لقاح كورونا في غزة: الخوف من التطعيم يفوق الخوف من الفيروس نفسه

لقاح كورونا في غزة: الخوف من التطعيم يفوق الخوف من الفيروس نفسه

ذات مرة قال الرئيس الأسبق لجامعة هارفارد ديريك بوك: "إذا كنتَ تظن أن التعليم مُكلف، جرّب الجهل." هذه المقولة الذائعة الصيت تكاد ترتقي إلى مستوى "الحكمة" لشدة واقعيتها، فالمعنى الضمني للجملة ينطبق على مفاصل الحياة كافة.

إذا أخذنا المقولة على الصعيد الصحي مثلاً في فلسطين، فسنجد أنها خير ما يمكن أن نستشهد به لتشخيص الواقع الطبي، فالعلاقة بين المريض والطبيب في قطاع غزة بوجه خاص هي علاقة قائمة على الشك وانعدام الثقة، وبالتالي فإن كل ما كان يصدر عن وزارة الصحة منذ انتشار الجائحة في آذار/ مارس 2020 كان موضع شك بالنسبة إلى الجمهور،  ولا سيما لدى فئة كبار السن.

مضى أكثر من عام على انتشار فيروس كوفيد 19 وما زال الناس حتى يومنا هذا يدّعون أنه مجرد "مؤامرة"، وأن لا وجود له، على الرغم من أن مستوى الإصابات تجاوز سبعة وسبعين ألفاً، عدا عن وفاة قرابة 650 شخصاً. وما زال الرهان الآن على الوعي فقط، وخصوصاً في ظل ضعف الإقبال على أخذ اللقاح.

حتى مطلع نيسان/أبريل الحالي بلغ إجمالي جرعات التطعيم التي وصلت إلى قطاع غزة 81600 جرعة، بينما بلغ إجمالي عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح 22.941 ألف مواطن.

إن أخطر ما في الأمر أن الخوف هو فيروس آخر يضاف إلى كورونا، وكلاهما ينتشران بسرعة البرق في القطاع، فالمواطنون يخشون تلقّي اللقاح بسبب الإشاعات المحلية بأنه "يسبب الجلطات"، بينما يصيب الفيروس الآلاف من المواطنين يومياً، في الوقت الذي خففت الأجهزة الأمنية القيود السارية لمنع انتشار العدوى.

سجلت الإحصاءات التي تصدرها وزارة الصحة في غزة خلال الأسبوعين الأخيرين، والمتعلقة بحالات الإصابة والوفاة بكورونا في قطاع غزة، أرقام إصابات مهولة ومربكة في آن واحد، وخصوصاً في ظل العجز الذي يعانيه القطاع الصحي. إذ تشير البيانات حتى تاريخ التاسع من نيسان/أبريل، إصابة 77.307 ألفاً، بينما بلغ العدد التراكمي للوفيات 650 حالة وفاة.

وإذا أخذ بالاعتبار أن غزة سجلت أول حالة وفاة في الثالث والعشرين من أيار/مايو 2020، فإن هذا يعني أنه خلال أقل من عام يموت بسبب الفيروس شخصان يومياً تقريباً، من دون أن يشكل هذا التهديد رادعاً أمام حالة التراخي القائمة، والتي تتيح للمواطنين فرص التزاحم في الشوارع والمولات التجارية وحتى المقاهي، مع انعدام شبه كامل لوسائل الحماية الشخصية.

ثمة استطلاع أجريته مع عدد من كبار السن تتراوح أعمارهم بين الخمسين والسبعين عاماً (الفئة الأكثر حاجة إلى التطعيم) لمعرفة المخاوف من تلقّي اللقاح، غير أن النتيجة كانت واحدة لدى الجميع: "نحن نخشى من ظهور آثار جانبية".. يقولون إنه خطِر، من دون أن يعرفوا مَن القائل!

من الواضح أن المساحة الواسعة التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي للإشاعات المتعلقة بخطورة اللقاح، بصرف النظر عن الدولة المصنعة، قد وصلت بطريقة ما إلى أسماع كبار السن، إلى حد أن بعضهم يفضل الموت بالفيروس على أخذ اللقاح!

ووفقاً لإفادة مصادر مطلعة داخل وزارة الصحة في غزة، فإن عدد الذين حصلوا على اللقاح منذ أعلن عنه في شباط/فبراير الماضي، أقل من 30 ألف مواطن، في حين أن مليوناً ومئتي ألف شخص بحاجة إلى الحصول عليه، وأن عدد اللقاحات المتوفرة إلى الآن بلغ 82 ألف جرعة.

طالما أن المشكلة الآن هي مشكلة وعي، فإن الوعي لا يتشكل عبر إعلان يُنشر عبر صفحة وزارة الصحة عبر الإنترنت يدعو المواطنين إلى تلقّي اللقاح، أو حتى عبر الإذاعات المحلية، فهذا غير كافٍ ولن يشكل أداة إقناع.

السكان لا يبالون بمثل هذه الرسائل، ولهذا فإن التوعية بحاجة إلى النزول إلى الميدان، وتولّي الكادر الطبي مهمة إقناع فئة كبار السن بأهمية حصولهم على اللقاح لأنهم أكثر عرضة لخطر الموت إذا ما أصيبوا بالفيروس.

فضلاً عن ذلك، فإن هناك أيضاً حاجة ماسة إلى أهمية أن تقوم وزارة الصحة ببث رسائل إلى أشخاص حصلوا على اللقاح يبددون فيها مخاوف نظرائهم، ويحثونهم على الحصول على الطعوم. كما لا بد من أن تتحرك في اتجاه إعادة الثقة إلى الكادر الطبي المحلي، باعتبار أنه ليس هو المتسبب بهذه الحالة الوبائية، كما أنه ليس هو مَن اخترع اللقاح، وأنه بروتوكول عالمي أقرته منظمة الصحة العالمية. 

وهذا بالمناسبة ليس دور "الصحة" وحدها، فالمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأونروا وأطباء بلا حدود وحتى مؤسسات المجتمع المدني، وبصورة خاصة المؤسسات القائمة على تقديم الخدمات الطبية (الإغاثة الطبية، الهلال الأحمر وغيرها) مطالَبةٌ أيضاً بالتحرك تجاه تعزيز هذا الوعي من أجل ضمان صحة وسلامة السكان.