حُرمت السيدة الفلسطينية رضا عبد القادر (59 عاماً) من التواصل مع شقيقها الوحيد المقيم في بريطانيا عبر الانترنت، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعدما كانوا يتشاركون تفاصيل حياتهم بشكل يومي.
ولم تسعف السيدة عبد القادر التي لاتزال تقيم رفقة أبنائها الخمسة وزوجها في مدينة غزة، آلام القدمين على الانتقال مسافةً لا تقل عن كيلو متر واحد لأجل الوصول إلى أقرب نقطة انترنت تقع إلى الغرب من المدينة، كما لا تملك مصدراً للدخل يعينها على دفع قيمة الاتصال مقابل كل ساعة 2 شيكل بحد أدنى (أكثر من نصف دولار).
ويعتمد السكان في محافظتي غزة والشمال على وجه الخصوص والمقدر عددهم الآن بعد نزوح الآلاف تجاه جنوب القطاع، بـ(700 ألف نسمة)، على إحدى طريقتين في الوصول إلى الانترنت: الأولى تتمثل في شرائح الاتّصال الإلكترونية (e-SIM) الدولية، أما الثانية فهي خط النفاذ. وكلتيهما تعانيان تردي الخدمة، نتيجة الانقطاع المتكرر الناجم عن تشويش الاتصال، وقطع الأسلاك.
في الحالتين، يقع المواطنون ضحايا، أولاً بفعل التعدي على حق أصيل من حقوق الإنسان والمتمثل في الوصول الآمن للأنترنت، وثانياً، الاستغلال من مزودي الخدمة الذين يحصلون على الانترنت عبر خط النفاذ ويستثمرونه في إقامة شبكة معززة بسيرفر يتم بواسطته بيع الانترنت بالساعة للمستهلكين الكادحين، وهم عملياً لا يخضعون (أي مُلاك الشبكات) لأي شكل من أشكال الرقابة في الوقت الراهن بفعل حالة الحرب.
كيف بدأ العقاب؟
يُشكل انقطاع الانترنت عن قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، عقاباً بالنسبة للسكان المدنيين المحاصرين في القطاع تحت وطأة القصف والتدمير. كما وتسهم عدم قدرة سكّان غزّة على الوصول إلى الإنترنت ووسائل الاتصال بشكلٍ دائم في تعزيز حالة الخوف وعدم اليقين التي يعيشونها، إذ لا يستطيعون الاطمئنان على أحبّائهم، أو التواصل معهم، أو الوصول إلى المعلومات المنقذة للحياة، أو توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والأعمال العدائية التي تحدث على أرض الواقع.
ووفق دراسة أجريت حول كيفية قطع إسرائيل الانترنت عن غزة، صدرت في نوفمبر الماضي، فإنه ومنذ 31 تشرين الأول/أكتوبر، يواجه 15 مزوداً لخدمات الانترنت يعملون في غزة من أصل 19 انقطاعاً تاماً في خدمات الهاتف المحمول والنطاق العريض، وكانت كلا من الشركات الأربع المتبقية تعاني من نسب مرتفعة ومتفاوتة من تعطيل في الخدمات، ما أثّر على الملايين من الأشخاص.
وطبقاً للدراسة، فقد أثّرت عمليات الانقطاع التام بشكلٍ مباشر على حوالي 411 ألف شخص يستخدمون هذه الخدمات في غزة. فيما يشير المركز الفلسطيني للإحصاء خلال الربع الأول من العام 2022، أن حوالي 90% من الأسر في قطاع غزة لديها أو لدى أحد أفرادها إمكانية النفاذ إلى خدمة الإنترنت في المنزل، وهذا يرجح بأن نسبة سكان غزة الذين تأثروا بانقطاع الانترنت، ربما أكثر من الرقم الآنف الذي أشارت إليه الدراسة.
وارتبطت أزمة انقطاع الانترنت بالعمليات العسكرية البرية لمحافظات قطاع غزة الخمس، إذ إنه كلما كان جيش الاحتلال يجري تدميراً على الأرض كلما كان الوصول إلى الانترنت أمرًا أعقد بفعل تدمير البنى التحتية المدنية للاتصالات ومنها الخطوط الواصلة للإنترنت. ومع مرور الوقت توقفت -على الأقل- في شمال غزة كافة شركات الانترنت عن العمل بما في ذلك الشركة الأم (شركة الاتصالات الفلسطينية)، والتي استعادت قدرتها على تقديم الخدمات في مناطق محدودة بدءاً من إبريل الماضي.
يشكل هذا الأمر من المنظور القانوني، تعدياً على حق من حقوق الإنسان، وفق ما أقرّه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يوليو 2016، باعتبار الانترنت حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان.
انتهاك واستغلال
غير أن المشكلة لا تكمن في هذا التجاوز القانوني فحسب، بل امتد الأمر لاستغلال الانترنت كسلعة محدودة الوصول، في ظل الاحتياج الماس من قبل السكان الذين يعانون شظفاً في العيش نتيجة انعدام مصادر الدخل وتضخم نسبتي الفقر والبطالة على نحو غير مسبوق.
يبدي المواطن توفيق سالم، استياءً كبيراً نتيجة عدم وجود رقابة على مزودي خدمة الانترنت، منتقداً حالة التكسب التي يمارسها أصحاب الشبكات المحلية التي تنتشر في الأحياء والتي تستفيد من خدمات الانترنت عبر شركة الاتصالات الفلسطينية، دون مراعاة لظروف السكان.
وقال سالم إنه يضطر لدفع قيمة 3 شواكل (أقل من دولار) مقابل كل ساعة وصول للإنترنت يشوبها الكثير من الانقطاع، عبر شبكة رديئة قُدر لها النجاة من القصف والتدمير، ويرفض مالك الشبكة تزويد مشتركيه السابقين بخطوط اشتراك شهري.
وأضاف "أي كانت قيمة الفاتورة الشهرية التي يدفعها مالك الشبكة، للشركة الرئيسية المزودة للإنترنت (شركة الاتصالات الفلسطينية)، فهي لم يطرأ عليها أي زيادة بعد إعادة صيانة الشبكة وتشغيلها، فلماذا يحرم مُلاك الشبكات مشتركيهم من الوصول إلى الانترنت ويجبرونهم على شراء الخدمة ساعة بساعة؟".
ولو افترضنا أن المواطن العادي بحاجة إلى دفع ما قيمته خمسة شواكل يومياً بمقابل الحصول على انترنت رديء لمدة ساعتين من أصل 24 ساعة، فمعنى ذلك أنه يحتاج إلى 150 شيكلًا شهرياً مقابل 60 ساعة، بينما كان يدفع قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع متوسط قيمة اشتراك شهري (30 شيكلًا) -بناء على حجم السرعة- بمقابل 720 ساعة.
أحد مالكي شبكات الإنترنت التي استعادت قدرتها على العمل في مايو الماضي بعد تعطيل دام نحو سبعة أشهر، ويدعى "أبو محمد" قال إنه ليس بإمكانه توصيل خطوط انترنت لصالح مشتركيه السابقين في نفس الحي الذي يقطنه غرب مدينة غزة، بدعوى رداءة الانترنت.
وبرر مالك الشبكة رفضه لتفعيل خطوط الاشتراك الشهري، بأنه عائد إلى عدم رغبته بفتح باب للمراجعة أمام المستفيدين كلما أصاب الشبكة عطل فني خارج عن إرادته كما قال، في الوقت الذي يقوم فيه بتوصيل أسلاك ووحدات اتصال، ليشمل مساحات أوسع من المستفيدين، وفق نظام الساعة.
وبإجراء مقارنة بسيطة بين قيمة الاشتراك الشهري وبين ما يمكن أن يحققه ملاك الشبكات من عوائد مادية تعتمد على نظام الساعة في وصل الانترنت للأفراد، نجد أن هناك استغلالا كبيراً، نظراً لحالة التكسب الحاصلة في ظل تردي الوضع المعيشي للسكان الواقعين تحت ظلال الحرب والحصار والمجاعة.
تشير التقديرات المحلية إلى أن متوسط عدد بطاقات الانترنت التي تستخدم لمرة واحدة ولمدة (60 دقيقة) والتي تستهلك خلال اليوم الواحد، يصل إلى 200 بطاقة. أي بمتوسط عائد مادي 400 شيكل يومياً. وهي قيمة توازي قيمة اشتراك شهري لنحو 12 مشترك.
غير أن المشكلة لا تكمن في هذا التجاوز القانوني فحسب، بل امتد الأمر لاستغلال الانترنت كسلعة محدودة الوصول، في ظل الاحتياج الماس من قبل السكان الذين يعانون شظفاً في العيش نتيجة انعدام مصادر الدخل وتضخم نسبتي الفقر والبطالة على نحو غير مسبوق.
يبدي المواطن توفيق سالم، استياءً كبيراً نتيجة عدم وجود رقابة على مزودي خدمة الانترنت، منتقداً حالة التكسب التي يمارسها أصحاب الشبكات المحلية التي تنتشر في الأحياء والتي تستفيد من خدمات الانترنت عبر شركة الاتصالات الفلسطينية، دون مراعاة لظروف السكان.
وقال سالم إنه يضطر لدفع قيمة 3 شواكل (أقل من دولار) مقابل كل ساعة وصول للإنترنت يشوبها الكثير من الانقطاع، عبر شبكة رديئة قُدر لها النجاة من القصف والتدمير، ويرفض مالك الشبكة تزويد مشتركيه السابقين بخطوط اشتراك شهري.
وأضاف "أي كانت قيمة الفاتورة الشهرية التي يدفعها مالك الشبكة، للشركة الرئيسية المزودة للإنترنت (شركة الاتصالات الفلسطينية)، فهي لم يطرأ عليها أي زيادة بعد إعادة صيانة الشبكة وتشغيلها، فلماذا يحرم مُلاك الشبكات مشتركيهم من الوصول إلى الانترنت ويجبرونهم على شراء الخدمة ساعة بساعة؟".
ولو افترضنا أن المواطن العادي بحاجة إلى دفع ما قيمته خمسة شواكل يومياً بمقابل الحصول على انترنت رديء لمدة ساعتين من أصل 24 ساعة، فمعنى ذلك أنه يحتاج إلى 150 شيكل شهرياً مقابل 60 ساعة، بينما كان يدفع قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع متوسط قيمة اشتراك شهري (30 شيكل)-بناء على حجم السرعة- بمقابل 720 ساعة.
أحد مالكي شبكات الإنترنت التي استعادت قدرتها على العمل في مايو الماضي بعد تعطيل دام نحو سبعة أشهر، ويدعى "أبو محمد" قال إنه ليس بإمكانه توصيل خطوط انترنت لصالح مشتركيه السابقين في نفس الحي الذي يقطنه غرب مدينة غزة، بدعوى رداءة الانترنت.
وبرر مالك الشبكة رفضه لتفعيل خطوط الاشتراك الشهري، بأنه عائد إلى عدم رغبته بفتح باب للمراجعة أمام المستفيدين كلما أصاب الشبكة عطل فني خارج عن إرادته كما قال، في الوقت الذي يقوم فيه بتوصيل أسلاك ووحدات اتصال، ليشمل مساحات أوسع من المستفيدين، وفق نظام الساعة.
وبإجراء مقارنة بسيطة بين قيمة الاشتراك الشهري وبين ما يمكن أن يحققه ملاك الشبكات من عوائد مادية تعتمد على نظام الساعة في وصل الانترنت للأفراد، نجد أن هناك استغلالا كبيراً، نظراً لحالة التكسب الحاصلة في ظل تردي الوضع المعيشي للسكان الواقعين تحت ظلال الحرب والحصار والمجاعة.
تشير التقديرات المحلية إلى أن متوسط عدد بطاقات الانترنت التي تستخدم لمرة واحدة ولمدة (60 دقيقة) والتي تستهلك خلال اليوم الواحد، يصل إلى 200 بطاقة. أي بمتوسط عائد مادي 400 شيكل يومياً. وهي قيمة توازي قيمة اشتراك شهري لنحو 12 مشتركًا.
من يضمن الحماية؟
ولطالما اعتبرنا أن الإنترنت "سلعة" يحصل عليها المستهلك بمقابل مادي، فإن قانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم (21) لسنة 2005- والذي يهدف إلى حماية وضمان حقوق المستهلك بما يكفل له عدم التعرض لأي غبن أو خسائر، وتوفير السلع والخدمات ومنع الاستغلال والتلاعب في الأسعار- فإنه يحظر في المادة (2) على كل مزودي الخدمات، بيع سلعة أو تقديم خدمة بسعر أو بربح يزيد عن السعر المعلن عنه.
من جانبه قال المحامي بلال البكري، إن الخطوات الواجب اتباعها الآن في ظل غياب أدوات الرقابة الفاعلة على عمليات تقديم الخدمة للمواطنين بالشكل الأمثل من قبل المؤسسات مقدمة الخدمات، يتطلب تدخل عاجل من الجهات الرسمية لوضع حد لعملية الاستغلال التي يعانيها السكان وبخاصة بعد شيوع الفقر.
وقال البكري، صحيح أن الاحتلال يقطع الطريق على كافة الجهود الرسمية الرامية إلى ضبط الحالة القائمة سواء محاربة الاحتكار أو الاستغلال وغير ذلك، لكن ذلك لا يجب أن يكون مدعاة لانتشار الاستغلال، مشدداً على أهمية أن تلتزم الشركة مقدمة الخدمة بضمان تحقيق عدالة توزيع الانترنت على المستهلكين قدر المستطاع، وأن تلزم مالكي شبكات الانترنت بوقف حالة التكسب التي يمارسونها على حساب جيوب المواطنين البائسين.
في المقابل، أكد مصدر في مجموعة الاتصالات الفلسطينية، أنه لم يجر فرض أي رسوم إضافية على فاتورة الانترنت أي كان سرعته، لذا؛ عبر عن استغرابه واستهجانه من عملية الاستغلال التي يمارسها أصحاب شبكات الانترنت.
وقال المصدر إنهم حريصون جدا على إعادة صيانة خطوط الانترنت وتوصيلها إلى المشتركين بما هو متاح من إمكانات، وعلى الرغم من التحديات الميدانية المرتبطة بعمليات الاستهداف المتواصلة لجيش الاحتلال لمختلف المناطق.
ونفى المصدر أن يكون هناك رقابة فاعلة على شبكات الانترنت المنتشرة بين الأحياء بسبب ما أسماه "الظروف المعقدة التي يعانيها القطاع"، معبرا عن رفضه أن يقوم ملاك هذه الشبكات بالتكسب واستغلال المواطنين، مقدماً وعداً بضرورة مراجعة الأمر مع الجهات المعنية لوقف حالة الاستغلال.
بنية تحتية
وعوداً على ذي بدء، فإن قطع الاحتلال الإسرائيلي الانترنت عن قطاع غزة ضمن عملياته العسكرية على القطاع، يستوجب أن تعمل الجهات المعنية مع المجتمع الدولي سويا لأجل وضع حد لقطع الإنترنت وانقطاع الاتصالات في غزة، ما يُعتبر مخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وطبقاً للدراسة الآنفة، فإنه لأجل وضع حد لهذا الانتهاك، فلا بدّ من تمكين الفلسطينيين من إنشاء وتطوير وتشغيل بنية تحتية مستقلة للاتصالات وفقاً لما نصّت عليه اتفاقيات أوسلو.
وطبقاً للدراسة فإن أثر التدمير أو الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية للاتصالات والإنترنت، يتفاقم نظراً لواقع أنّ الفلسطينيين لا يديرون بنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مستقلّة وخاصة بهم.
والجدير بالذكر أنّه وبموجب اتفاقيات أوسلو، يُمنح الفلسطينيون "الحقّ في بناء وتشغيل أنظمة اتصالات وبنى تحتية منفصلة ومستقلّة، بما في ذلك شبكات الاتصالات وشبكة تلفزيون وشبكة راديو". إلّا أنّه لم يُسمَح بتطوير أي بنية تحتية فلسطينية مستقلّة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ توقيع الاتفاقية في العام 1995.