لا وقت للهروب: الحياة بين قذيفتين

لا وقت للهروب: الحياة بين قذيفتين

ليس عليك أن تسأل فلسطينيا من سكان قطاع غزة، هل حزمت حقيبة الهروب؟، لأن تلك من البديهيات. فحزم الحقائب سلوك يفعله تقريبا معظم السكان في أوقات العدوان.

تلك حقيبة تتولى النساء تحضيرها في كثير من الأحيان إما قبل شن العدوان أو لحظة وقوعه تحسباً للحظة إخلاء أو نزوح تحت وطأة قصف، وفي الغالب تحتوي هذه الحقائب رزمة أوراق من شهادات ميلاد وبطاقات شخصية وعقود المساكن، إلى جانب أشرطة العقاقير والعلاجات لأصحاب الأمراض المزمنة.

ومع ذلك، لا يفلح الكثير من النازحين من اصطحابها خلال رحلة نزوحهم، لأنه في الغالب أمر اضطراري يمنح فيه السكان بين (5-10) دقائق لإخلاء البنايات توطئة لقصفها من قبل سلاح الطيران الإسرائيلي.

وطبقاً لإفادات العديد من السكان الذين أخلوا مساكنهم تحت تهديد القذائف الصاروخية، متجهين إلى بيوت أقارب أو نحو مراكز لجوء (مدارس الأونروا)، فإنهم لا يملكون ترف التفكير في حمل مقتنياتهم أو أي من ذكرياتهم، وإن جل ما يمكن ان يفكروا فيه هو النجاة بأي طريقة كانت.

وفي اللحظة التي تلقت فيها السيدة أمنية سالم اتصالاً هاتفياً من جيش الاحتلال، يطالبها بإخلاء البرج الذي تقطن فيه على الفور برفقة أسرتها المكونة من سبعة أفراد، لم تسعفها الذاكرة إلا في وضع غطاء رأس ومن ثم الهرب رفقة أفراد الأسرة عبر السلالم لأن المصعد كان متعطل بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وقالت سالم (42 عاماً) اصطحاب الحقيقة ربما يكون شيئا من الترف، حينما تتلقى تهديدا كهذا، لن تفكر في شيء سوى النجاة بنفسك وبأفراد أسرتك.. الموضوع ربما يحتاج قدرة على التحكم بالأعصاب، ولكن هذا أمر غير متاح في لحظات النزوح، بعدما تستشعر بزوال الخطر، تبدأ بالتفكير فيما آلت إليه الظروف وتبدأ في تأنيب نفسك عن سلوك خارج عن الإرادة، ألا وهو نسيان اصطحاب حقيبة أوراقك.

ولأنه لم يعد هناك مكاناً آمناً بالنسبة لسكان القطاع الذين يزيد عددهم عن اثنين مليون وأربعمائة ألف نسمة بفعل تعرض غالبية مساحة القطاع والتي بلغت 365 كلم2 للقصف، فمن غير الوارد ان يعد السكان خططا للهروب.

يشير أحد أفراد عائلة سويدان وهي واحدة من أصل 30 عائلة علقت في مدخل إحدى البنايات السكنية في محيط مهدد بالقصف بالقرب من الجامعات جنوب مدينة غزة ليلة العاشر من أكتوبر، عندما جرى محاصرتنا في ذلك المدخل كان يسيطر علينا التفكير بالنجاة بأي طريقة كانت لاسيما الأطفال الذين أبكاهم الخوف والذعر، وسط غارات جوية مجنونة على المناطق المجاورة.

لم يكن أمام تلك العائلة من فرصة سوى تقديم مناشدات عاجلة، تطلب طواقم الدفاع المدني أو الإسعاف أو الصليب الأحمر بإخلائهم من المكان، يقول محمد سويدان لقد مكثنا ما يزيد عن نصف ساعة نناشد، ربما كانت أخطر نصف ساعة عشتها في حياتي، فالمنطقة محاطة بالدمار والشظايا والنيران أيضا، فيما الطيران يغير فوق رؤوسنا، ولم يكن بالإمكان حتى التفكير في خطة للهروب".

يضيف والارتباك يسيطر عليه: "في واقع الامر هذه حرب مجنونة وليس بالإمكان تقدير شكل وحجم الخطر الذي من الممكن أن تفكر فيه، فالحكمة والعقلانية كانت تستوجب أن نحتمي أسفل البناية ونستنجد بفرق الإنقاذ من أجل إخلائنا إلى مكان آمن، وحين تمكنا من اللوذ بالفرار، تذكرنا أننا للأسف نسينا اصطحاب حقيبة الأوراق الثبوتية".

ونزح ما يزيد عن 123 ألفاً من السكان من مناطق متفرقة من قطاع غزة، تحت تهديد القذائف، في أعقاب اتصالات مباشرة تفيد بقرار تدمير مبانيهم، أو تلقيهم رسائل مسجلة عبر هواتفهم تطالب بالنزوح إلى قلب المدينة والابتعاد عن أماكن الخطر.

ومهما كان حجم أولئك السكان المدنيين الذين لم يستطيعوا اصطحاب حقائبهم أو سهو عن حملها خلال عملية النزوح، لكنهم يظلون أفضل حالاً من آخرين دمرت البنايات على رؤوسهم وسحقت أسماءهم من السجل المدني.

وبلغت عدد المباني التي تعرضت للتدمير الكلي نحو 80 بناية حتى مساء أمس، فيما دمرت أكثر من 600 وحدة سكنية كليا، فيما تضررت 5300 وحدة تضررت جزئيا.

ويخالف هذا السلوك قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف، التي نصت على ضرورة حماية المدنيين في أوقات النزاع.  

وقال مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس، نطالب المجتمع الدولي باتخاذ إجراء فوري وعاجل لوقف الانتقام والهجوم الإسرائيلي ضد السكان المدنيين/ات والأعيان المدنية في قطاع غزة المحاصر، مشيرا إلى أن التصريحات الأخيرة للحكومة الإسرائيلية، تنذر بازدياد غير مسبوق من عمليات القتل، يتحمل المدنيون/ات العبء الأكبر منها.

وشدد يونس على ضرورة مساءلة إسرائيل على جرائمها، داعيا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع التحقيق في الوضع في فلسطين بجميع الموارد والزيارات الميدانية والوفاء بالوعود التي قدمت في شهر ديسمبر 2022.

وقال: "إذا لم يتخذ المجتمع الدولي الإجراءات الضرورية لمحاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، فإن أعداد الضحايا من المدنيين/ات سيتزايد في ظل هذه الهجمة العسكرية وسيزيد معها التدمير في قطاع غزة"