يستثمر الشاب الفلسطيني محمد الغندور (28 عاماً) توقف غالبية سيارات الأجرة عن العمل بفعل نفاذ مخزون محافظتي غزة وشمالها من الوقود، ويقوم باستخدام عربة الكارو خاصته في نقل المواطنين بمقابل أجر مادي يقيه وأسرته الفقر والجوع كإحدى تداعيات الحرب القائمة في قطاع غزة.
يستفيق الشاب الغندور القاطن في شمال مدينة غزة، قبل أن تنشر الشمس أشعتها على البنايات المهدمة. يصطحب حماره وينطلق إلى شوارع المدينة بحثاً عن الركاب الذين تقطعت بهم السبل في ظل محدودية وسائل النقل. ويعود أدراجه مساء اليوم بحصيلة نقدية تتجاوز المئة شيكل (20 دولارا). ويقول إنها بالكاد تكفي لشراء الاحتياجات الأساسية لأسرته المكونة من ثمانية أفراد، وبخاصة في ظل الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع.
وفي السابق كان عمل الشاب الغندور منحصراً في النقليات بمقابل الحصول على أجر زهيد، غير أنه ونتيجة الحرب ومع تعطل قطاع النقل أصبح ينقل الركاب وما تبقى من أثاث النازحين والمتضررين بفعل القصف الذي طال ما يزيد عن 60% من المساكن.
ضحك الشاب فتتكشف أضراسه، ثم قال "لقد أصبح للحمار قيمةً في ظل الحرب". وهو انعكاس لواقع الحال الذي أعاد السكان عشرات السنوات إلى الوراء، نتيجة الحرب التي تتجاوز يومها الـ180، ولم تزل مستمرة في ظل انعدام فرص الوصول لاتفاق تهدئة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
وارتفعت أسعار الدواب في قطاع غزة على نحو غير مسبوق، إذ كانت تتراوح قيمة الحمار قبل الحرب بـ300 دينار أردني، فيما الآن تتجاوز قيمته الألف دينار. ومع ذلك فإن الدواب أيضاً تعاني من انعدام الطعام (الشعير) حالها حال سكان شمال قطاع غزة الذين يعانون بفعل انعدام الغذاء، وحجب إدخال الدقيق بين الحين والأخر من قبل القوات الإسرائيلية التي تتمركز وسط القطاع وتتحكم في وصول المساعدات إلى شماله.
وتسعيرة النقل عبر عربة الكارو هي 5 شواكل للفرد الواحد، وتدفع بمقابل قطع مسافة 7 كيلومترات، وتزيد القيمة مع زيادة المسافة. نفس المسافة كان يقطعها المواطنون في غزة قبل الحرب عبر المركبات العامة بقيمة أجرة 2 شيكل.
يرجع الشاب الغندور ارتفاع قيمة الأجرة إلى شح أطعمة الدواب وغلاءها. وقال "لقد طال الغلاء جميع السلع بما فيها أطعمة الدواب التي حرمنا أنفسنا واطعمناها حتى لا تموت جوعاً، فلماذا لا نحوز على أجرة محترمة (يقصد أجرة ذات قيمة مرتفعة)، ألا يكفي ما نعانيه كعمال نقل من فقر لسنوات طويلة؟".
ومن ناحية عملية، فإن غالبية شوارع غزة تشهد دماراً واسعاً بما يعيق مرور المركبات، وهو أمر أسهم أيضا في انتشار عربات الكارو، إلى جانب أن المئات من المركبات قد دمرت بفعل الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي.
يوضح سائق الأجرة محمد عمار الذي يقود مركبة محطمة النوافذ، أن العمل لم يعد مجدِ نتيجة الارتفاع غير المسبوق لأسعار الوقود التي تباع في الأسواق السوداء بسبب الشح ونفاذ مخزون المحطات، بقيمة تتراوح بين (100-120 شيكلاً) بمقابل لتر سولار واحد.
وقال عمار (32 عاماً) قيمة السولار الباهظة تدفعنا لاشتراط دفع قيمة أجرة لا تقل عن عشرة شواكل لكل راكب، شريطة نقله متوسط مسافة تتراوح بين (5- 7 كيلو متر). إزاء ذلك يمتنع المواطنون الذين يعانون من فقر مدقع بسبب الحرب التي عطلت فرص العمل بشكل كامل، عن ركوب سيارات الأجرة التي تعمل بشكل متقطع ومحدود جداً. ويتجهون إلى استقلال عربات الكارو التي تعتبر أقل تكلفة.
وأصبح السكان يعتمدون بشكل كبير على العربات التي تجرها الحمير، في نقل البضائع، انطلاقا من مبدأ "مجبر أخاك لا بطل". فيما استخدمت في بعض الأحيان وبسبب عجز سيارات الإسعاف عن الوصول للمناطق المستهدفة، في نقل الجرحى وكذلك جثث الشهداء.
فيما يعتمد عليها الآن في نقل النفايات من الأحياء والتجمعات السكنية بعدما تعطلت بلديات قطاع غزة عن العمل، لاسيما بلديات شمال القطاع.
وتتفاقم ظروف سكان قطاع غزة يوما بعد يوم نتيجة الحرب المستمرة، دون وجود أفق لوقف إطلاق النار، أو جهود فعلية من شأنها التخفيف من حدة تأثير الأزمة الإنسانية على السكان المدنيين بما في ذلك السماح بإدخال الوقود بشكل أمن.