آخر قصة
نامت الطفلة سوزي أشكنتنا البالغة من العمر ستة سنوات مع أخوتها الأربعة داخل مسكن أسرتها الواقع وسط مدينة غزة. واستيقظت بمفردها في غرفة طبية داخل مشفى الشفاء الذي يبعد عن المسكن نحو مئتي متر تقريباً.
بعد أكثر 10 ساعات قضاها رجال الإنقاذ بحثاً عن أحياء من تحت أنقاض منزل اشكنتنا الذي دمرته غارات إسرائيلية ضخمة قبل فجر الأحد، تمكنوا من إنقاذ سوزي ووالدها، بينما استشهدت والدتها وإخوتها الأربعة.
لم شمل الفتاة الصغيرة، مع والدها الذي كان يتلقى العلاج أيضاً في غرفة واحدة داخل المشفى الأكبر على مستوى قطاع غزة.
قال رياض اشكنتننا بعد أن جمعهم الطاقم الطبي على سريرين مجاورين: "سامحيني يا ابنتي لقد صرخت لي بالمجيء إليِك، لكنني لم أستطع الحضور".
تعرض منزل هذه الأسرة لقصف جوي إسرائيلي منتصف ليل الأحد (16 مايو)، ضمن هجمة صاروخية كبيرة على منازل المدنيين، أسفرت عن استشهاد 42 شخصًا بينهم 10 أطفال، وبذلك ارتفعت حصيلة الشهداء الذين ارتقوا في غزة خلال أسبوع 192 شهيداً.
واستهدفت إسرائيل ما يزيد عن 500 بيت في قطاع غزة المكتظ بالسكان، عدد كبير منها دمرته بدون سابق إنذار. في المقابل يتحصن الإسرائيليون من صواريخ المقاومة الفلسطينية داخل ملاجئ آمنة مع انطلاق صافرات الإنذار في جميع ساعات النهار والليل.
يبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الفعل خلال حديثه لقناة سي بي إس الأمريكية قائلاً: "سبب وقوع هؤلاء الضحايا هو أن حماس تهاجمنا بشكل إجرامي من الأحياء المدنية".
ومنذ تدمير البناية التي تتواجد فيها أسرة اشكنتنا، بدأت فرق الاسعاف والدفاع المدني بتفقد الركام بحثاً عن الأحياء وانتشال الجثث، وهم يرددون "الله أكبر".
أخرج رجال الإنقاذ سوزي والغبار يغطي وجهها، وقد كانت تأن وتبكي عندما نُقلت إلى سيارة إسعاف.
داخل المشفى كان الأقارب يتابعون تفاصيل الإنقاذ بقلق كبير. كلما جاءت سيارة اسعاف محملة بالمصابين كانوا يهرعون إليها على أمل أن ينجو باقي أفراد الأسرة.
"هل هذا يحيى؟ إنه يحيى؟" كان رجال ونساء يبكون وهم يرون جثة طفل محمول بين يدي المسعف في قاعة الاستقبال، قبل أن يخبرهم المسعفون بقليل أن الصبي البالغ من العمر أربع سنوات، شقيق سوزي، وقد استشهد.
بعد دقائق، تم نقل جثة فتاة إلى الداخل. "أحضروا دانا. دانا ، دانا ، هل أنت بخير؟" لقد سألوها. لكن الفتاة استشهدت أيضا مع أخوتها الثلاثة. في تلك اللحظة أصيبت امرأتين بالإغماء.
بعد انتشال رياض اشكنتنا من تحت الأنقاض، تبين أنه لم يقوى على الحركة، وقد دفع به أحد أقرباءه على كرسي متحرك وهو معصوب الرأس، ليلقي النظرة الأخيرة على زوجته وأطفاله الأربعة الذين قضوا شهداء، وقد كان في حالة من الصدمة والحزن الكبير.
أتاحت رؤية سوزي وعيناها مفتوحتين أثناء وصولها إلى المشفى، لحظة من الفرح قبل أن يتم أخذها سريعًا لإجراء الأشعة السينية. قال الأطباء إنها أصيبت بكدمات لكنها لم تصب بجروح خطيرة، وتم نقلها إلى سرير بجانب والدها.
قال رياض اشكنتنا إنه كان يعتقد أن عائلته آمنة لأن هناك أطباء يعيشون في شقق سكنية في نفس المبنى، وأنه وضع الأطفال في غرفة اعتقد أنها آمنة. وقال "فجأة دمر صاروخ مصحوب باللهب جدارين كبيرين داخل المسكن، ركضت مع زوجتي للاطمئنان على أطفالنا لكن وقع صاروخ ثان أدى إلى انهيار السقف بالكامل فوق رؤسنا".
قال: "سمعت ابني زين ينادي:" أبي، أبي ". كان صوته على ما يرام، لكنني لم أستطع الالتفات إليه لأنني كنت محاصرًا".