتكررة على القطاع منذ قرابة العقدين، تنامت نسب مرضى الأمراض المزمنة وبخاصة ضغط الدم والسكري، الأمر الذي عزز من فرص اعتماد قطاع كبير من المرضى الفقراء على العلاج المجاني الذي تقدمه الأونروا فضلا عن خدمات الرعاية الصحية.
يقول محمود أبو وائل وهو لاجئ فلسطيني في العقد الخامس من عمره يعاني من مرض ضغط الدم، إنه لازال يعتمد على مخزون العلاج الذي كان يتلقاه من عيادة الأونروا في مخيم خانيونس جنوب قطاع غزة، للحفاظ على صحته.
وأوضح أبو وائل المتعطل عن العمل منذ سنوات مضت، أن الأدوية التي كان يتلقاها كان تعينه على مواصلة حياته بحيوية ونشاط، وأنه من دونها كان سيكون طريح الفراش، متسائلاً: "لست أدري ما هو شكل المعاناة التي يمكن أن نعانيها إذا جرى شطب الأونروا عن خارطة العمل الإنساني في غزة، وأوقفت خدماتها قسراً سوا كان ذلك على الصعيد الصحي أو على الصعيد الإغاثي؟!".
إزاء ذلك تقول الأونروا عبر موقعها الإلكتروني، نتيجة سنوات من التدهور الاجتماعي-الاقتصادي والصراع والإغلاق، أصبح قطاع الصحة عبر قطاع غزة يفتقر إلى البنية التحتية المادية وفرص التدريب الكافية. حيث أن المرافق أضحت تعمل فوق طاقتها، وكثيراً ما تتعطل الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وهذه التحديات تزيد من المخاطر التي تهدد صحة السكان الذين يتعرضون إلى أخطار متزايدة من ذي قبل.
وبسبب انعدام الأمن الغذائي والفقر المتزايد، لا يتمكن معظم السكان من تلبية احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية، في حين أن ما يزيد على 90 بالمائة من المياه في غزة أصبحت تعتبر غير صالحة للاستهلاك البشري.
وبحسب الوكالة الأممية فهي تعمل من خلال 22 مركزاً لتقديم خدمات الرعاية الصحية للغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في غزة. كما تقوم الوكالة بتقديم خدمات العيادات والفحوص المخبرية، إلى جانب خدمات صحة الأمومة وتنظيم الأسرة المصممة حسب الاحتياجات الشخصية في جميع مراكزها الصحية. كما توفر خدمات التصوير بالأشعة في ستة مراكز، وخدمات طب الأسنان في 15 مركزاً.
الإغاثة والخدمات الاجتماعية في قطاع غزة
تتبنى الأونروا هدفا أساسيا يرتبط بالتخفيف من معاناة الأسر المعيشية وإدماج عمل التنمية البشرية وجعل الاستعمال الفعال للموارد متاحا. حيث تقول الأونروا نحن نوفر للاجئي فلسطين الفقراء مساعدة شبكة أمان اجتماعي بشكل فصلي، ونعمل على تعزيز التنمية والاعتماد على الذات للأفراد الأقل حظا في مجتمع اللاجئين، وخصوصا النساء والأطفال والشباب والأشخاص ذوي الإعاقات وكبار السن.
وقد أصبحت المعونة الغذائية الطارئة جزءا من تداخل الأونروا منذ وقت مبكر من العام 2000 وذلك عندما عملت الانتفاضة الثانية وتداعياتها على إحداث تغيير جذري للظروف الاجتماعية الاقتصادية لقطاع غزة. ومنذ ذلك الوقت، انتهجنا مقاربات مختلفة لاستهداف من يتلقون المعونة الغذائية الطارئة، بما في ذلك نهج مستند إلى الدخل، مثل عتبة الراتب، إضافة إلى مقاربات تستند إلى الفقر. وفي عام 2013، فإن ما يقارب من 700,000 لاجئ فلسطيني في قطاع غزة يحصلون على مساعدات غذائية طارئة.
ويعد التأهيل المجتمعي جزءا هاما من عمل الأونروا في غزة حسبما قالت، وهو عبارة عن مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف إلى إعادة تأهيل كافة الأشخاص ذوي الإعاقات وإدماجهم اجتماعيا في الوقت الذي نقدم لهم فيه فرصا متكافئة. ونحن نقوم بتنفيذ التأهيل المجتمعي من خلال تضافر جهود الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم مع الخدمات الصحية والتربوية والمهنية والاجتماعية الملائمة. وفي عام 2012، عمل برنامج الإعاقة التابع لدائرة الإغاثة والخدمات الاجتماعية مع ما مجموعه 17,851 رجل وامرأة وطفل ممن يعانون من الإعاقة، يشملون لاجئين مسجلين وأفرادا غير مسجلين.
تشير الوكالة إلى أنها تعمل أيضا على تنفيذ برامج للمرأة خصيصا وذلك عبر سبعة مراكز لبرامج المرأة تهدف إلى تمكين المرأة اللاجئة وتحسين وضعها الاقتصادي وتنميتها الاجتماعية وتعزيز دورها داخل الأسرة والمجتمع على حد سواء إضافة إلى تعزيز ثقتها بنفسها واعتمادها على ذاتها. وفي عام 2012، قدمت مراكز برامج المرأة الخدمة لما مجموعه 28,486 امرأة ووفرت لهن مجموعة واسعة من الأنشطة.
وتولي الأونروا تركيزا خاصا للشباب، وذلك في ضوء وضعهم الحالي والاتفاقيات العديدة التي تتناول حقوقهم، مثل اتفاقية حقوق الطفل. ويسعى برنامجنا لتعزيز رفاه الأطفال والشباب وزيادة مشاركتهم في الأنشطة البناءة. ونحن نعمل على توفير أنشطة لبناء القدرات ورفع الوعي، إلى جانب الفرص الرياضية والثقافية والترفيهية. وفي عام 2012، قدم البرنامج الخدمة لما مجموعه 25,527 طفل وشاب.
وبالإضافة إلى الشباب، تقول الوكالة "نحن نعمل أيضا مع الأيتام. ويقدم برنامجنا الفرعي هذا رعاية خاصة للأيتام من خلال مشروع ممول من قبل جمعية الهلال الأحمر في دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو يقدم معونات نقدية ويهدف إلى تعزيز تقدم الأيتام اللاجئين باعتبارهم شركاء في عملية التنمية وذلك من خلال تعزيز دورهم ومشاركتهم الفاعلة في تنمية عائلاتهم ومجتمعاتهم. وبحلول كانون الأول 2012، قدم البرنامج خدماته لما مجموعه 2459 يتيما".
وتضيف أن برنامجهم يركز أيضا على كبار السن، ويهدف إلى تحسين ظروفهم المعيشية اليومية وتزويدهم بالمساعدة الضرورية وتشجيع مشاركتهم الكاملة في المجتمع. وعلاوة على المعونة النقدية، يقدم البرنامج مساعدات مباشرة مثل كراسي العجلات ومعينات المشي والفرشات الطبية. وبحلول كانون الأول 2012، قدم البرنامج خدماته لما مجموعه 2,474 مستفيدا.
ويقدم برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية التداخلات من خلال وحدة التدخل الاجتماعي وذلك بجمع البيانات حول اللاجئين المسجلين وتقرير نوع التداخل المطلوب. وقد تم تأسيس وحدة التدخل الاجتماعي في نيسان من عام 2013، إلا أنها بدأت عملها بشكل غير رسمي في حزيران من عام 2011. ومنذ ذلك الحين، قمنا بتسجيل 368 حالة من حالات التدخل الاجتماعي.
الاقراض البسيط في غزة
يعتبر قطاع غزة هو الموقع الأول لأنشطة الأونروا في مجال التمويل الصغير، حيث بدأ العمل في عام 1991 برأس مال ابتدائي بأقل من 500,000 دولار، حسبما قالت الأونروا، كما أن العديد من مبادراتها قد تم إطلاقها بداية هناك، بما في ذلك القروض الجماعية لمجموعات من النساء صاحبات الأعمال في عام 1994 والقروض الائتمانية للمشروعات الصغيرة في عام 1997. وعلى مدى السنوات الأربع والعشرين التي تلت القروض الأولى التي تم منحها، استحوذ قطاع غزة على 25.5% من عمل التمويل الصغير، حيث حصل على ما مجموعه 121,248 قرضا بقيمة تصل إلى 158.7 مليون دولار.
وفي السنة التي سبقت اندلاع أعمال العنف في كانون الأول 2006 كما تؤكد الأونروا، حصل الغزيون على 12,000 قرض تصل قيمتها إلى 10.00 مليون دولار. وعلى أية حال، فبعد الحصار والعقوبات اللاحقة أصبح من الصعب أكثر علينا أن نقوم باستدامة النمو الذي قمنا بتحقيقه في السابق. وفي عام 2014، وبسبب الأعمال العدائية التي حدثت خلال شهري تموز وآب، حصل عملاؤنا في غزة على 2,967 قرضا فقط، أي أقل بنسبة 19% من السنة السابقة. وتحسن ذلك في السنوات الثلاث الماضية بنسبة 41% عندما تم تمويل عملائنا بما مجموعه 4,172 قرضا بمحفظة تقدر بمبلغ 6,3 مليون دولار.
وحتى في مثل هذه الظروف السياسية والعملياتية الصعبة، فقد بقيت دائرة التمويل الصغير التابعة للأونروا ملتزمة بمساعدة الغزيين في الوصول إلى القروض والائتمانات التي تمكنهم من تطوير أو توسعة أعمالهم أو بناء أصولهم المنزلية والأسرية أو تغطية مجالات إنفاقهم الأساسية وتلبية حاجاتهم التعليمية والصحية. إن غالبية القروض في غزة (66%) قد استخدمت لمساعدة الأعمال الصغيرة –تلك التي توفر التشغيل لأقل من خمسة عاملين- على تطوير واستدامة احتياطياتها من رأس المال العامل قصير الأجل.
وقد حافظت الأونروا على التزامها بضمان أن كافة الغزيين، مهما كان وضعهم الاقتصادي أو عمرهم أو نوعهم الاجتماعي، يتمتعون بسبل الوصول إلى خدماتنا التمويلية الصغيرة. وقد ارتفعت نسبة عملائنا من الإناث في عام 2017، وهي تبلغ 43%. ويشكل الشباب ممن هم في الفئة العمرية 18-30 سنة ما نسبته 31.3% من عملائنا؛ وفي عام 2017، تلقى أولئك الغزيون الشباب 1,307 قرضا تصل قيمتها إلى 1,99 مليون دولار. إن غالبية عملائنا في قطاع غزة (91%) هم أولئك الذين يعدون من ذوي الدخل المنخفض والذين لا يكسبون أكثر من ضعف خط الفقر الوطني الفلسطيني.
البنية التحتية وتحسين المخيمات في غزة
لازال يشعر النازح الفلسطيني عمر حسونة بالامتنان إلى وكالة الغوث لإعادة بناء مسكنه الواقع في مخيم الشاطئ. وقال حسونة "قبل نحو عشرين عاماً تقدمت بطلب إلى الأونروا لإعادة بناء مسكننا المتهالك وفي ظل العجز عن ترميمه نتيجة انعدام مصادر الدخل، وقد استجابت بالفعل للطلب وقامت بإعادة بناء المسكن".
وأشار الرجل الذي تجاوز عامه الرابع والستين، إلى أنه لولا الأونروا لكان يعيش هو وأسرته المكونة من 12 فرداً تحت تهديد سقف بالٍ وجدران آيلة للسقوط.
واضطر المواطن حسونة للنزوح عن مسكنه بفعل الحرب وانتقل إلى جنوب القطاع في أكتوبر الماضي، ويتمنى إعلان وقف إطلاق النار من أجل العودة إلى حضن مسكنه الذي تلقى إفادات من جيرانه بأنه لازال سليماً متماسكاً رغم أهوال القصف والدمار الذي طال مختلف مناطق قطاع غزة.
في المقابل، تقول الأونروا إنه جرى تأسيس برنامج البنية التحتية في غزة بهدف تحسين الظروف المعيشية للاجئي فلسطين من خلال تخطيط وتصميم وإنشاء مرافق ومساكن ومدارس ومراكز صحية تابعة للأونروا، وأيضا من خلال التخطيط الشامل لقطاع الصحة البيئية. كما يعمل برنامجنا أيضا على ترميم أعمال المجاري والصرف الصحي وآبار المياه ومعالجة المياه العادمة في مخيمات اللاجئين والمناطق المحيطة بها.
وقد توقف برنامج إعادة تأهيل المساكن لدواعي مختلفة أبرزها شح التمويل، غير أنه وبعد تأسيس آلية تنسيق من أجل إدخال مواد البناء إلى غزة في عام 2010، بدأت الأونروا العمل بخطة إنعاش وإعادة بناء. ومنذ ذلك الوقت، تم بناء 34 مدرسة وثلاثة مراكز صحية، وذلك إلى جانب مشروع واسع النطاق يهدف لبناء 752 وحدة سكنية في رفح بتمويل من حكومة المملكة العربية السعودية. وتشمل المبادرات الأخرى مشاريع إعادة إسكان بتمويل من اليابان وهولندا والإمارات العربية المتحدة، والتي تم بموجبها بناء 650 وحدة في خان يونس.
وقالت الأونروا إننا نقدم أيضا تقييما فنيا ومتابعة لعمليات البناء بهدف التقليل من الآثار المباشرة لحالات الطوارئ. إن هذا يشمل إعادة بناء المساكن للعائلات اللاجئة الفلسطينية التي أصبحت بلا مأوى بعد أن تعرضت منازلها للتدمير بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية أو الكوارث الطبيعية.
وأضافت "تعطي برامجنا الأولوية للاجئين المسجلين كحالات عسر شديد وذلك من خلال العمل على إعادة تأهيل مساكنها غير الآمنة".
مستقبل الأونروا
تشير المعطيات الميدانية إلى أن وقف عمل الأونروا سيترك أثراً بالغاً على اللاجئين عموماً وسكان قطاع غزة بوجه خاص.
يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبو هولي: "إن إسرائيل تسابق الزمن لإنهاء ولاية الأونروا ونقل صلاحياتها للمنظمات الدولية"، مؤكدا أن الهدف الرئيسي من وراء إنهاء عمل الأونروا هو تصفية قضية اللاجئين وتجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين وتغيير معايير الحل السياسي المستقبلي من جانب واحد، عبر إغلاق الملف دون تطبيق القرار الأممي رقم 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها عام 1948".
واعتبر أبو هولي أن الاحتلال لا يسعى لحل المشكلة الإنسانية في غزة، بل يسعى لتقويض عمل الأونروا عبر استهداف موظفيها ومنشآتها وقوافلها الإنسانية، مشددا على أن القوانين المحلية للدول "لا تلغي القوانين الدولية والقرارات الأممية، وأن إسرائيل ليست صاحبة سيادة على ولاية الأونروا وعملها وهي ملزمة كسلطة احتلال باحترام منشآت وولاية وحصانة الأونروا في القدس".
ودعا أبو هولي المجتمع الدولي، وخصوصًا مجلس الأمن الدولي، لتحمل مسؤولياته تجاه حماية الأونروا وضمان استمراريتها، وتمكينها من القيام بولايتها كاملة في أقاليمها الخمسة وفقًا للتفويض الممنوح لها بالقرار 302. وأوضح أن الأونروا تعمل على تقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين وضمان حقوقهم إلى حين توصل المجتمع الدولي إلى "حل عادل وشامل للاجئين الفلسطينيين يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194".
في الغضون قالت مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا، جولييت توما، إن الوكالة ضحية للحرب في غزة، بدءاً من العدد الكبير من الموظفين الذين قُتلوا – 237 حتى الآن، ويتزايد العدد بشكل يومي تقريباً. إنه أكبر عدد شهدته الأمم المتحدة في تاريخها؛ أعلى من أي منطقة حرب أو كارثة طبيعية أخرى.
وأضافت توما في حديثها مع صحيفة " The New Humanitarian"هناك تأثير على مباني ومرافق الوكالة، حيث تحولت معظم مدارسنا إلى مراكز إيواء في وقت مبكر جداً. تعرض ثلثا مبانينا للضرر. يشمل ذلك مراكز الإيواء، والمكاتب، وبيوت الضيافة، ومراكز توزيع الطعام، والمستودعات.
وتابعت "نحن أيضاً عرضة لحملة تضليل ومعلومات خاطئة قاسية ومستدامة تؤثر بشكل كبير على سمعة الوكالة، ولكن أيضاً على سلامة موظفينا، بما في ذلك الذين يعملون في الصفوف الأمامية الإنسانية في غزة والضفة الغربية".
وأشارت إلى أن وكالتها اتخذت الإجراءات اللازمة للتعامل مع الاتهامات الموجهة ضدها، بما في ذلك إجراء تحقيق أممي. وقد أضحت النتائج متاحة عبر الإنترنت. "تحدثنا علناً عن نتائج التحقيق وتلك الادعاءات. ومع ذلك، استمرت حملات التضليل على الرغم من هذه الإجراءات. والآن نرى الأحدث، وهو هذا التشريع. من الواضح أن هناك هجوماً على الأونروا".
ولفتت توما إلى أنه منذ بدء الحرب، وبسبب القيود المفروضة على الحركة بما في ذلك إلغاء التصاريح للعمال في داخل إسرائيل ــ فقد الكثير من الناس سبل عيشهم. وازداد الفقر، وهذا يعني أن الناس يلجأون إلى الأونروا أكثر للحصول على الخدمات.
وقالت مدير الإعلام بالأونروا: "تقع عياداتنا في المخيمات. وبالتالي يستطيع الناس أن يمشوا إلى العيادات، بدلاً من ركوب الحافلة أو القيادة إلى مكان أبعد قليلاً. وبالتالي، فإن هذا يعني أن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السن، والنساء، والأطفال، لن يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية الأولية. فهناك خدمات طب الأسنان، وهناك الصيدليات، وهناك خدمات المختبرات. ثم هناك المدارس. وقد زاد عدد الأطفال الذين يذهبون الآن إلى مدارس الأونروا لنفس الأسباب".
وتساءلت "كيف سيتم استبدال هذه الخدمات؟ ومن الذي سيقدم هذه الخدمات؟ إذا نظرنا إلى خيار مثل السلطة الفلسطينية، فإنهم يمرون بأزمة مالية وتحديات خاصة بهم، بما في ذلك دفع الرواتب؟. ما هو مصير الأشخاص الذين تخدمهم هذه الوكالة؟".
ومضت تقول "إلغاء الأونروا يعني حرمان ملايين الناس من المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية، ولا يعني ذلك أنهم سيتوقفون عن كونهم لاجئين بين ليلة وضحاها، لقد أصبحت العملية الإنسانية في غزة بسرعة، ودون داعٍ على الإطلاق، عملية معقدة ومرهقة. كانت هناك عقبات وتعقيدات وتحديات كثيرة حالت دون القيام بما يجب أن يكون عملاً بسيطاً للغاية، وهو إيصال المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص المحتاجين".
وفي إجابتها على سؤال: إذا دخل الحظر حيز التنفيذ، فكيف سيؤثر على قدرة الأونروا على العمل في غزة على وجه التحديد؟. قالت لا أعرف حقاً ما الذي يعنيه ذلك وإلى أي درجة سيتم تطبيقه. ليس واضحاً على الإطلاق. ما أعرفه هو أننا في سباق مع الزمن. لدينا 90 يوماً ويجب أن يحدث تغيير خلال هذه الفترة. وإن التركيز ينبغي أن ينصب على تمكين المجتمع الدولي من التوصل إلى نهاية للحرب، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان تدفق الإمدادات الإنسانية إلى غزة، بدلاً من التركيز على حظر الأونروا أو على بدائل التمويل.