في أغلب الأحيان لا يبوح كبار السن في المجتمعات العربية، بما فيها الأراضي الفلسطينية بالمشاكل النفسية والأزمات التي يمرون بها، وهذا في الغالب يشكل تهديداً لصحتهم النفسية.
فكيف بحالهم الآن في ظل الحرب الإسرائيلية القائمة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتي قادت في نهاية المطاف لقتل المئات من كبار السن فضلا عن تهجير المئات منهم وقاداتهم إلى خيام النزوح ومراكز الإيواء؟
الحاج عمر سالم، هو رجل يتجاوز السبعين عاماً، يقول إن الحرب التي يمر بها القطاع جعلته يشعر باقتراب الأجل وأنه لم يعد لديه طاقة بممارسة أي نشاط، ويعاني قلقاً ملازماً وتوترا عصبياً، رغم أنه لم يكن يعاني مسبقاً من أي من المشاكل الصحية.
المواطن سالم الذي أخبر ابنه عن أوجاعه نظراً لعدم قدرته على تقديم تفاصيل عما يشغل تفكيره ويلقي بظلال نفسية سلبية على صحته، ليس الوحيد، فهناك المئات من كبار السن يعانون المشاكل ذاتها.
وتركت الحروب والنزاعات المسلحة آثاراً عميقة على السكان المدنيين، وخاصة على الفئات الضعيفة مثل كبار السن. في قطاع غزة المقام على مساحة 365 كلم2 والذي عانى من حروب وصراعات عديدة على مدار عشرين عاماً.
وبلغ عدد كبار السن في فلسطين حوالي 313 ألف فرداً، بما نسبته نحو 6% من إجمالي السكان في منتصف العام 2023 (حوالي 206 الآف فرداً يشكلون نحو 6% من إجمالي السكان في الضفة الغربية، وحوالي 107 الآف فرداً 5% من إجمالي السكان في قطاع غزة)، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويوجد في قطاع غزة دار للمسنين (مستشفى الوفاء) كان يعيش فيها 40 مسناً، 25 منهم إناث، و15 ذكور، أعمارهم تتراوح بين 70-90 عاماً. لا يعرف مصيرهم الآن في ظل استمرار الحرب، علماً أنه لا يوجد حماية لهؤلاء الأشخاص في أوقات الأزمات.
في العام 2014 قصفت طائرات الاحتلال المقر الأول للمستشفى في مدينة غزة خلال تواجد المرضى والمسنين بداخله، ثم دمرته بشكل كامل، وفق إفادة إدارة المستشفى.
وعلى أثر الحروب المستمرة يعاني كبار السن من تداعيات نفسية خطيرة نتيجة للصدمات المتكررة والظروف القاسية التي يعيشونها. يستحق هؤلاء الأفراد الرعاية الصحية والنفسية الملائمة، ولكن هناك تحديات كبيرة تواجه جهود تقديم الرعاية لهم، كما يقول الاختصاصي النفسي محمد مهنا.
وأوضح مهنا أن تأثيرات الحروب على الصحة النفسية لكبار السن في قطاع غزة، تشمل زيادة مستويات القلق والاكتئاب بشكل كبير، حيث تشير المعطيات الميدانية إلى أن هؤلاء الأشخاص يعاني الكثيرين منهم من الصدمة النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة للتعرض المتكرر للعنف والخطر وفقدان الأحباء.
هذه التجارب المؤلمة تترك آثاراً عميقة على الصحة النفسية لكبار السن، مما يؤثر سلباً على جودة حياتهم وقدرتهم على التعامل مع التحديات اليومية، حسبما قال مهنا.
من بين التحديات التي تواجه تقديم الرعاية لكبار السن في ظل الحروب في قطاع غزة، طبقا لإشارة الاختصاصي، هي قلة الموارد الصحية والنفسية المتاحة.
ويعاني القطاع من نقص حاد في المستلزمات الطبية والمواد اللازمة لتقديم الخدمات النفسية، مما يجعل من الصعب تلبية الاحتياجات الشديدة لهذه الفئة العمرية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه العاملون في مجال الرعاية الصحية تحديات في الوصول إلى كبار السن الذين يعيشون في مناطق نائية أو محاصرة، مما يجعل من الصعب تقديم الخدمات اللازمة لهم، لاسيما سكان شمال قطاع غزة.
وأشار مهنا إلى أنه لا يقتصر التحدي على الجوانب الصحية والنفسية فحسب، بل يشمل أيضاً الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، إذ يعيش كبار السن في ظل الحروب والنزاعات في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، حيث يفقدون العديد من الفرص والموارد، مما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على صحتهم النفسية.
على ضوء ذلك، ولأجل تحسين الرعاية لكبار السن في قطاع غزة، قدم مهنا مجموعة من التوصيات جاء في مقدمتها، ضرورة توفير الموارد اللازمة لتقديم الخدمات الصحية والنفسية الملائمة لهم وذلك يقع على عاتق وزارة الصحة الفلسطينية والمؤسسات الدولية العاملة في المجال.
كما يجب زيادة الجهود للوصول إلى الأفراد في المناطق النائية والمحاصرة وبخاصة في خيام النزوح ومراكز الإيواء، وتقديم الدعم الاجتماعي والاقتصادي لهم لتحسين جودة حياتهم وتقليل تأثيرات الحروب على صحتهم النفسية.
بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها كبار السن في قطاع غزة بسبب الحروب والنزاعات، يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية العمل بشكل متكامل لتقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء الأفراد المحتاجين، كما يقول مهنا، مشددا على أهمية ضمان حصولهم على الرعاية الصحية والنفسية اللازمة لتخطي التحديات التي يواجهون.
ويتعارض ما يتعرض له السكان المدنيون بما فيهم كبار السن، مع ما نص عليه القانون الدولي الإنساني، بوجوب حماية المدنيين في ظل الصراع. وتشير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، إلى أن لكبار السن نفس حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يتمتع بها الأشخاص الآخرون وهذه الحقوق تتعلق في الحق في عدم التعرض للتمييز على أساس السن أو أي شكل من أشكال العنف، متجذرة في الكرامة والمساواة المتأصلة في جميع البشر